د.علي مطهر العثربي -
سوء العاقبة
يبدو أن الذين يعيشون أحلام اليقظة ما تزال ذاكرتها تحن إلى آلام الماضي وعذاباته، وكأن الحياة الآمنة والمستقرة التي يعيشونها اليوم بيئة غير صالحة لأفكارهم الجهنمية لأنهم تربوا في بيئة عفنة يسكنها الشيطان ويعيث فيها فساد دون رادع من ضمير او قانون وكلما ظهر من يطالب بالقضاء على تلك البيئة الفاسدة تكالب عليه المسكونون بالدماء والدمار فعاثوا في الأرض فسادا ودمروا الحرث والنسل ومنعوا التطور والتنمية.
هذا هو الحال الذي كان قائما قبل الوحدة، قتل وقتال وسحل واغتيال وتسلط وصراع وعبودية وجرع دموية، ثم جاءت الوحدة بعد حوارات طويلة لإنقاذ البلاد والعباد من جور المتسلطين ، وعلى اثرها عاش الناس في امن وأمان وحرية وسلام عالم جديد تسود فيه المحبة والوئام والإخاء والتسامح وتحركت عجلة التنمية في الاتجاه الصحيح، ولما كان ذلك في غير صالح أصحاب النفوس المريضة عملوا بخبث على زراعة الحقد والكراهيه وضلوا على اتصال بأسيادهم الذين يدفعون لهم ثمن بيع الهوية الوطنية ليستمتعوا برؤية الدماء والأشلاء وليصنعوا التمزيق والفرقة والشتات ويبثوا سمومهم ومكرهم في أوساط البسطاء من الناس والأبرياء من جيل الوحدة من خلال ثقافة الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
ولئن كان الفاسدون المسكونون بأوهام الماضي الذين اعتادوا سفك الدماء وتقديم الجرعات الدموية الدورية قد حكموا على أنفسهم بالوباء الذي ينبغي استئصاله رغم قلة عددهم، فإن على الآخرين الذين ذاقوا سوء العذاب من هؤلاء المتسلطين قبل الوحدة أن يحذروا من زيف الأفاكين والحاقدين الماكرين، وأن لا تنطلي عليهم رفعهم لشعارات تحت مسميات مختلفة ولا يجوز أن ينخدعوا بأطروحاتهم الماكرة وعليهم أن يقولوا كلمة الحق بالحرف الواحد لقد جربناكم ولمسنا منكم سوء العذاب ولم يخلصنا من جوركم وتجبركم إلا إعادة وحدة شطري الوطن الواحد ونحن اليوم نعيش في نعيمها، ولا يمكن أن ننجر وراء أهواءكم ونزواتكم الشيطانية لأن الوحدة تعمقت في العقول والأذهان وأن الذاكرة مازالت تحتفظ بالكثير من مآسيكم وتآمركم واغتيالاتكم ولا يمكن أن نسمح بالعودة إلى الجحيم الذي تعدوه لشعبنا وبما كلفنا الثمن.
إننا نؤكد زيف أباطيلهم وافتراءتهم وأن دعواتهم الانفصالية تؤكد بان ادعائهم بأن الوحدة جاءت آنية كلام لا يصدر إلا من حاقد ماكر ومخادع وكذاب أشر تمرس الغدر والخديعة وعاش على سفك دماء الأبرياء وسحل العلماء والنبلاء من أبناء الوطن، وعلى الذين عاشوا فترة الجرعات الدموية أن يذكروا البسطاء من الناس بأن الوحدة لم تأت بين عشية وضحاها على الإطلاق، بل جاءت بعد حوار وصراع ثم حوار استمر سنوات عديدة عبر لجان مازال أعضاؤها أحياء يشهدون بالواقع ويفندون زيف الأفاكين.
بل أن ذلك الحوار الطويل شاركت فيه الجامعة العربية ودول شقيقة وصديقة، ولا ننسى الضغط الجماهيري المتواصل على التيارات السياسية في الشطرين في تلك الفترة التي طالبت بالتعجيل بإعادة وحدة شطري الوطن الواحد، ومع ذلك كله استمرت لجان الحوار الوحدوي في مناقشاتها وحواراتها وتم توقيع العديد من الاتفاقات وإعداد مشروع دستور دولة الوحدة، وعندما اكتملت مراحل العمل الوحدوي عبر لجانه المختلفة توج ذلك العمل الإنساني الوحدوي بإعلان قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م في وحدة اندماجية كاملة انطلقت من عدن عاصمة اليمن الاقتصادية والتجارية.
إن على الذين ذاقوا سوء العذاب قبل الوحدة في المحافظات الجنوبية والشرقية أن يذكروا جيل الوحدة بأحوالهم ويطلعوهم على صنوف العذاب الذي عانوه من آثار التشطير والمتسلطين فيه الذين لو أمكنهم منع التنفس لفعلوا، وعلى أولئك الذين قاسوا وعانوا أن يقولوا كلمة الحق لتحصين جيل الوحدة من سموم ثقافة الحقد والكراهية التي يبثها الأفاكون الذين ألفوا الدماء ورفضوا السلام والوئام، لأن تحصين الشباب من جور ثقافة الحقد والكراهية واجب ديني ووطني ومسئولية جماعية ولا يجوز أن تترك الساحة نهبا لتجار الحروب وبائعي الهوية الوطنية وصانعي الأزمات.
إن التصدي لهذه الثقافة بات اليوم فرض عين إذا قام به البعض لا يمكن أن يسقط على الباقين مهما كان، ونحن إذ نقول ذلك نتسلح يقول الخالق جل وعلى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" صدق الله العظيم ولأننا دعاة الفة ومحبة وسلام ووحدة وحقن دماء ولسنا أصحاب مشاريع صغيرة بل أصحاب مشاريع الأمل الكبير وهو الوحدة الكبرى بإذن الله ..وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.