نبيل عبد الرب -
فلنبدأ التغيير من رقم الزواج (17)
لا تتوقف أضرار الزواج المبكر عند تأثيرات اجتماعية ونفسية وصحية بل تتعداها إلى الساحة الاقتصادية، وتضع مجددا علامات استفهام حول موقف ديننا الإسلامي العظيم من قضايا معاصرة وبمعنى أظنه أجدى تعبيرا لماذا يبني بعض علمائنا الأجلاء فواصل بين الإسلام وبين تطورات اجتماعية قابلة للرؤية من أكثر من زاوية ما يظهر الإسلام وكأنه دين يعشق الاصطدام بأي جديد.
أجد الرغبة تتملكني في طرح مفاهيم عن الدين الإسلامي اعتقدها سليمة ، دون الحاجة لاستعارة عمامة فقيه أوزع من تحتها الفتاوى التي أهلك بعضها الحرث والنسل. رغم أهميتها للمزاوجة بين النص الإلهي ومتغيرات الواقع تأكيداً لصلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان .
لا أظن عاقلاً يقول بأن وقائع الحياة تجمدت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وأنها أصول لنسخ يجب أن تتكرر على مدار الزمان ، ترك النص الإلهي الإسلامي مساحات غالبة للعقل البشري سيما بعد انقطاع الوحي ما فتئ القرأن الكريم يذكر بها من خلال دعواته المتكررة لإعمال العقل والتفكر والتدبر ووضع حتى المسائل المتصلة بالله على طاولة الحوار والمحاججة مرسخا بذلك منهجا متكاملاً ومفتوحاً بمبادئه على استيعاب متغيرات الزمان، والمكان ،ومن خطوط هذا المنهج ما أسماه الشيخ يوسف القرضاوي فقه الأولويات والموازنات ولعل في قصة قتل الخضر للغلام وحرق السفينة شاهدا قويا على مبدأ الرؤية الكلية والعميقة للموضوع قبل الإسراع في إصدار الأحكام حتى تترتب الأولويات طبقا للحاجة الحقيقية .
ولا أضيف جديدا في ذلك فقد عكف الأصوليون على استنباط قواعد تساعد على توخي الرؤية من زوايا مختلفة فقالوا بالقياس .
ودفع المفسدة أولى من جلب المصلحة أو مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب وغيره.
الإسلام نظم الحياة انطلاقاً من العلم الإلهي بخلقة الإنسان وتركيبته البشرية بثابتها ومتغيرها فنجده يفصل الأحكام في قضايا لا تأثير معتبر للزمان أو المكان عليها مثل الشعائر الدينية وأحكام المواريث.
وفي أغلب جوانب الحياة أرسى مبادئ عامة هي مكمن فعل العقل والاجتهاد حسب مبدأ " أنتم أعلم بشؤون دنياكم "
وإذا كانت اعتراضات علماء دين أفاضل على تحديد سن زواج الفتاة مبني على قاعدة أصولية تذكر أن الأصل في الأشياء الإباحة ولا تقييد إلا بدليل شرعي فإن من حق المرء أن يتساءل عما إذا كانت المسألة نوقشت من زواياها المتعددة وفق مبدأ الأولويات والموازنة بين المصالح والمفاسد والنظر إلى الترابط الوثيق بين سن الزواج والقدرة على أداء مسؤوليات هذا الرباط بما فيه الواجب الديني في تنشئة الأولاد وتربيتهم التربية الصالحة للقيام بمهام الاستخلاف وعمارة الأرض .
وفي الشق الاقتصادي أحد مقتضيات الاستخلاف وإعمار الأرض تقع الأنماط الاجتماعية المتصلة بتكوين الأسرة من حيث سن الزواج والإنجاب في صلب المشكلة السكانية و التنمية البشرية أساس النمو الشامل لأي بلد .
ولا يخفى تأثير الزواج المبكر بما يحمله من نضج خافت ومسؤولية ضعيفة في تأهيل الأجيال القادمة تعليمياً وصحياً . فالمرأة " الطفلة " في معظم حالات الزواج المبكر لا تستكمل تعليمها وضعف الوعي بالمسؤولية والجهل يجعل من إنجاب عدد أكبر من الأطفال مسألة عادية استناداً على مقولة " الرزق على الله " وإن كان هذا حقيقياً فإن الباري جل في علاه ربط النتائج بالأسباب ونظم العالم في قوانين وسنن كونية تقوم على المقدمة والأثر وقصة هز مريم للنخلة تدعم سوا
أعتقد أن المرأة المستكملة لتعليمها قبل الزواج تكون واعية بأن ترشيد الإنجاب يمكن الأسرة من تأهيل أبنائها من الناحيتين التعليمية والصحية ما يؤدي لمخرجات نوعية وبذات الوقت يساهم في خفض نسبة النمو السكاني وما يترتب عليه من تقليل المعدلات الإعالة ، ورفع نسبة السكان الناشطين والمنتجين ، إضافة لتمكين الدولة من تحويل جزء كبير من عائدات نسبة النمو لصالح الاستثمار في الرأسمال البشري بدلا من استنزاف النمو السكاني للنمو الاقتصادي عبر إشباع عداد متزايدة من الناس غير المنتجين .
إن عددا أكثر من المواليد يعني بالضرورة زيادة الأعباء على الأسرة والدولة ، والعكس حال العدد الأقل الذي يتيح للأسرة والدولة فرصة الحصول على سكان نوعيين يعرفون كيف ينهضون ببلدهم ويضاعفون نموه في متوالية حسابية .
تحديد سن الزواج ورفعه ليس موضوعاً جنسياً ولا أعتقد بصحة إسقاطه على نظرية المؤامرة وإدخاله في محاور الغزو الفكري للعالم الإسلامي المستهدفة لإشاعة الإجلال .
من الإجحاف أن نعتبر الإنسان كائنا شهوانياً فقط لاغير فهو معجون من نزعات الخير والشر وميزه الله بالعقل للقيام بمسؤولياته أخرى غير الجنس .
فدعونا نعمل على صناعة أرقام جديدة في هذا البلد تعدل ألوان صورته الاقتصادية والاجتماعية بين شعوب العالم ... ولا ضير أن نبدأ بالرقم (17) أو(18) أو حتى (22) .. كرقم يحدد سن الزواج.