-
متطفلون- لا علماء
من المؤكد أن مفهوم العلم والعلماء يعني أولئك الذين لديهم مؤهلات علمية عالية وإسهامات علمية وبحثية مشهود لها من جهات ذات اختصاص في أي مجال من المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والطبية والتاريخية والزراعية والقانونية والشرعية وكذا المجالات الصناعية وعلوم الفضاء والكون والفلك والذرة والبحار والمحيطات وغيرها من المجالات التي تحفل بها الحياة خاصة في عصرنا الراهن وبحيث يكون العالم متبحراً في أي من تلك المجالات وقادراً على إضافة الجديد والمتميز الذي يستحق من خلاله حمل "لقب عالم" ومن غير الجائز إطلاق صفة "عالم" على كل من هب ودب سواء أطلق لحية أو ألقى خطاباً تحريضياً من على منبر مسجد أو في مقيل عزاء أو مناسبة فرح للتغرير بالبسطاء أو لدغدغة عواطفهم بمعلومات مضللة وسطحية لا صلة لها بالدين ولا شأن لها في أمور الدنيا.
ومن المؤسف أن بعض هؤلاء وبمجرد تخرجه من جامعة أو معهد يظن في نفسه أنه قد امتلك ناصية العلم وأنه أصبح بالفعل عالماً يزاحم العلماء الحقيقيين ويفتي في شؤون العلم بمختلف تخصصاته وتفرعاته بل ويتمادى هؤلاء في ادعاءاتهم إلى حد الزعم بأنهم باتوا مخترعين لا يشق لهم غبار فتراهم يتحدثون عن اكتشافات علمية مذهلة لهم في مجالات متعددة ومن ذلك المجال الطبي حيث يزعمون معالجة الأمراض المستعصية كالسرطان وفيروس الكبد والإيدز والسكر والصرع وغيرها ويتجاوزون ذلك إلى ادعائهم المعرفة بعلوم الفضاء أو حتى الذرة وهم يظنون أنهم بمثل تلك الادعاءات سينتزعون الاعتراف بكونهم علماء حقاً فيما هم في الحقيقة يمارسون نوعاً من المغالطات التي لا يقبلها العقل والمنطق وهي ممارسات أشبه بما كان يمارسه أئمة آل حميد الدين من دجل وتجهيل واستغفال لعقول الناس أثناء فترة تسلطهم على شعبنا.
ويأتي الموقف الأخير الذي عبر عنه البعض ممن أعطوا لأنفسهم دون وجه حق صفة العلماء ليؤكد على أن هؤلاء يدلون بدلوهم في قضايا وموضوعات مختلفة دون فهم بحقائق الدين الإسلامي الحنيف ومن ذلك موضوع تزويج الفتيات صغيرات السن حتى وإن لم يبلغن سن السادسة أو السابعة أو التاسعة متجاوزين بذلك المنطق السليم والتفكير العقلاني السوي بل ومخالفين بذلك ما يؤكده شرع الله الذي جعل من درء المفاسد مقدماً على جلب المصالح .. فأي شرع أو منطق أو عقل يجيز تزويج طفلة لا يتجاوز عمرها ست أو سبع أو حتى تسع سنوات وكيف لطفلة أن تتحمل مسؤولية بيت وزوج وأسرة وهي التي لاتستطيع أن تتولى شؤون نفسها ولا تفقه شيئاً من شئون الحياة عموماً، ومن ذا الذي يرضى لطفلته هذا المصير؟! ومن ذلك أولئك الذين يطالبون أو يفتون بجعل سن الزواج متاحاً من صغيرات السن حتى ولو لم يبلغن السابعة أو التاسعة من العمر.
إن منطق الدين والطب والحياة يقول بغير ذلك ويخالف مثل هذه الاجتهادات الخاطئة التي تتجاوز العرف السائد الذي تعارف عليه الناس والذي قطعاً يستمد أسسه من الشرع ومن منطق العقل السليم وحقائق الحياة ومن عادات الناس وتقاليدهم.
إن مراجعة للنفس ينبغي لها أن تتم بحيث تسمى الأشياء بمسمياتها انطلاقاً من الإدراك العميق للمدلولات اللفظية وبحيث تتطابق مع معانيها الحقيقية فلا تخلع صفة العلم أو العالم على من لا صلة لهم بالعلم والعلماء ولا يسمح لأي مدع بالعلم أن يخوض في مسائل ومجالات لا معرفة له بها ولما من شأنه تحصين المجتمع وخلق البيئة الصحيحة التي تغلق الباب أمام أي متطفل على العلم والعلماء وادعاء المعرفة بكل شيء والتغرير بالبسطاء من الناس والاستخفاف بعقولهم عن طريق ذر الرماد على العيون والادعاء الزائف.
سائلين الله أن يهدي الجميع إلى سواء السبيل..
*كلمة الثورة