خيرالله خيرالله* -
الخوف من تحالف المتطرفين في اليمن!
طرأت الأسبوع الماضي تطورات على الوضع اليمني. أقل ما يمكن أن توصف به هذه التطورات أنها مؤسفة ومثيرة للقلق في آن. للمرة الأولى منذ بدء ما يسمى "الحراك السلمي" في المحافظات الجنوبية، أخذ هذا التحرك منحى دمويا وكأن المطلوب استفزاز الجيش وقوات الأمن من أجل ضمان سقوط ضحايا من الجانبين. بات في الإمكان وصف الحراك بأي شيء باستثناء أنه سلمي. تبدو الاضطرابات التي شهدتها مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين في الثالث والعشرين من يوليو الجاري بمثابة نقطة تحول بالنسبة إلى الوضع السائد في الجنوب عموما.
وذلك ليس عائدا ألى عدد القتلى الذين سقطوا في المواجهات التي تخللت ذلك اليوم فحسب، بل إلى دخول "الجهاديين" على خط المواجهة المباشرة مع السلطة وأجهزتها أيضا. في أحداث زنجبار، آحتل الشيخ طارق الفضلي المعروف بأنه من السلفيين ومن الرفاق السابقين لأسامة بن لادن الواجهة. انتقل ألى طليعة المطالبين بالانفصال علما بأنه كان من ألد أعداء الحزب الاشتراكي في الماضي وأنه دعم الوحدة في حرب صيف العام 1994 وقاتل إلى جانب قوات الشرعية من أجل الحؤول دون عودة الانفصال. ما الذي دفع بشخص مثل الفضلي وهو ينتمي إلى إحدى أبرز العائلات في أبين إلى الذهاب بعيدا في الصدام مع السلطة وركوبه موجة الانفصال في حين كان يعتبر في الأمس القريب وحدويا، بل مزايدا على الوحدويين وقياديا ناشطا في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس علي عبدالله صالح؟ لا شك أن المسؤولية لا تقع على الفضلي وحدها وأن من الأفضل دراسة هذه الظاهرة من زواياها المختلفة لمحاولة معالجة الوضع في محافظة أبين خصوصا والمحافظات الأخرى التي تشهد اضطرابات وتململا على وجه العموم.
في كل الأحوال، لا يمكن الاستخفاف بأحداث زنجبار حيث ظهر السلاح بكثرة من دون أي نوع من الضوابط. أسوأ من ذلك، ترافقت الأحداث مع ظهور مجموعات راحت تقيم حواجز تفتيش في مناطق معينة وكأن المطلوب التفريق بين يمني وآخر بهدف إثارة الفتنة ليس إلاّ. ليس السلاح الكثير الموجود بكثافة وحده الذي يثير القلق. فالسلاح موجود في كل مكان في اليمن. لكن المخيف أن هذه الظاهرة، ظاهرة التظاهر في ظل السلاح واللجوء إلى استخدامه حلت مكان الحوار وهي جاءت وكأنها رد على دعوة الرئيس علي عبدالله صالح كل القيادات اليمنية في الداخل والخارج إلى حوار من دون شروط بهدف المحافظة على السلم الأهلي والتجربة الديمقراطية التي عمرها من عمر الوحدة، أي أقل من عقدين. من المهم هنا التشديد على أن كل السياسيين اليمنيين الذين يمتلكون حدا أدنى من الوعي يعرفون أن الوحدة والديمقراطية توأمان وأن لا ديمقراطية من دون استمرار الوحدة ولا وحدة من دون ترسيخ التجربة الديمقراطية التي لا تزال حية ترزق وتطويرها، على الرغم من كل المصاعب التي تواجه البلد بسبب الوضع الأقتصادي البالغ السوء. إن هذا الوضع الاقتصادي السيىء لا يقتصر على المحافظات الجنوبية، بل يمثل حالا عامة في بلد ذي موارد شحيحة يأكلها، حتى لا نقول يبتلعها، النمو السكاني غير الطبيعي.
كان يمكن القول إن الأحداث التي شهدتها أبين محاولة أفتعلها طرف متطرف بهدف خطف "الحراك السلمي" في المحافظات الجنوبية. ماذا يريد هذا الطرف؟ هل الانفصال والعودة إلى عهد التشطير يحل مشاكل اليمن؟ من يعرف، ولو النزر القليل عن اليمن، يدرك أن مشروع الأنفصال غير قابل للحياة. لو كان الجنوب دولة قابلة للحياة لما انهارت في العام 1990 ، فهرب أهل النظام فيها إلى الوحدة. في النهاية إن محافظة تعز الواقعة في الوسط أقرب إلى عدن من حضرموت. وهذا يعني أن أي مس بالوحدة سيمس التركيبة اليمنية ككل. الخوف كل الخوف أن يكون الهدف من إشعال الوضع في أبين إقامة تحالف غير معلن بين المتطرفين في كل المحافظات اليمنية. هل صدفة أن الصدامات في مدينة زنجبار جاءت في وقت تجددت فيه الأشتباكات بين الجيش اليمني والحوثيين في محافظة صعدة الشمالية؟
يفترض في العقلاء في اليمن الاستجابة للدعوة إلى الحوار. ربما كانت هناك مساوئ كثيرة في اليمن. لكن من الأفضل العمل على ايجاد حلول من دون التخلي عن الوحدة بحسناتها وسيئاتها، لا لشيء سوى لأن لا أحد يستطيع التكهن بما سيحل بالبلد في غياب الوحدة، خصوصا في حال تمكن تحالف المتطرفين، وهم من كل الأشكال والأنواع والمشارب، من أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة في هذه المنطقة أو تلك من اليمن. عندئذ، سيكون لكل فرقة متطرفة قاعدتها. لن يعود الحديث عن قاعدة واحدة، هي قاعدة أسامة بن لادن، ستستبيح الأراضي اليمنية. سيكون الحديث عن قواعد عدة في اليمن بعضها لسلفيين وغير سلفيين وأخرى لتابعين لإيران وغير إيران. النموذج الصومالي قريب من اليمن. هناك من يعمل من أجل الصوملة في اليمن. هل من يستطيع أن يفسر كيف أن تمرد الحوثيين مستمر منذ خمس سنوات؟ هل يمكن لتمرد ما أن يعيش في اليمن من دون دعم خارجي فعّال وحقيقي؟ هل يمكن ليمني، في أي منطقة من المناطق، أن يحمل السلاح خمس سنوات من دون الحصول على راتب ما بشكل منتظم وعلى سلاح وذخيرة؟ انه تحالف المتطرفين الذي لا يهدد اليمن فحسب، بل المنطقة العربية كلها!
*(الراية القطرية )