عادل الشجاع -
من أين يولد الإرهاب..
لـيـس الـمــهم أن نـتـحـدث عـن الـحـوادث الإرهـابـيـة الـتـي اسـتـهـدفـت الأمن والـسـكـيـنـة فـي الـيـمـن، إنـمـا الـمـهـم أن نـتـحـدث عـن مـا بـعـد هـذه الأحـداث..
صـحـيـح أن الـمـفـاجـأة كـانـت كـبـيـرة بـكـل الـمـقـايـيـس، لـكـن الـيـمـن تـظـل هـي الأكـبـر والأقـوى بـرغـم أنـف الإرهـاب.
لقد أفرزت هذه الأحداث تضامناً شعبياً ودولياً واسعين تجعلنا نستفيد من دروس هذه الأحداث بحيث تكون بداية حقيقية تجنبنا تكرار مثل هذه الحوادث الإجرامية.
أقول بصراحة لابد أن تكون هناك مرحلة جديدة تجعلنا نتجاوز كل مظاهر الاسترخاء سواء على المستوى الأمني أم الثقافي أو الإعلامي.
نحن بحاجة إلى وقفة جادة ووضع الرأي العام أمام حقيقة مخاطر الاسترخاء، كما أننا بحاجة إلى وضع قانون يجرم من يقوم بالإرهاب أو من يسانده أو يتستر عليه أو يحميه.
ولا أخفيكم القول إن سبب التطرف والإرهاب يعود إلى تلك الجماعات الدينية التي تلقى تسهيلات بهدف بث الدعوة الدينية، ولذلك فإن المطلوب هو نزع السياسة من الدين، وتوسيع فكرة الدولة المدنية وليس الدولة الدينية.
فالجماعات الدينية التي لقيت تشجيعاً رسمياً قد ربّت كوادرها وجعلتها جاهزة كلما دعت الحاجة إليها، بل جـعلـتـهـا على قدر كبير من الاستعداد للتضحية.
وعلينا ألا نغفل أن في اليمن أكثر من جماعة إســلامية تـتـعـاطى العمل الديني تحت غطاء سياسي، وكثير من هذه الجماعات قد رفدت الصراع في أفغانستان بعدد وفير من المتطوعين.
هذه الجماعات حاولت الوصول إلى القبائل على اعتبار أن القبائل هي الحلقة الأضعف في عملية الاختراق والاستقطاب لسبب بسيط هو أن ثقافة القبيلة تحرّض على الصراع اليومي؛ وبالتالي فإن هذه القبائل تعتبر التسامح شيئاً من التهاون في حق الذات وحق الجماعة.
فـالـثـأر هـو سـيـد المـوقف، وقـد سـئـل أحـدهـم: أيسرّك أن تدخل الجنة وتتسامح مع من أساء إليك؟!.
فقال: بل آخذ ثأري وأدخل النار!!.
ونتيجة لهذه الثقافة؛ فإن هناك استهدافاً لبعض القبائل واستقطابها إما للحماية أو الدعم على اعتبار أن القبيلة متشبعة بسيكولوجيا الصراع.
فمن يحمل السلاح خاصة ضد أبناء عمومته وأقاربه في حرب قبلية أو ثأرية لا يهمه التقيّد بالقانون المدني ولا يقبل به بسهولة.
ضف إلى ذلك أن هذه القبائل لا تفهم معنى الوطن ولا معنى الدين بسبب عدم وجود فقهاء بالمعنى العام للكلمة؛ فيكون فهمها بسيطاً أو بعيداً عن الفهم الأعمق لمفهوم الإسلام، لذلك يسهل اختراقهم وتعبئتهم تعبئة خاطئة ضد مصالح الوطن.
والأخطر من ذلك هو أن هذه القبائل تشرّع لفقه العنف بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فهي تستهدف مصالح الدولة وتخرج على شرعية القانون!!.
يساعدها على ذلك بعض الذين يستخدمون الدين في غير محله كما حصل من شخص في وزارة الشباب حينما أفتى بتحريم الاحتفال بعيد الأم لأنه تقليد لليهود والنصارى كما قال.
أو كما حدث من قبل خطيب أحد الجوامع حينما كفّر مجلس النواب لأنه شرّع قانون الزواج وحدده بـ 17 عاماً، معتبراً ذلك كفراً؛ لأن التشريع من مهمة الله وليس من مهمة البشر.
مـثـل هـذه الـفـتـاوى تـجـعـل الـشـبـاب وخـاصـة الـمـحـبـطـيـن مـنـهـم يـلـجـأون إلـى الـعـنـف وإلـى الانـتـحـار.
حقيقة الأمر إن تهاون الحكومة مع مثل هؤلاء يجعلنا أمام حركة رجعية متخلفة لا تؤمن بالعقل، بل تؤمن بالقتل وتدمير القوانين والأعراف والقيم التي يقوم عليها تماسك المجتمع.
صحيح أن الأجهزة الأمنية مدركة كـل ما يـجري، وهي ترى أن هذه الجماعات لا تشكل قوة، لكن كم من فئة ضعيفة تُركت وشأنها؛ فلما قوي عودها وصار إليها الأمر والقوة أصبحت من الغلاة المتعصبين.
علينا إذاً أن نسعى إلى تقوية الدولة المدنية، وعدم حشر الدين في الدولة، لأن حضور الدين يعني رفع المصاحف على أسنّة السيوف، وعندما تُرفع المصاحف على السيوف لابد من استرجاع كل الفترات التاريخية للصراع.
ومما سبق يواجهنا تساؤل مفاده: إذا كان الدين الإسلامي يعد من أكثر الأديان حضاً على التسامح، وهو الدين الوحيد الذي يعترف بالأديان التي تخالفه؛ وقد أطلق على أهلها «أهل الكتاب» فلماذا يمارس هؤلاء الذين يزعمون أنهم مسلمون أسوأ أنواع اللا تسامح، ويقرنون ذلك بالعنف الدموي؟!.
ولم تعد مشكلة هؤلاء في التسامح مع غيرهم، بقدر ما أصبحت مشكلتهم أولاً وقبل كل شيء في التسامح مع أنفسهم ومع أبناء جلدتهم وأبناء دينهم، حتى أصبحنا نتألم من ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة على النفس.
وكما أسلفت؛ فإن هذه الجماعات تريد العودة بنا إلى الماضي، والماضي عندها هو نوع من الميثولوجيا، أي نوع من الفهم الأسطوري، فهو من وجهة نظرها يمثل أفضل العصور وأولاها بالاقتداء والاتباع.
وهي بذلك لا تعود إلى الماضي لقراءته واستخراج أفضل ما فيه؛ وإنما تـستـدعي الـتـاريخ بـهـدف صياغة الحاضر والمستقبل وفق الصورة الذهنية التي رسمتها لهذا الماضي.
إن هذه الصورة الذهنية تعمل على مهادنة ولي الأمر حتى تتمكن من إزاحته بهدف أنه يؤمن بالديمقراطية ولديه برلمان يشرّع؛ وبالتأكيد يكون قد تدخل في أمور هي من اختصاص الله الخالق المشرع!!.
وعلى هذا الأساس تنزع هذه الجماعات إلى تكفير الآخر المخالف لها سواءً كان مسلماً أم غير مسلم، وهي نزعة تخلق الأساس الموضوعي للعنف الذي نعاني منه في الوقت الراهن في اليمن.
ختاماً أقول: إن المستقبل يحتم علينا أن نراجع مناهجنا الدراسية ونستأصل الخطابات الإنشائية الساذجة، وعلينا ألا نترك تلك المواد التي تشجع نمو مشاعر كراهية الآخرين بين أطفالنا.
علينا أن نعلّم أطفالنا كيف يكونون عالميين، وكيف يتفهمون الثقافات الأخرى، ويتذوقون ما فيها من جمالية وأخلاقية.
علينا أن نجعل التسامح تربية مستمرة، فنحن نعيش في عالم واحد نشترك فيه جميعاً، وعلينا أن نتعايش جنباً إلى جنب من منطلق أن الدين لله والوطن للجميع.
*عن الجمهورية