نايف محمد سيف -
الحوار المطلوب والرهانات الخاسرة!
دعوة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح إلى الحوار، الجديد فيها إنها جاءت في فترة صعوباتها وتحدياتها تتسم بمضامين وأبعاد يكتنف مساراتها غموض، تجلياته تبدو في تعاطي القوى السياسية مع الظروف والأوضاع التي يمر بها الوطن على نحو ملتبس، وهنا تكمن شبه المشاريع المحركة للأحداث التي أفرزت تلك التحديات، وإزالة هذا الغموض والالتباس، يحققه جلوس الجميع إلى طاولة الحوار تحت سقف الوحدة والثوابت الوطنية والدستورية والقانون، وهو ما أكد عليه الأخ الرئيس في دعوته هذه للتصالح والتسامح للحوار في افتتاحية صحيفة الثورة، الجمعة قبل الماضية.. منطلقاً في هذا من نهج جربه في مراحل صعبة ومعقدة وحساسة، مر بها اليمن، وتمكن عبر الحوار من تجاوزها، منهياً بذلك صراعات وحروباً في فترة نهاية السبعينات وعقد الثمانينيات، وحتى تحقيق إنجاز إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الـ22 من مايو 1990، مروراً بأزمات الفترة الانتقالية المفتعلة، والتي كان الحوار هو الخيار الأول لتجاوزها، لكنها سارت في اتجاهات تتناقض مع نهج الحوار، لأن القيادات الانفصالية في الحزب الاشتراكي كانت حسمت توجهاتها، وقررت الارتداد إلى الخلف، ليصبح الحوار معه غير مجدٍ، والقبول به ليس إلا نوعاً من المناورة وكسب الوقت لصالح مشروعها الانفصالي، معتقدة أن بإمكانها تحقيقه بالحرب التي أشعلتها صيف 1994م.
ولأن الوحدة ليست مرهونة بإرادة أشخاص ولا برغباتهم، بل بإرادة شعب، فقد سقط هذا المشروع، وترسخت الوحدة، مجسداً فيها فضيلة التسامح.. ويعاد للحوار مكانته كقيمة وطنية ينبغي التعاطي مع مشاكل الوطن وقضايا عبره.
إلا أن البعض لا يتعلم من دروس التاريخ وعِبره، ولا يرى في مرآة السياسة إلا نفسه وحزبه ومصالحه الضيقة، لذلك يهربون من الحوار إلى استخدام الصعوبات المنبثقة من الفتن والدعوات المناطقية والانفصالية التي أسهموا في إشعالها بغرض الوصول إلى مراميهم الضيقة، غير مدركين أنهم أول من سيدفع ثمن هذا اللعب بالنار، قبل الوطن وأبنائه.
لهذا، على كل القوى السياسية استيعاب دعوة الرئيس والاستجابة لها دون اشتراطات مسبقة، والمقصود هنا بدرجة رئيسية أحزاب اللقاء المشترك التي عليها أن تبرهن على مصداقيتها، لتكون منسجمة مع خطابها السياسي والإعلامي المطالب بحوار احتوته مضامين دعوة الأخ الرئيس، إلا إذا كانت تهدف من وراء ذلك إلى المزايدة والمكايدة، وممارسة الضغوط باستخدامها أوراق ما تسميه بالحراك السلمي الجنوبي الذي بات واضحاً أنه ليس سلمياً، ومنذ البداية، بدعواته الانفصالية المدانة من كل أبناء شعبنا باستثناء تلك الأحزاب التي تقدم تبريرات وذرائع تعكس انتهازيتها السياسية.
دعوة الأخ الرئيس لم تكن موجهة لأحزاب معارضة اللقاء المشترك، بل هي دعوة لكل القوى الحية في هذا الوطن من أحزاب وتنظيمات سياسية وشخصيات وطنية ومنظمات مجتمع مدني.
والحديث عن هذه الأحزاب في سياق هذه الدعوة فقط يأتي لإيضاح حالة تذبذبها في الموقف المعبر عن تناقضاتها منفردة ومجتمعة بسبب تقديم مصالحها الضيقة على مصلحتها كائتلاف سياسي، ومن ثم تقديم مصالحها كائتلاف على مصلحة الوطن..
ولكن هذا لن يؤثر على الدعوة إلى الحوار التي أطلقها الأخ الرئيس.. فبالحوار والتسامح نتجاوز الماضي إلى بناء مستقبل للوطن الموحد المستقر المزدهر.
*عن صحيفة الشارع