فيصل جلول* -
لا للتسامح مع الطائفية والمذهبية في عالمنا العربي
يشهد العالم العربي منذ بعض الوقت نمواً خطيراً للظاهرة الطائفية و المذهبية مولودتها الشرعية، وإذا كان الشق الاول من هذه الظاهرة يمثل خطراً جدياً إذ يستدعي الفصل بين متحدات وطنية ذات اصول اسلامية واخرى غير مسلمة فان الشق الثاني من الظاهرة ينطوي على خطر قاتل إذ يفصل بين المسلمين بحسب تدينهم وفق المدارس الاسلامية المختلفة، والفارق الذي نعنيه بين الخطر الجدي والخطر القاتل يكمن في ان الجماعات غير المسلمة التي تعيش في العالم العربي ليست كبيرة العدد في حين تطال المذهبية القسم الاكبر من العرب اي الجسم الاساسي للمجتمع العربي او قلبه النابض.
واذا كانت الطائفية والمذهبية قد عاشت وتعيش عصرها الذهبي في لبنان فإنها ظلت محصورة في هذا البلد ولم تتعداه الى البلدان العربية الاخرى حتى حرب العراق عام 2003م فمنذ سقوط بغداد بتنا نشهد انتشاراً واسعاً للامراض الطائفية والمذهبية بيننا دون ان تكون لدينا وسائل كافية لمكافحتها والقضاء على خطرها.
ومن نافل القول ان الاحتلال قد رسخ هذه الظاهرة في العراق ولبنان مع فارق هام هو ان اللبنانيين يملكون خبرة في تحجيم المخاطر الطائفية والمذهبية جراء صراعاتهم وحروبهم الطويلة وهذه الخبرة تتيح لهم التعايش والتهادن في ظل معادلة محفوفة بالمخاطر في حين ان البلدان العربية الاخرى قامت على عقود اجتماعية قومية او وطنية وبالتالي يصعب عليها ان تغير هذه العقود، ولا مصلحة لها في التقهقر الى الوراء رغم ما يخلفه من تفكك للاوطان و تفتيت الدول الى شيع ومجموعات متحاربة حتى الرمق الاخير، لانها ببساطة تحارب من اجل الوجود الطائفي والوجود المذهبي وليس من اجل مطالب سياسية واقتصادية يمكن ان تلبى كثمن لتجنب الانزلاق نحو حروب وجودية..وليس من الصعب رد المسؤولية عن تفاقم هذه الظاهرة الى قوات الاحتلال في العراق جراء اصرارها على هدم الدولة القومية العراقية وانشاء دولة طائفية ومذهبية في آنٍ واحد علماً بأن احداً من العاملين العراقيين في ظل سلطة الاحتلال الفعلية ما كان سيناهض القوة المحتلة لو امرت بصياغة دستور وطني يجتمع العراقيون تحت عباءته اما وانها قد فعلت ما يحلو لها وبالتالي صياغة دستور طائفي ومذهبي فانها تتحمل مسؤولية اكيدة عن التفتيت الديني والمذهبي العراقي المرشح للامتداد الى مختلف انحاء العالم العربي.
بيد ان مسؤولية الاحتلال الامريكي ليست حصرية في هذا المجال فالدول الاقليمية المحيطة بالعالم العربي تسعى للافادة من هذه الظاهرة والاختباء ورائها الامر الذي يذكر بالدولتين الصفوية والعثمانية التي نصبت نفسها منذ القرن السادس عشر حامية لهذا المذهب او ذاك وكانت ارض العرب مجال الحماية والتنافس فيما بينها.بعبارة اخرى كان هذا يدعي حماية فئة من العرب وذاك يدعي حماية فئة اخرى، وكان معنى الحماية الحصري هو السيطرة المزدوجة على الفضاء العربي والتدخل في شؤون العرب والعمل المزدوج من الطرفين على اضعافهم و تشتيتهم.واذ نشهد اليوم سيناريوهات مشابهة مع عودة الطائفية والمذهبية للظهور مجدداً فاننا يجب ان لا نغيب مسؤوليتنا عنها فالاخرون يقرون ما يشتهون وعلينا نحن ان نرفض ما يقرؤن عندما يتعلق الامر ببلداننا ومجتمعاتنا، ولعل الاقرار بالمسؤولية العربية في المقام الاول عن هذه الظاهرة هو الخطوة الأولى نحو مكافحتها والتصدي لها اما الخطوات الاخرى فيمكن حصرها في الاجراءات الآتية:
اولاً: رفض التسامح اطلاقاً مع كل حديث طائفي او مذهبي واعتبار المتحدث مجرماً وتقديمه للقضاء بهذه الصفة طالما ان الدساتير والقوانين العربية لا تعرَّف المواطنين بالقياس الى مذاهبهم وطوائفهم وانما بالقياس الى انتمائهم الوطني او العربي.
ثانياً: رفض التشبه بالمثال اللبناني واعتباره مثالاً ينبغي تجنبه وليس تقليده والسير على خطاه فعندما ترفض النخب اللبنانية الحديثة قاطبة الظاهرة الطائفية وتدعو للتخلص منها ومحاربتها لا يجوز للنخب العربية ان تنبهر بالمثال اللبناني الذي انتج حتى الان اكثر من عشرة حروب دموية وادى الى خراب اهلي شامل ومديونية هي الاكبر بين المديونيات العربية.
ثالثاً:مساعدة العراقيين الرافضين للطائفية والمذهبية على اعادة النظر في دستورهم وعلى التخلص من الاحتلال.. والراجح ان الثقافة العراقية المعمرة كفيلة بطي الصفحة الطائفية والمذهبية عندما يصبح العراق حراً من الاحتلال وقادراً على مواجهة التدخلات الخارجية بوسائله الذاتية.
رابعاً: رفض كل اشكال التعاطف والتضامن مع المذهبيين والطائفيين تحت اية حجة من الحجج. فلا الظلم يبرر انبثاق الطائفية ولا الديموقراطية تجيز الطائفية ولا حقوق الانسان تفرض تشريع الانقسام المذهبي لأن كل الحجج والذرائع التي يستخدمها الاجانب في بلداننا لحماية الطائفيين والمذهبيين حجج وذرائع باطلة والغاية منها تفتيت اوطاننا حتى تذهب ريحنا.
خامساً: العمل على حل الخلافات الطائفية والمذهبية ان وجدت في الاطار الوطني وهناك مناهج رائعة وفعالة من بينها التقريب بين المذاهب والتعايش السلمي بين الطوائف في اطار المواطنية والمرجعية الوطنية والعربية حصراً.
سادساً: اعتماد برامج تلفزيونية تبين ان الخلافات المذهبية كلها سياسية المنشأ وكلها اندلعت حول الحق بالخلافة وليس حول الاصول الاسلامية وليست حول الاساس من الفروع وبالتالي هي خلافات ماضوية لا يجوز ان تعصرن وان تحتل صدارة المسرح السياسي في عصرنا المختلف.
سابعاً: رفض المقولة التي تدافع عنها جماعات عربية غير مسلمة مدعية انها لا تريد حياة اهل الذمة فالعصر الذي نعيش فيه مختلف عن العصور التي كانت الذمية اجراءً متناسباً معها ناهيك عن ان العرب والمسلمين لا يحكمون العالم وبالتالي ليست قوانينهم هي القوانين السائدة في العالم حتى يشاع الخوف، ومن ثم المبادرة الى التكتل الطائفي، بل يمكن القول دون تردد ان الخطر على غير المسلمين يكمن في التكتل الطائفي ومن لا يصدق عليه بالمثال العراقي حيث المذبحة الطائفية والمذهبية اليومية تطال غير المسلمين في المقام الاول في بلدٍ ما عرف مثل هذه الظواهر منذ تأسيسه في الربع الاول من القرن العشرين.لا نريد طائفية ولا مذهبية في العالم العربي .. وعلى من يريد ذلك ان يتحمل عواقب افعاله ويجب أن تدخل هذه المعادلة في صميم العمل الحكومي والثقافي والاخلاقي والديني والوطني في العالم العربي فالوقت لم يفت بعد للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة ونبذ اصحابها بل هي قضية حياة او موت بالنسبة للعرب....الأحياء معنوياً واخلاقياً.
*عن 26 سبتمبر