عبدالعزيز الهياجم -
معالجات لا محاصصات
في يونيو من العام 1999م وعند انعقاد مؤتمر الديمقراطيات الناشئة بصنعاء أتذكر أن فخامة رئيس الجمهورية عندما سُئل في مؤتمر صحفي عشية انعقاد المؤتمر عن سبب غياب بلد مثل لبنان عن المشاركة في المؤتمر فأجاب أنه كان لديه نفس التساؤل وكان رد المنظمة الدولية - لا أتذكر اسمها - والتي شاركت في تنظيم المؤتمر مع الحكومة اليمنية، بأن الديمقراطية في لبنان هي ديمقراطية قائمة على أساس طائفي وعلى أساس المحاصصة، وبالتالي تعد نمطاً جامداً ولا يمكن تصنيفها في إطار الديمقراطيات الناشئة.
تذكرت ذلك وأنا أنظر لما يعتمل في الساحة الوطنية من تفاعلات وطروحات في ظاهرها قد يكون الحديث فقط عن الحقوق والمطالب والمواطنة المتساوية وشيئاً من الشعارات والرؤى التمزيقية والانفصالية، لكن في جوهرها توجهات لوأد المشروع الديمقراطي الحقيقي، وبالتالي ضرب الوحدة الوطنية وليس مشروع دولة الوحدة الذي يستحيل الانفصال ويستحيل العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م.
ويتجلى هذا التوجه الذي ينشده البعض للانتقال إلى ديمقراطية المحاصصة بدلاً من ديمقراطية الأغلبية التي هي جوهر التجربة، كما هو حاصل في البلدان العريقة والمتقدمة.. في أننا بدأنا نلمس تحركات ولقاءات تتناول قضايا الوطن وما يجري فيه ليس تحت سقف إطار حزبي ديمقراطي كتكتل لمجموعة أحزاب في المعارضة مثل اللقاء المشترك أو غيره، وإنما تحت سقف لقاءات تشاورية تذيب مجموعة الأحزاب ومعها نخب من الشخصيات الاجتماعية والقبلية وبعض رجال الأعمال والإعلام، وذلك في بوتقة أو تيار يأخذ الراية فيه من يمتلك قوة المال أو نفوذ القبيلة أو الثقل الحزبي أو المنابر الإعلامية أو كل تلك العوامل مجتمعة.
وإذا ما تأملنا في كل ما شهده الوطن خلال الفترة الأخيرة سواء منه ما يتعلق بما جرى في صعدة تحت بعد مذهبي أو التطورات التي شهدتها بعض المحافظات وأخذت للأسف بُعداً مناطقياً أو على صعيد فشل الأحزاب في أن تقدم حلولاً ومعالجات لكثير من المشكلات، بل وفشلها في التوافق للوفاء بالالتزامات والاستحقاقات الديمقراطية والانتخابية وفقاً لمواعيدها الدستورية.. نجد أن هذه التطورات مجتمعة قد أفرزت زعامات وقيادات وشخصيات بارزة ليس على أساس حزبي ايديولوجي، إنما على أساس من المال السياسي والنفوذ العشائري والمرجعية المذهبية والتمترس خلف نعرات مناطقية وطائفية.
ولذلك ونحن نعيش أجواء العيد الوطني التاسع عشر لتحقيق الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية أجدني واثقاً من القول بأن لا خوف على الوحدة وأن من المستحيل الانفصال والعودة إلى زمن التشطير.. لكن ذلك لا يمنعني من البوح بهواجس ومخاوف من أن هناك توجهات تغذي مشاريع لا يمكنها إعادة البلد الموحد إلى عهد التشطير أو إعادة التجربة الديمقراطية إلى زمن الشمولية.. ولكن يمكنها إفراغ كلاهما من مضمونه، بحيث تكون الوحدة الوطنية أسيرة تعايش المشاريع الصغيرة وتكون التجربة الديمقراطية أسيرة المحاصصة.
وعليه فإن لا خوف على الوطن الواحد من الصوملة ولكن هناك هواجس من «لبننة» التعايش الوطني والتوافق الديمقراطي بالنظر إلى ما يطرحه البعض من مشاريع ورؤى وما يذهب إليه سياسيون وأكاديميون عبر بعض الفضائيات من أن الوحدة اليمنية ليست شأناً يمنياً فقط، وإنما شأن إقليمي وعربي.. وهذا الطرح ما احترامنا لأشقائنا الذي نعتبر الوحدة منجز لهم جميعاً، إلا أنه يشيء بنزوع البعض إلى جعل أي حوار وطني بشأن كل المسائل والمشاكل ليس تحت سقف وطني وإطار ديمقراطي، ولكن تحت مظلة تجاذبات داخلية وخارجية.
وبالتالي فإننا ندعو إلى الحوار بشأن كل القضايا ومعالجة كل الاختلالات والتجاوزات وإنهاء أي احتقانات، ولكن يكون ذلك حواراً وطنياً وفي إطار ديمقراطي.
[email protected]
*عن الثورة