نصر طه مصطفى -
حول دعوة التسامح والتصالح
بدعوته للتصالح والتسامح والحوار المصاغة بعناية بالغة التي أطلقها الرئيس علي عبدالله صالح في الذكرى الحادية والثلاثين لانتخابه رئيسا للجمهورية عادت بنا الذاكرة لتلك الأيام الصعبة والعصيبة التي تولى فيها قيادة الشطر الشمالي من الوطن حيث كان ذلك الشطر عرضة للتمزيق إلى دويلات في تلك الفترة وتمكن الرجل حينها بروحه المحبة للسلام وإرادته المؤمنة بالحوار ونفسيته التواقة للتصالح والتقارب من إعادة الأمور إلى نصابها ونزع الألغام عن جسد الوطن وتوفير أجواء صحية للحوار والوئام والسلام، وما هي إلا سنوات محدودة حتى استقرت الأوضاع واتجه الناس للبناء وتعويض الشمال ما فاته من فرص التنمية بسبب الاضطرابات والحروب وانعدام الأمن... وهاهي دعوته اليوم تذكرنا بنفس الروح والإرادة المتسامية على الشقاق والخلاف والنزاع في ظل أجواء سياسية مرتبكة تنطلق فيها دعوات مسمومة للتشطير والتجزئة من ناحية وحركات تمرد متطرفة قاعدية وحوثية تهدد أمن البلاد واستقرارها من ناحية أخرى وهو ما يبعث القلق على مستقبل الوطن وأجياله الجديدة، يقتضي معها إدارة حوار جاد وحقيقي بين الأطراف الفاعلة دون شروط مسبقة فيما بينها ودون تعالي على بعضها البعض أو ادعاء أي طرف بامتلاك مطلق الحقيقة... وعندما يدعو الرئيس علي عبدالله صالح إلى التصالح والتسامح والحوار فهذا له دلالة هامة كان ينبغي أن تلتقطها أحزاب المعارضة التي دخلت في الآونة الأخيرة – كما يبدو – في حالة تيه وارتباك ضاعت معها بوصلتها ولم تعد تدري ما الذي ينبغي عليها فعله!
إن دعوة الرئيس الواضحة كل الوضوح والصادقة كل الصدق تعني أنه يدرك قبل غيره حاجة البلاد لتجاوز أزمتها الراهنة، وتنبيه الجميع في الطرف الآخر أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الخلافات لأن تجارب التاريخ تؤكد ذلك بما لا يدع مجالا للشك... فلو لم يكن الرئيس صادقا لما احتاج أن يوجه تلك الدعوة علنا وبصورة مباشرة وفي ذكرى عزيزة إلى نفسه، وكان يمكنه الاكتفاء بما يجري من تواصل وراء الكواليس بغرض تواصل الحوار الذي انقطع منذ إقرار مجلس النواب تمديد فترته الحالية لحولين كاملين... ولذلك كان موقف الإخوة في المعارضة يبعث على الدهشة فغياب الحصافة السياسية هو ما يؤدي دائما إلى ضياع فرص ثمينة لا تعوض وقد ينتهي بها إلى فوات القطار عليها كلية!
لاشك أن المعارضة أعلم بشئون دنياها ولها حساباتها بكل تأكيد، لكن المراقب غالبا ما يكون لبيبا، فالمؤتمر الشعبي العام باعتباره الحزب الحاكم قد لا يكون محتاجا للحوار مع المعارضة كما هي حاجة المعارضة نفسها، فهو في النهاية – أي المؤتمر – له برنامجه السياسي والانتخابي وعليه أن يمضي في تنفيذه دون حاجة لتضييع الوقت بانتظار حوار قد يتحول إلى مباراة علنية بين رؤيتين مختلفتين بشكل كبير حول نوعية الإصلاحات المطلوبة دون مؤشرات على إمكانية التوافق حولها.. ومع ذلك فإننا أحوج ما نكون للتفاؤل هذه الفترة ما يدعونا للأمل بأن المعارضة لن تسمح بالمزيد من ضياع الوقت، فعلى طاولة الحوار يمكن طرح كل القضايا دون حاجة للشروط المسبقة والتعجيزية، إذ تنسى أحزاب المعارضة أن هناك قضايا تتعلق بصميم مهام الحكومة كالحفاظ على الأمن والسكينة العامة يصعب ربطها بالحوار السياسي ومزاجاته المتقلبة، وللعلم فإن ذلك من صميم الرؤية التأصيلية والمقاصدية للسياسة الشرعية، فالدولة لا يمكنها التقصير في واجباتها الشرعية بانتظار رأي المعارضة في ما يجب عليها اتخاذه... وعلى كل حال هاهو الرئيس قد زاد على دعواته السابقة للحوار دعوته أيضا للتصالح والتسامح وهو أمر له مغزاه الواضح الذي يعني ابتداءً أن في البلاد من الإشكاليات ما يتطلب الدعوة للتسامح والتصالح، كما يعني انتهاءً أن مبدأ التسامح والتصالح سيمتد ليشمل أطرافا غير الأحزاب الممثلة في مجلس النواب وهذا تطور سياسي كبير لم تستوعبه المعارضة ولم تأخذ وقتها الكافي في تأمل أهدافه ومغازيه كما هي عادتها!