الأستاذ/ عبده بورجي -
إلى صديقي خالد
«مرثاة إلى روح صديقي العزيز
خالد عبدالله حمران رحمه الله»
< «ودعته وبودي لو يودعني.. صفو الحياة هو أني لا أودعه».
كلمات بليغة قالها ذات يوم شاعر عربي قديم لا أجد اليوم أبلغ منها معنى لأستهل بها يا صديقي الغالي كلمات وداع حزينة أكتبها إليك وأدرك سلفاً بأنك لن تقرأ حرفاً منها.. ولكن حسبي أنها مشاعر صديق مكلوم بذلك الرحيل المفاجئ الذي غيبك عنا ونحن نعيش لحظة الذهول والألم.. فلقد أخذتك المنية في رحلتها الأبدية الحتمية التي كلنا على دربها سائرون.. إنها مشيئة الله القوي العزيز الجبار وحيث لا راد لمشيئته سبحانه وتعالى.
«والموت نقاد على كفه.. جواهر يختار منها الجياد»
ولا أدري ياصديقي من أين أبدأ؟.. وما الذي يجب أن أسطر من كلمات ومعان تفر مني ولا تطاوعني لتعبر عما يجيش في نفسي من مشاعر الحزن والأسى بعد أن عاد إلينا بالأمس جثمانك قادماً من «ألمانيا» مُسجي في ذلك الصندوق الخشبي الذي أخفى عنا إبتسامتك الودودة التي لطالما رأيناها مرتسمة على مُحيَّا وجهك الطيب ولم تفارقه أبداً.. إنها الابتسامة النابعة من صفاء روحك النبيلة وقلبك النظيف المحب للخير وكل الناس..
وها أنت يا صديقي خالد.. تتركنا وتغادر هذه الدنيا التي أقبلت عليها وتشبثت بها بروح شابة متدفقة بالعطاء والتفاؤل والخير وعشت فيها متجرداً من الأحقاد والضغائن والكراهية والحسد والشرور متسلحاً بنواياك الحسنة الخيرة ودماثة أخلاقك الرفيعة وروحك الصافية الودودة المتسامحة والمفعمة بالأمل والمرح وبالكرم والجود والسخاء والتفاني والإخلاص في أداء الواجب الوظيفي والإنساني وخدمة الناس صغيرهم وكبيرهم فقيرهم وغنيهم بإيثار ونكران ذات ظلت تُحسد عليه وهو موضع تقديرنا وإعجابنا جميعاً وكل من عرفوك..
لقد جسدت ياصديقي من القيم النبيلة مالا يتسع المقام هنا لسردها لكنها ظلت هي سجاياك المتلازمة مع شخصك الطيب واسمك الذي لا يذكر إلا مقترناً بها..
وها أنت يا خالد تفاجئنا برحيلك وعلى حين غرة بعد أن خضت وخلال أيام لم تطل كثيراً معركتك الشاقة بإيمان المحتسب لله وجلد المؤمن الصبور مع ذلك «السرطان الخبيث» الذي استوطن رئتيك وداهمك دون رحمة على غير موعد أو توقع.. ولكنه إبتلاء الله وإمتحانه للمؤمنين الصادقين من عباده.. فله الحمد والشكر والثناء على كل ما وهب وأعطى من الحياة والنعمة.. وعلى كل ما استرد وشاء وقدر جل جلاله..
ولا أصدق بأنني وكل الأصدقاء وزملاء العمل لن نراك ثانية وأنت تحتل «بقعتك الأثيرة» في ذات المكان والزمان اللذين لطالما جمعانا معاً بك أثناء رحلة الشتاء السنوية التي نقيم فيها في مدينة عدن الحبيبة التي أحبتك وأحببتها وبادلت أهلها الطيبين وبادلوك وداً بود واحتراماً باحترام وهم لا شك مثلنا جميعاً يفتقدون غيابك المحزن وتلك الروح الجميلة المشعة بأخلاقك النبيلة التي ما عرفناها إلا لصيقة بك وباسمك الذي لن يبارح ذاكرتنا بما تركته في نفوسنا من بالغ الأثر الحسن والمواقف الإنسانية الشهمة التي ظللت تبادر بها لتساعد من يحتاجون لعونك وتسدي من خلالها جميلاً أو معروفاً أو خدمات جليلة حتى لمن لم يطلبونها منك هكذا عرفناك.. وهكذا سوف نخسرك ونفتقد رحيلك عنا.
أيها العزيز.. خالد
حقاً ما أعجب هذه الحياة وما أغرب حال أولئك الذين يظنون في أنفسهم الخلود فيها وهم على يقين راحلون.. أو أولئك الذين يظلون يتشبثون بالعيش فيها بشتى السبل والوسائل المشروعة وغير المشروعة مجردين من معاني الإيمان والخير وقيم الفضيلة والإنسانية ولا يتركون لعقولهم مجالاً للتفكير العاقل والتأمل العميق في كنه الحياة وفلسفتها وصيرورتها أو الاستفادة من دروسها أو أخذ العظة والعبر من سيرة من سبقوا في الرحيل عنها أو من هم على ذات الدرب راحلون..
إنها الحياة ياصديقي التي كنت تقول دوماً أنها لا تستحق منا أن نحزن أو نبتئس على مال نناله فيها أو نحققه من الآمال والتطلعات أو حتى المطامع فيها.. ولكنها تستحق أن نعيش أيامها ولحظاتها بقدر ما نصنعه لأنفسنا من السعادة الحقيقية فيها.. تلك السعادة النابعة من إشعاعات الإيمان بالله ومن بذور الخير والثقة في ذواتنا.. ومن تلك القيم الإنسانية الفاضلة والنبيلة التي ينبغي أن نتسلح بها ولا نتخلى عنها لأي سبب كان في معركة الحياة وفي كل تعاملاتنا مع كل من حولنا من البشر وهكذا كان حالك.
نعم يا صديقي قرير العين.. ولتهنأ روحك في عالمها الآخر وعند بارئها العظيم.
«وسلام الله عليك ورحمته وغفرانه.. إنا لله وإنا إليه راجعون»