محمد حسين العيدروس -
آن الأوان لردع إسرائيل
أثبتت كل الأحداث الماضية من تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي أن إسرائيل لم تكن في يوم من الأيام دولة قوية تستحق أن تتحول الى هاجس خوف يقض مضاجع الأمة، إلا أن حال التشتت والخلافات البينية وغياب الرؤى الاستراتيجية للحكومات العربية جعل الأمة تبدو في أضعف أحوالها وإسرائيل كما لو كانت دولة عظمى.
بعد ما يقارب الخمسة وثلاثين عاماً .. لم تدخل إسرائيل خلالها في أي حرب، عادت لتجرب حظها ضد جنوب لبنان مرة، وضد غزة مرة ثانية، ورغم أنها في كليهما لم تواجه جيوشا نظامية بمقدرات دولة، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أي نصر أمام فصيلين مقاومين «حزب الله وحماس» وهو الأمر الذي من المفترض أن يقلب كل المفاهيم المتداولة حول توازنات الصراع العربي - الإسرائيلي ويرسم خرائط جديدة لاستراتيجيات المستقبل العربي.
ويبدو أن كثيراً من الأنظمة العربية باتت تدرك ماينبغي عليها فعله وتعي أهمية الانعتاق من عقدة إسرائيل وفرض واقع جديد على المجتمع الدولي الذي ظل يتجاهل مصالحه في المنطقة، وينحاز الى جانب العدو الصهيوني رغم بشاعة ما يرتكبه من حروب إبادة، وتخريب، وتدمير لكل مقومات الحياة الإنسانية، والتي - في العدوان الأخير على غزة - لم تنج من جرائمه حتى وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة «الأنروا» التي بطشت بها الآلة الحربية الإسرائيلية وأحرقت مخزونها الغذائي، ودمرت منشآتها في أكثر من هجمة سافرة.
إن كل الحسابات التي أفرزها العدوان الأخير على غزة تثبت - بلا أدنى شك - أن العالم العربي يمسك بزمام الكثير من الأوراق التي بإمكان حكوماته لعب دور بها في المواجهة مع إسرائيل أولاً، وفي تعزيز نفوذه الدولي ثانيا ..
فالقواعد الجماهيرية التي لم تكف عن التظاهر وإقامة الفعاليات، والتكبير بصوت قوي لكل موقف شريف وشجاع تعد الورقة الأولى التي يمكن استثمارها، لأنها كانت كفيلة بتحريك شوارع كل عواصم العالم وبناء رأي عام قوي للغاية كان في مقدمة الأسباب التي دفعت إسرائيل لإعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد، بعد أن أصبحت سفاراتها ومكاتبها محاصرة بالجماهير الغاضبة في كل عواصم العالم، بمن فيها يهود تظاهروا ضد حكومة كيانهم.
وبتقدير أن النظام الأكثر قوة في العالم هو الذي يفوز بتأييد الجماهير، وهذا الأمر متاح أمام جميع الحكومات العربية طوال فترة العدوان - وما زال!! - ولم يقتصر تأثير الموقف الشعبي على الداخل العربي بل أنه شكل ضغطاً على حكومات مختلف دول العالم، واضطر كثير منها إلى الحذر في صناعة قرارها السياسي وتحديد موقفها.
ولعل الإيمان بهذه القاعدة الجماهيرية يمنح الحكومات العربية فرصاً أوسع لبناء موقفها التضامني الموحد، واتخاذ قرارات جريئة وشجاعة تتناسب وحجم القضية، والتحدي الذي تواجهه وهو ما حرك مياه دوائر السياسة العربية مؤخراً وشجعها على قبول مبادرات عقد القمم، واتخاذ مواقف جديدة إلى حد ما..
أما الأمر المهم للغاية والذي قد يميز هذه المرحلة عن كل التجارب السابقة في التعاطي مع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على فلسطين أو لبنان أو غيرهما، هو أن هناك عزيمة عربية قوية لمواصلة العمل التضامني لمرحلة ما بعد العدوان على غزة، من خلال الملاحقة القانونية لقادة إسرائيل، والسعي لمقاضاتهم لدى محكمة الجنايات الدولية.. وبالتالي فإن ما كانت إسرائيل معتادة عليه هو أن تقتل وتدمر ثم تمن على العالم بقرار وقفها للحرب، الأمر الذي يظهرها كما لو أنها هي قوة الخير والطرف المجني عليه هو قوة الشر، لكن هذه المرة ستجد إسرائيل نفسها مطاردة بإثمها، وجرائمها ومحاصرة بالحديث عن اعتداءاتها، وما سيتم كشفه من ملفات سواء عبر الإعلام الأجنبي أو العربي.
وهذه الخطوة- بتقديري- ستوفر أكبر تعبئة في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي لكونها أولاً تبقي الملفات مفتوحة أمام الرأي العام الدولي، وثانياً لأنها تذكر الأجيال الناشئة بجرائم إسرائيل، وتعيد لهم قراءة التاريخ وهي فرصة قد لا تأتى لنا في غير هذا الظرف مهما بذلنا من جهد أو أنفقنا من أموال.
ومن هنا فإننا متفائلون بأن تدفع الحكومات العربية بجهودها إلى مزيد من التضامن، وأن تستغل تفاعل الشارع الدولي مع أحداث غزة لتعزيز النفوذ العربي، ولكسب تضامن المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإعلامية الغربية، وبما يصب لصالح القضية الفلسطينية، وحسم الصراع العربي- الإسرائيلي.