الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:24 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الإثنين, 12-يناير-2009
المؤتمر نت - نجيب غلاب نجيب غلاب -
تجاهل الأحزاب لحقوق النساء..هل يقودهن إلى تأسيس حزب سياسي؟
الأحزاب اليمنية بصرف النظر عن الإطار المرجعي الذي تؤسس لنفسها عليه فيما يخص قضايا المرأة - مازالت راضخة للبيئة التقليدية ببعدها الاجتماعي والثقافي وهي بيئة معادية لحقوق المرأة ودورها الإنساني في بناء وتقدم المجتمعات.
ورغم الشعارات التحديثية المرفوعة لدى بعضها إلا أنها على مستوى الواقع تتجاهل حقوق النساء وتسهم في إعادة إنتاج البيئة التقليدية وبطريقة ترسخ الدور السلبي للمرأة.
من جانب آخر المرأة بدورها حتى في تجلياتها المعاصرة مازالت راضخة للمقولات التقليدية ومسجونة داخل نفسها، والمقاومة التي تبديها يغلب عليها الحياء والخوف.
فالقوانين المتعلقة بالمرأة مثلا ظلت رهينة للرؤية السلفية بوجهها التقليدي دون أن تبدي الحركة النسائية أية اعتراضات جادة ومنظمة.
وهذا الواقع المؤلم لا يعني أن الحراك كله مظلم، فمعالم النور تبرز في قوى نسائية تنمو في المجتمع المدني وهي مسنودة من رموز سياسية وثقافية فاعلة لديها سعة في الأفق في التعامل مع المسألة النسوية.
الإشكالية هي أن أغلب المهتمين بالمسألة النسوية يغلب عليهم الهم السياسي، وعادة ما يتم توظيف قضايا المرأة في سياقات الصراع السياسي متناسين واقع المرأة البائس.. والمتابع للحراك السياسي والاجتماعي سيلاحظ أن الخطاب السياسي لدى أغلب التيارات السياسية يمارس التكتيك فيما يخص قضايا المرأة المختلفة، ففي المظهر قد يبدو أن الخطاب يحمل نهجاً ديمقراطياً تحررياً في المسألة النسوية، فالخطاب يرفض ويقاوم التسلط والاستبداد السياسي ويدعو للمواطنة المتساوية والحرية وحقوق الإنسان وينادي برفع الظلم عن المرأة، لكن هذا الخطاب المتحرر في بعده السياسي على مستوى الشعار ستجده يتحرك في المجال الاجتماعي بمقتضيات العادات والتقاليد والتي يتم أدلجتها باسم الدين لتصبح واجباً دينياً الخروج عنه زندقة وكفر.. فالأصولي المسيَّس في اليمن مثلاً قد يتحالف مع من يتناقض معه لمواجهة الحاكم ؛لكن لا يمكنه أن يتحالف مع القوى الحديثة لتفعيل لغة العصر فيما يخص المسائل النسوية، بل ترتكز تحالفاته في هذا الجانب مع القوى التقليدية المهيمنة في الحكم أو المعارضة خصوصاً من لديها تأثير على صنع القرار وعادة ما يقود الأصولي المسيَّس صراعه في المسألة النسوية في اتجاهات إضعاف المجال العصري لصالح المجال التقليدي المحافظ.
وما يزيد من صعوبة التحول لصالح القيم المتحررة في واقعنا اليمني أن منظومة القيم التقليدية المرسخة لبقاء وضع المرأة لا يتم نقدها وتفكيكها حتى من قبل القوى الفكرية والثقافية المتنورة والفاعلة في الساحة السياسية، وهذا يسهل كثيراً لقوى التقليد إعادة بنائها بلا مشاكل تذكر وتدعيمها بالسلفية المحافظة.
والمتابع لشئون مجلس النواب سيجد أن القوانين التراثية المتعلقة بالمرأة يتم تمريرها بلا اختلافات حقيقية بين المتصارعين حد التناحر على القوة السياسية والتجديد المطروح في بعض المسائل يتحرك في مساقات المجال التقليدي.
ولأن الأحزاب اليمنية بشكل عام في مسألة المرأة متقاربة ولا يوجد تيار سياسي متميز في خطابه التحرري، فإن تناول كل حزب على حدة لن يعطينا رؤية واضحة، وهذا لا ينفي وجود قوى تحررية داخل الأحزاب لها نظرة عصرية عميقة في كافة القضايا ومنها قضايا المرأة، ولتوضيح الصورة سنركز على قوتين أساسيتين هما قوى التحديث وقوى التقليد.
قوى التحديث
مشكلة القوى المتنورة في التيارات السياسية المتنوعة في الساحة أنها لم تعد قادرة في ظل الصراع السياسي على إبراز قضايا المرأة بما يسهم في تحقيق تحولات حقيقية لصالحها، فالتحالفات السياسية المتناقضة في الساحة همشت الفكر الجديد في معارك السياسة الآنية.
فالحزب الاشتراكي مثلاً كحزب يحمل لواء الحداثة لم يعد قادراً على مواجهة الفكر التقليدي، وتخلى عن المرأة وقضايا التحديث الاجتماعي والفكري، وتخلى عن الانجازات التي حققتها المرأة، بل إن أفكاره التحررية فيما يخص المرأة تضيع في براثن الفكر التقليدي، والحزب الاشتراكي في الراهن حتى بالمنظور السياسي الضيق يخسر المرأة ويفقد قوة داعمة لقوته السياسية نتيجة تخليه عن مشروعه لصالح صراعات السياسة الآنية.
ربما القوى التحديثية في المؤتمر الشعبي العام بحكم تواجدها في الحكم هي الأكثر فاعلية وقوة في تدعيم قضايا المرأة إلا أن المؤتمر كحزب حاكم يواجه مشاكل كثيرة، فتحالفاته الواسعة واعتماده على القوى التقليدية في بناء الشرعية جعلته في قضايا المرأة مرتهناً للرؤية التقليدية، كما أن تركيبة الحزب والتي تحتوي الليبرالي واليساري والسلفي والجهادي والاخواني ... إلخ أعاقت الأفكار التجديدية في قضايا المرأة.. ورغم تصريحات زعماء الحزب ودعوتهم لمنح المرأة حقوقها إلا أن القوى الدينية المجددة في الحزب وفي المؤسسات الرسمية والقريبة من قيادة المؤتمر ظلت حبيسة للبيئة المحلية وغير قادرة على تفجير قضية تحرير المرأة من الرؤى المتطرفة وإخراجها إلى رحابة العصر.. وهنا لابد من ملاحظة أن تحرير المرأة من واقعها البائس والمؤلم لا يعني تجاوز القيم الأصيلة المحافظة لهويتنا، والمقصود هو بناء منظومات حقوقية متوائمة مع عقائد الإسلام المتحررة من العادات والتقاليد والتفسيرات الفقهية البالية، وبناء رؤى فقهية تجديدية متوائمة مع التحولات والتغيرات المختلفة.
تجمع الإصلاح الإسلامي، رغم ظهور فلتات فكرية لدى بعض أعضائه إلا أنه غير قادر على الخروج من أزمته فيما يخص المرأة ولا يجرؤ مثقفوه على تقديم نقد جذري للمنظومة العقائدية التي تستند شرعيته عليها، فالاجتهادات لصالح العصر ربما تفككه إلى تيارات متنازعة، مع ملاحظة وجود فئة نسوية داخل التجمع متحررة من البناء التقليدي ولديهن قوة إيجابية في توظيف الرمز الديني بفاعلية إيجابية لمقاومة التقاليد بما يسهم في تأسيس إسلام تحرري، لكن هذه القوى التحررية ضعيفة في بنية الحزب ومحاصرة بجلاميد الصخور القادمة من متحف الماضي.
قوى التقليد
فيما يخص القوى التقليدية فتتركز في قوى اجتماعية قبلية وقوى دينية تقليدية أو سياسية حزبية أصولية وهما متداخلان ومنفصلان في الوقت ذاته، مع ملاحظة أن التيار الديني يتعامل مع قضايا المرأة وفق بناء عقدي مؤسس على الوعي القبلي لا القيمة الدينية كما هي في مصادرها الأولية وتجربتها الواقعية عند تأسيس الإسلام، أي أنه يفهم المرأة وفق القراءات التاريخية للإسلام، والتجربة التاريخية الإسلامية بعد ان سيطر عليها وعي القبيلة وتقاليده.
الطرح الحقوقي لدى هذه القوى جامد والحديث عن الحقوق يدور في أغلبه حول الحفاظ على المرأة من الوقوع في الرذيلة، وكل المنتج الفكري والفتاوى والقوانين في نهاية التحليل ترى من المرأة كتلة شيطانية منفلتة تبحث عن الرغبة الجنسية، وهذا التعامل هو نتاج عقلية الفحولة العربية في بحثها الدائم عن الجنس، وإشباع الحرمان الذي تعاني منه.. والجدير بالملاحظة أن الحزب الديني الممارس للسياسة من خلال الدين قد يخرج المرأة إلى ميدان الجهاد السياسي ويدفعها إلى العمل في إطار الجماعة، بحيث يبدو أنه متحرر من الإطار التقليدي السلفي، وهذا السلوك مؤسس على بعد سياسي، فمقتضيات الدعوة والصراع السياسي يتطلبان خروج المرأة وخوضها غمار الفعل السياسي والاجتماعي مع الرجل، بحيث تصبح المرأة داخل الحزب الديني قوة دفع إيجابي لقوة الحزب وفاعليته الجماهيرية، والموقف في حقيقته لا يعبر عن رؤية تحررية بل عن انتهازية تبرر فقهياً بأن الضرورات تبيح المحظورات، أما الثابت غير القابل للنقاش فهو مؤسس على مقولة إن مكان المرأة البيت.. فحاجة الحزب للمرأة في صراعه المحموم على السلطة يطالبها بالجهاد السياسي لمواجهة العدو وإقامة دولة الإسلام، لذا فممارسة النشاط السياسي على القادرات من أعضاء الجماعة فرض عين حتى يتمكنّ من التأثير على نساء الأمة وإقناعهن بالعمل مع أهل الحق ونضال المسلمات يتمحور في نهاية الأمر في الذهاب إلى صندوق الاقتراع باعتباره أعلى مراحل الجهاد النسوي لمواجهة الباطل!!!.
وهذا التحول يرى البعض انه إيجابي أياً كان الهدف وأنه قادر على تحريك الركود في البنية التقليدية؛ ورغم وجاهة هذا الرأي إلا أن علينا أن ندرك أنه لا يعبر عن تغيير بل هو تعامل مع الظرف الواقعي والدليل أنه لا يدفع الحركة الدينية لتغيير اجتهادها فيما يخص البنية التقليدية المهيمنة على وضعية المرأة، هذا التحول سيكون تحررياً لو كان الحراك السياسي متوائماً مع حراك ثقافي ونقد جذري لإعادة بناء النهج السلفي بما يتواءم مع العصر، لكن الملاحظ أن إعادة إنتاج البنية الفكرية في المجال الاجتماعي يتم على قدم وساق من قبل الحزب الإسلاموي.. الإسلام السياسي في اليمن لم يقدم إلا دراسات قليلة لتحرير البنية التقليدية من جمودها وعادة ما يتم وأدها بسرعة للحفاظ على تماسك الجماعة وأيديولوجيتها المهيمنة.
لذا فالوصول إلى السلطة لا يعني التغيير لصالح الشعار المرفوع بل للفكر الفاعل والراسخ في بنية الحركة وهو الفكر التقليدي مع ملاحظة أن المشكلة ليست بالقيم التنويرية التي يرفعها التقليدي في صراعه السياسي المحموم من أجل السلطة، بل في وعيه وفهمه لهذه القيم، فوعيه مازال مرتهناً بالكامل للقيم التقليدية المؤسسة لجوهر الفهم والاستيعاب، فالأصولي مثلا قد تجده يخوض غمار واقعه ويتعامل مع أحداثه وفق المسارات التي يصنعها الواقع خصوصاً في الجانب السياسي، لكنه في سلوكه لا ينتج فعلاً متسقاً مع التحولات المعاصرة في الجوانب الأخرى لأنه في حقيقته مرتهن لمقولاته ومفاهيمه الماضوية، فتجده في قضايا كثيرة كقضايا المرأة غير قادر على الحسم، وهذا يفسر التناقض والتخبط الذي ينتجه كلما زادت امكانية تحمله للمسئولية في الشأن العام.. حتى الأصولي الذي يبدو أنه متحرر من الذهنية التقليدية في صراعه السياسي ستجده في البرلمان يقدم مشروعاً مناهضاً للعصر ومتوافقاً مع الذهنية التقليدية التي هي الفاعل الأصلي، فالمرأة في الوعي التقليدي ليست إلا ربة بيت، وكل مُدخل على هذه الوظيفة يعتبر استثناء.
ومشكلة الأصولي التقليدي أن طبيعة العقد الاجتماعي لديه ليست مدنية بحيث يضمن المساواة في الحقوق والواجبات، لذا ستجد أن التمييز الحزبي واضح في بنية الأحزاب الدينية ضد الآخر، وستجد أن الحزب الديني بتركيبته الفكرية مناهض للمرأة والقوى الجديدة في بنية التنظيم تواجه الانغلاق برؤية حداثوية متحيزة للتقليد لا للأصالة أو للمعاصرة وهذا يجعل حركتها في مدلولها النهائي تسير في مواكب التقليدي.
مداخل للتغيير
التغيير من خلال التشريع والقرارات السياسية، فالبعد الحقوقي مهم ولابد أن يكون متوافقاً مع الحقوق الإنسانية ومتوائماً مع العصر، كما أن القرارات السياسية لصالح المرأة مهمة جداً مع ملاحظة أن القرار السياسي لصالح تحرير المرأة عندما يصنع في بيئة تقليدية القوى الحديثة فيها ضعيفة لا يمكن ان تصنع بسهولة وان صنعت فإنها تموت بمجرد خروجها، وعادة ما يفرز التقليدي عوائق أمامها لأنها تهدد بنيته الفكرية وتتحدى شرعية وجوده، فالمرأة عندما تتحرر من قيود التقليدي تدمر مشروعه، كما أنه في ظل التناقضات الموجودة وضعف القوى الحديثة فإن السياسي حتى وإن كان ينتمي إليها يظل مهموماً بمصالحه، لذا فقد يتحالف مع التقليدي لتقوية وجوده وحماية مصالحه.. البعد الثقافي مدخل أساسي لتغيير الوعي بشرط أن يكون التغيير لصالح الأنسنة والمساواة وتجاوز التعنصر ضد المرأة.. والجانب الثقافي والأبعاد الفكرية في ظل ظرفنا الراهن وفي ظل ضعف البنية الاقتصادية تظل محورية وهذه وظيفة المجتمع المدني، وهنا لابد أن نؤكد أنه رغم محورية التعليم إلا أن محتوى المنهج وهيمنة الفعل التقليدي في إعادة صياغة العقول يعرقل التحولات.. فبعض الدول الخليجية مثلاً نسبة تعليم المرأة مرتفعة إلا أن البنية التقليدية للمجتمع والتي يعاد إنتاجها باستمرار أفقدت المرأة قدرتها على الفعل وحاصرت المرأة في ظلال أفكار القبيلة، فالثروة الكبيرة وتغير الاقتصاد والموجة الهائلة من التثاقف الذي يصنعه الإعلام، وتزايد القوى الجديدة في المجتمع، لم يحرر المرأة من الفكر التقليدي ومنتجاته.. نظام الكوتا من المسائل المهمة في معركة التحديث، وفاعليته ليست مرتبطة بالمشاركة السياسية وصنع القرار بل النظام جزء من المعركة الفكرية، فالكوتا يمثل سلاحاً فعالاً وعملياً لتفكيك البنية الفكرية للقوى التقليدية وإعاقة عملية إنتاجها المستمر.. تشجيع مشاركة المرأة في سوق العمل وفي القطاع الحكومي والخاص مع التركيز على ضرورة منح المرأة نصيباً في المناصب القيادية بالقطاعين الحكومي والخاص.
وأخيراً .. ربما يؤدي بناء حزب سياسي نسائي بمشاركة الرجل ويحمل مشروعاً وطنياً عصرياً إلى زعزعة البنية التقليدية، فالمرأة لها قوة انتخابية وبإمكانها أن تبني قوة سياسية مؤثرة، وسوف يسهم الحزب في التأثير على الوعي العام وفي الضغط على القوى التقليدية في الاستجابة لمطالب النساء العادلة.. وربما يقود المعارضة السياسية في المستقبل القريب ببرنامج عقلاني متفهم لواقعه ومنسجم مع العصر ويغلب عليه هموم التغيير الثقافي والسياسي لا هم الغنيمة والايديولوجيا !!.




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر