د/بشير عبدالله العماد * -
المؤتمر و27 عاماً من التحولات الديمقراطية
عندما نتحدث عن 27 عاما من تأسيس المؤتمر الشعبي العام يعني لنا الحديث عن جوانب كثيرة تتجلى مظاهرها وتبرز إيجابياتها ومعالم نجاحاتها على أرض الواقع،ولا ينكرها إلا جاحد إلا انه ليس بمقدورنا في هذه الزاوية أن نلم بما تحقق في مختلف الجوانب و ما يمكن أن نتحدث عنه – ولو بايجاز- هو جانب التحولات الديمقراطية التي شهدتها البلاد على مدار عقدين وسبع سنوات منذ التأسيس وحتى الآن .
الثابت تاريخياً أنه منذ أن تولى فخامة الرئيس علي عبدالله صالح مسئولية قيادة الوطن لم يغب عن باله تفعيل مفردات الحوار والتسامح والتصالح والديمقراطية كفلسفة جديدة لإدارة الحكم في البلاد، وقد كان جلياً وضوح هذه الفلسفة في أول خطاب سياسي له يوم 17يوليو 1978 عندما قال:" سوف أمد يدي نظيفة إلى الجميع من أجل بناء اليمن ومن أجل سعادة شعبنا وأمنه وسيادته".
بهذه الكلمات يمكن للمرء أن يدرك مقدار حرص فخامته على الحوار والديمقراطية باعتبارهما الطريق الأمثل والأضمن للتماسك الوطني على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ومن هذا المنطلق بدأ فخامة الرئيس بتمكين كل الأطراف في النسيج المجتمعي بمختلف فعالياته السياسية والاجتماعية.
وكانت أولى خطوات هذا التمكين عندما أصدر القرار الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م بتشكيل لجنة الحوار الوطني بمشاركة كل القوى السياسية والشخصيات الاجتماعية، وقد أوكل لهذه اللجنة صياغة الميثاق الوطني.
وفي الوقت الذي أجمعت كل ألوان الطيف السياسي على الصياغة الأخيرة للميثاق الوطني، عمل الرئيس على إنشاء تنظيم يشكل الميثاق الوطني فكراً له، ومن هذا المنطلق انبثق المؤتمر الشعبي العام كتنظيم سياسي .
وقد تم انتخابات المؤتمر المكون من 700 عضوا منتخبا انتخاباً حراً حيث أوكلت مهمة الإشراف عليها إلى اللجنة العليا للانتخابات ،بالإضافة إلى300 عضو تم تعيينهم من قبل القيادة السياسية، ثم تواصلت فيما بعد الخطوات الديمقراطية لتأسيس المؤتمر وقد تم بالفعل الدعوة لعقد المؤتمر العام الأول للمؤتمر الشعبي العام خلال الفترة 24-29 أغسطس 1982م وتم فيها إقرار النظام السياسي للمؤتمر وانتخاب فخامة الرئيس علي عبدالله صالح أميناً عاماً له.
وهناك الكثير من التحليلات السياسية لظروف النشأة والتأسيس للمؤتمر الشعبي العام ، وجميعها تؤكد أن ولادة المؤتمر في ذلك الظرف وبتلك الوسيلة الديمقراطية كحصيلة لرؤية موحدة وناضجة قضت على مجمل التناقضات والصراعات المتوارثة، وكل ذلك جعل المراقبون يجزمون في قراراتهم السياسية أن تشكيل وتأسيس المؤتمر في أغسطس 1982م حدثاً بارزاً وتجربة رائدة من التجارب الديمقراطية.. ليس ذلك فحسب بل اعتبروه مشروعاً سياسياً كبيراً أسهم في الاصطفاف الشعبي بمختلف قواه السياسية والاجتماعية في بوتقة واحدة.
وبهذه الخطوة صارت مسئولية الحكم جماعية وليست مرتبطة بشخص الرئيس وهذا ما جعل فخامته يصرح بكل ثقة قائلاً:" لم يعد يتحمل المسئولية في القيادة علي عبدالله صالح أو الحكومة ولكن المسئولية مسئولية المئات والآلاف منكم سعياً إلى التوسع في المؤسسات الشعبية والجماهيرية"
ومن أجل أن يشعر كل مواطن بالواجب نحو الوطن ومصالحه العليا بعيداً عن التعصب الحزبي أو المناطقي أو القبلي، يتابع فخامة الرئيس في نفس خطابه السابق قائلاً:" كل أبناء الشعب وطنيون فالوطنية لم تكن محكترة أو محصورة في فئة معينة ولكن الوطنية هي ثائر يثور على الظلم والقهر والجهل وكل أنواع التخريب والعبث والفوضى".
مسيرة الديمقراطية في البلاد لم تتوقف عند هذا الحد فالمؤتمر الشعبي العام الذي أتخذها فكراً وسلوكاً أصر على أن تتوالى هذه المسيرة، وفعلاً فقد استأنفت بانعقاد الدورة الثانية للمؤتمر الشعبي العام في أغسطس1984م كان أهم ما خرجت به تلك الدورة هو توسيع عضوية المؤتمر لتمتد إلى كل ربوع الوطن، ثم استمر هذا الزخم الديمقراطي ليمتد إلى بعد الوحدة المباركة في 1990م حيث عقد المؤتمر الشعبي العام مؤتمره الرابع التكميلي في المحافظات الجنوبية وانتخاب قيادات جنوبية لفروع المؤتمر فيها، ثم اختيار من يمثلها في التكوينات التنظيمية العليا (اللجنة الدائمة-اللجنة العامة)
لكن لا يمكن أن نعتبر أن الديمقراطية كنهج لفخامة الرئيس تم تجسيدها إلا عندما أصر على ألا يتولى مهام رئاسة الجمهورية إلا عبر انتخابه من قبل مجلس الشعب التأسيسي الذي يمثل الأمة، وبالفعل فقد تم ذلك بأسلوب حضاري لم تعهده اليمن من قبل، حيث بارك العالم هذا المسار الجديد لليمن.
وفي حينه قال الرئيس مؤكداً هذا النهج:" إن خيار الديمقراطية لا حياد عنه لأنه خيار الشعب وحق الجماهير في حكم نفسها بنفسها".
من المسلمات أن الديمقراطية لا تأتي ما بين ليلة وضحاها وإنما كالعادة لا بد أن تمر بتدرج، لأن تغيير وعي المجتمع في مسألة ما يتطلب له وقت وجهد ووسائل مناسبة، وهذا ما حدث بالضبط عندما حمل المؤتمر الشعبي العام كتنظيم سياسي أوجده الشعب بمختلف أطيافه السياسية والاجتماعية – النهج الديمقراطي- كفكر يهتدي به في قيادة الوطن.
وبطبيعة الحال لا ننسى أن هناك محطات متدرجة للديمقراطية سلكها المؤتمر الشعبي العام بقيادة فخامة الرئيس من أهمها إصدار قانون الانتخابات رقم (29) في 1980م وهذا القانون شكل نقطة تحول في المسيرة الديمقراطية، وعلى غراره تم تشكيل لجنة عليا للانتخابات برئاسة رئيس مجلس الشعب التأسيسي القاضي عبد الكريم العرشي للإشراف على إجراء الانتخابات العامة لمجلس الشورى التي تمت في 7يوليو1988م.
الكثير من المراقبين السياسيين يعتبرون قيام مجلس الشعب واحدة من أبرز المحطات الرئيسية لمسيرة البناء الديمقراطي للدولة، لأن فخامة الرئيس أستطاع من خلاله النفاذ إلى عمق أهداف الثورة، وتحديداً الهدف الرابع منها الذي ينص على " إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل يستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف".
ويمكن القول أن الديمقراطية بقيام الجهورية اليمنية قد تسنى لها اكتساب عناصر جديدة ساعدت على تفاعلها وتطورها.
كما أنها قد مرت عبر محطات ساعد ذلك على تشذيبها حتى أوصلتها إلى مرحلة من النضج والتفرد على مستوى دول الجوار والمنطقة العربية والإسلامية.
وكان الاستفتاء الشعبي العام على دستور الوحدة يشكل أولى المحطات ثم تلاه الانتخابات البرلمانية التي جرت على التوالي في 1993م و1997م و2003م وكذلك الانتخابات الرئاسية الأولى في 1999م والثانية في 2006م وانتخابات المجالس المحلية 2006و 2008م وفيها جسدت انتخابات المحافظين المسيرة الديمقراطية في ظل القيادة السياسية الحكيمة ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية .
ولم تقتصر المحطات التي بلورت العملية الديمقراطية على مسألة الانتخابات فحسب بل طالت الكثير ، فكان لحرية الرأي والتعبير الذي رفع لواءها المؤتمر الشعبي العام، دافعاً للاتجاه نحو توسع قاعدة منظمات المجتمع المدني ، وكذلك التوسع في حرية الصحافة والإعلام، وقد أنعكس ذلك في العدد الكبير للإصدارات الصحفية و إنشاء مواقع الانترنت.
إضافة إلى تمكين المرأة من المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،خاصة أن الدستور والقوانين النافذة قد كفلت حقوقها كاملة، وكان للمؤتمر الشعبي العام الريادة في دعم المرأة وذلك عندما خصص 15% للمرأة في جميع تكويناته التنظيمية القيادية والقاعدية
*رئيس دائرة الرقابة التنظيمية بالمؤتمر الشعبي العام