نصر طه مصطفى -
إخلاء طرف نقابي (6)
قال لي العديد من الزملاء أنهم كانوا ينتظرون تقدمي للترشح حتى الدقائق الأخيرة لانتهاء فترة الترشيح لموقع نقيب الصحفيين، وكأنهم لم يأخذوا حديثي عن عدم رغبتي في الترشح مرة أخرى بجدية، وقد يكون لهم عذرهم في ذلك لأن الموقع مغرٍ بكل المقاييس وسبق لي أن أخبرت كثيرين أن (برستيج) موقع نقيب الصحفيين داخلياً وخارجياً
أهم وأكبر من رئاسة كل المؤسسات الصحفية والإعلامية، لكن أعباءه – بالمقابل – في بلد نام كبلادنا كبيرة ومرهقة على مختلف الأصعدة وخاصة لمن يريد حمل مسؤولية هذا الموقع بجدية وصدق... وعلى كل حال فقد كانت بالنسبة لي تجربة في غاية الأهمية رغم قصر عمرها الزمني (عامان وثمانية أشهر) وأظن أني وزملائي الأعزاء في مجلس النقابة حاولنا خلالها أن ننجز شيئاً ما، والأمر متروك تقديره في النهاية للجمعية العمومية في مؤتمرها الرابع بعد غد السبت لتصدر حكمها النهائي على المجلس الحالي.
كنت أقول في عام 2004م - قبل المؤتمر الثالث عندما سئلت لماذا لا أترشح نقيباً للصحفيين - أن على رؤساء المؤسسات الصحفية ألا يترشحوا لهذا الموقع، وكنت ولا أزال صادقاً في هذه القناعة حتى وإن وجدت نفسي مضطراً للتخلي عنها عام 2006م عقب استقالة زميلي وأخي النقيب القدير الأستاذ محبوب علي لأسباب يعلمها كل الذين أرغموني على قبول الترشح، وفي مقدمتهم جميع أعضاء المجلس الحالي بلا استثناء... لذلك أعلنت قبل عام ونصف أني لن أترشح مجدداً ولم يؤخذ كلامي على محمل الجد، وها أنا وفيت بوعدي احتراماً لقناعتي السابقة، راجياً السماح من كل من قصرت في حقه أو خذلته أو لم أقم بواجبي معه كما يجب، وطالباً العفو من كل من قد أكون أسأت إليه بقصد أو بدون قصد.
واليوم ونحن على أبواب المؤتمر العام الرابع الذي ينعقد بعد مخاض عسير كما هو حال معظم النقابات والاتحادات في بلادنا فإن كل ما أرجوه أن نذهب موحدين لنمارس حقنا في الخلاف والحوار والنقاش داخل قاعة المؤتمر، كما ينبغي أن يكون حال نقابة تضم في صفوفها نخبة المجتمع من المثقفين وحملة مشعل الحرية والحقيقة، وأن نقدم أنموذجاً لغيرنا في قدرتنا على إدارة خلافاتنا واحترام آراء بعضنا البعض، فمصلحتنا جميعاً تكمن في الحفاظ على وحدة نقابتنا، وكما نجحنا في المؤتمر الثالث من انتزاع إعجاب الجميع بنزاهة وشفافية أعماله وانتخاباته فإننا بالقدر ذاته يجب أن نحرص على ذلك في مؤتمرنا الرابع الأمر الذي يتطلب منا أن نذهب إليه بأعصاب هادئة دون نزق أو انفعال طالما كنا جميعاً زملاء مهنةً، فالجمعية العمومية هي أعلى سلطة في النقابة وهي صاحبة القرار، ولا يصح أن يدعي أحداً الوصاية أو فرض الشروط عليها أو الاستهانة بمجموع أعضائها، خاصة أنا نعلم جيداً أن الأحزاب السياسية حاكمةً ومعارضةً لم تستطع حتى الآن أن تسيرها كما تريد أو ترغم أعضاءها على التصويت لمن تشاء هذه الأحزاب، وقد تأكدت هذه الحقيقة في المؤتمر الثالث وستتأكد مجدداً في المؤتمر الرابع لأن الصحفي حر بطبعه لا يقبل الوصاية من أحد.
لقد سارت النقابة طوال عشر سنوات بنظام أساسي كسيح، ومن حقها أن تفكر بتعديله وتطويره، وقد ألزم المؤتمر الثالث مجلس النقابة المنتخب بأن يعد تعديلات على النظام، وقد أنجز المجلس هذا الالتزام ويجب عليه عرض ما أنجزه على المؤتمر الرابع ليقره أو يرفضه، فالجميع يعلمون أن النقابة لا تمتلك المال اللازم لعقد مؤتمرات عامة وثائقية لأنها تعتمد في ذلك على الحكومة وليس على أعضائها، وهي بالكاد تحصلت على 50% من تكاليف عقد المؤتمر الرابع، فمن أين لها أن تعقد كل عام مؤتمراً لتناقش وثائقها؟!
أفهم أن طرح مشروع قانون على جمعية عمومية أمر يثير مخاوف مشروعة لكن من الصعب أن أقتنع أن طرح مشروع تعديلات على نظام أساسي يمكن أن يثير مخاوف بنفس القدر أو حتى أقل، فالنظام الأساسي هو في النهاية العقد الذي ينظم آليات إدارة عمل النقابة أي نقابة، والمؤتمر العام هو المكان الطبيعي لمناقشته وتوافق الأعضاء عليه... وقبل ذلك وبعده فإن النظام، الأساسي ليس كتاباً مقدساً لا يقبل التعديل، بمعنى أن أي تعديلات نقرها اليوم يمكن إعادة النظر فيها في مؤتمر لاحق حتى يستقيم أمر النظام وتتصحح اختلالاته وعيوبه وتكتمل نواقصه... وعلى ذلك فما لزوم التوتر والشكوك وسوء الظن، ولماذا لا نتعامل بأريحية فيما بيننا تجاه مثل هذه الأمور ونحمل بعضنا على حسن الظن؟!
على كل حال فإني آمل بكل صدق وإخلاص أن نذهب لمؤتمرنا العام بولاء خالص للمهنة والنقابة ونتنافس فيما بيننا بشرف وروح رياضية لأننا نعلم أن عملية الاقتراع ستجري تحت أنظار الجميع مثلما ستجري عملية الفرز تحت نفس الأنظار، ولدينا تجربتان مشرفتان في عامي 2004، 2006 يمكننا ترسيخهما وتعزيزهما في 2009, وأنا على يقين أن قاعة المؤتمر ستفرز أفضل ما لديها لعضوية مجلس النقابة الجديد الذي أتمنى له كل العون والتوفيق والنجاح...