يحيى علي نوري -
حتى لا يُستغل دعم فلسطين لخدمة أجندة حزبية
لسنا هنا في حاجة للحديث عن عظمة مواقف شعبنا الداعمة لاشقائه في فلسطين في كل الظروف والمحن وما يجود به بسخاء في سبيل التخفيف من معاناة اشقائه وكذا ما يحمله من مشاعر وطنية وقومية ازاءهم وهي مشاعر تعجز عن وصفها ادوات التعبير.
لكننا نحب من خلال هذه السطور الاطلالة السريعة على محاولات البعض استغلال هذه المشاعر والمآثر والمناقب العظيمة لشعبنا تحت مبررات دعم الاشقاء من خلال القيام بجمع التبرعات من قبل المواطنين وعلى مستوى مختلف الأطر الجغرافية للمديريات والمحافظات في اطار من العشوائية والارتجالية المتعمدة للأسف الشديد ودون التقيد بأدنى حدود الشفافية والموضوعية والمنطقية في التعاطي مع هذه العملية الأمر الذي عكس حالة من الاستغلال الفظيعة لهؤلاء الذين نصبوا انفسهم مندوبين عن الشعب الفلسطيني دون غيرهم من المواطنين وبكل ما يمثلونه من اتجاهات سياسية وحزبية.
نقول إن هؤلاء الذين يصرون اليوم على مواصلة جمع التبرعات خارج الأسس والقواعد التي حددتها الدولة لجمع التبرعات عبر فتحها لحسابات خاصة بالبنوك تسهل مهمة القيام بجمع التبرعات في اطار اسس وقواعد ادارية ومالية مفعمة بدرجة عالية من الشفافية والوضوح.. قد أفرطوا تماماً في اصرارهم هذا المفتقد للمبررات والحيثيات المنطقية وأكدوا وجود اهداف ومآرب يرمون الى تحقيقها خدمة لإجندتهم في افظع صور الاستغلال الرخيص لمشاعر شعبنا ازاء اشقائنا.. وباعتبار أن الحكومة قد أصدرت قبل فترة ليست بالبعيدة قراراً تضمن ضرورة قيام الدولة دون غيرها بجمع التبرعات للاشقاء، فإن الحكومة أضحت اليوم ومع تزايد حالة الريبة والشكوك جراء هذه الممارسات غير المسئولة مطالبة بضرورة القيام بوضع حد لمثل هذه التصرفات وبالصورة التي تتفق مع عظمة عطاءات شعبنا لاشقائه الفلسطينيين عن طريق الحسابات التي حددتها في البنوك وبما يجسد ايضاً عظمة الالتفاف الشعبي اليمني مع الاشقاء وفي اطار من الضمانات الكفيلة بإيصال الدعم إليهم بالاضافة الى ضمانات الشفافية والوضوح واحترام حق الرأي العام في الاطلاع على الارقام والمؤشرات ذات العلاقة بدعم شعبنا وبكافة الوسائل والطرق التي يتم اعتمادها لايصال الدعم الى مستحقيه.
نقول ذلك بعد أن اتسعت بصورة كبيرة حالة الممارسات غير المسئولة والتي وجد اصحابها في قيامهم بجمع التبرعات فرصة ثمينة لتحقيق اهداف ومآرب شخصية وحزبية على حساب دغدغة عواطف الجماهير من خلال فعاليات يتم الاعداد لها لهذا الغرض دون أن نجد القائمين على جمع هذه التبرعات يكلفون أنفسهم الاعلان عنها أمام الرأي العام مثل تبرعات المساجد التي تصل في عدة أشهر الى مئات الملايين، أو تلك الفعاليات التي يتم اقامتها في اطار قاعات الافراح والمناسبات ويتم استدعاء المئات بل الآلاف من العناصر الرجالية والنسوية بهدف التبرع للاشقاء.. الخ من الفعاليات العديدة التي من المفترض أن تجيب عن العديد من التساؤلات لكنها وفي ظل حالة الضبابية التي تتم هذه الفعاليات في اطارها نجدها تثير العديد من التساؤلات التي يطرحها العديد من المواطنين بكل موضوعية في محاولة منهم معرفة ما سوف تؤول اليه هذه المساعدات وخاصة في ظل غياب اشراف ورقابة الدولة عليها.
ولا ريب أن الاستمرار في هذا النشاط الخارج عن اطار القانون قد فتح شهية العديد من الذين وجدوا فيه فرصة للاثراء غير المشروع لممارسة المزيد من الأنشطة الاجتماعية الخيرية بصورة تبعث على التقزز وتفضح صوراً عدة من أساليب الاستغلال الرخيص لمشاعر ومآثر ومناقب شعبنا وعظمة روحه القومية والاخوية والانسانية ازاء اشقائه.
وللأسف الشديد أن نجد هؤلاء المهرولين وراء جمع التبرعات يدَّعون اليوم ودون خجل بأنهم دون غيرهم من أبناء شعبنا وقواه الحية الأكثر تفاعلاً مع الشعب الفلسطيني بل وصل بهم الأمر الى أن يصفوا المواطنين الذين يقدمون تبرعاتهم لاشقائهم عبر الحساب البنكي المحدد من قبل الحكومة بأنهم يقدمونها للمؤتمر الشعبي العام وحركة فتح باعتبارهما -من وجهة نظرهم -وجهين لعملة واحدة.
كما يصورون للناس أن من يقومون بالتبرع عبر المساجد أو الفعاليات التي يعدون لها هي تبرعات مشروعة لأنها ستسلم الى حماس عن طريق من يمثلهم هنا وهم بالطبع الاخوان المسلمون.
وتلك لاشك ترويجات ترصدها العديد من الفعاليات الحزبية والمدنية والابداعية في بلادنا وتبدي امتعاضها لحال كهذا علاوة على اعتبار هذه الممارسات بمثابة اعمال سيكون لها من التداعيات الخطيرة الكثير ولعل من أهمها الاساءة لشعبنا وعظمة مواقفه الداعمة لأشقائه في فلسطين.
وخلاصة فإن الحكومة باتت اليوم وأكثر من أي وقت مضى مطالبة بسرعة القيام بوضع حد لهذه الممارسات باعتبار ذلك يمثل مطلباً تعبر عنه الكثير من الفعاليات الوطنية الحريصة على الحفاظ على هذه الاشراقة اليمنية نحو الاشقاء في فلسطين والهادفة ايضاً جعل هذه الاشراقة تعبر عن زخم مختلف الفعاليات الوطنية وعدم حصرها في اطار جماعة بحد ذاتها.
وألا تظل هذه الممارسات المستغلة لعواطف وأحاسيس شعبنا مصدراً للاثراء غير المشروع من قبل البعض ومصدراً لخدمة اجندة حزبية لا شأن لها من قريب أو بعيد بقضية فلسطين، ولا تحترم مسار قضيته العادلة.. وإنما تخدم مسارات ضيقة نأمل ألا نجد لها انعاكاسات سلبية خطيرة على المستوى القريب تؤثر على شعبنا واستقراره وأمنه وسلامه الاجتماعي ومسيرته التنموية والديمقراطية وألاَّ تكون عاملاً من عوامل إحداث المزيد من التمزق في الصف الفلسطيني.