زين العابدين الركابي - الأمة في خطر.. فاقطعوا البرامج المعتادة عندما قرأنا وثيقة الفتنة، التي نسبت الى من يسمى بـ (أبي مصعب الزرقاوي) والتي جاء فيها ـ مثلا: الرافضة ـ أي الشيعة ـ وهؤلاء في رأينا مفتاح التغيير، أقصد ان استهدافهم وضربهم في العمق الديني والسياسي والعسكري سيستفزهم ليظهروا تكتلهم (تجمعهم وتواثبهم) على أهل السنة، ويكشروا عن انياب الحقد الباطني الذي يعتمل في صدورهم. واذا نجحنا في جرهم الى ساحة الحرب الطائفية، أمكن ايقاظ السنة الغافلين حين يشعرون بالخطر الداهم والموت الماحق على ايدي هؤلاء السبئية. وأهل السنة على ضعفهم وتشرذمهم هم أحدّ نصالا، وأمضى عزائم وأصدق عند اللقاء من هؤلاء الباطنية، فإنهم أهل غدر وجبن، ولا يستطيعون إلا على الضعفاء، ولا يصولون إلا على مهيضي الجناح. وأهل السنة في معظمهم يدركون خطر هؤلاء القوم ويحذرون جانبهم، ويتخوفون عواقب التمكين لهم، ولولا المخذلون من مشايخ التصوف والاخوان لكان للناس حديث آخر.. هذا الأمر مع ما يجرى له من ايقاظ الهاجع، وتنبيه الراقد، فإن فيه تقليما ايضا لأظافر هؤلاء القوم، وقلعا لأنيابهم، قبل ان تدور المعركة المحتومة.. إن قتالنا للرافضة هو السبيل لجر الأمة للمعركة.
ونتكلم هنا بشيء من التفصيل.. نحن سبق وقلنا ان الرافضة تزيوا بزي الجيش والشرطة والأمن العراقي ورفعوا لائحة الحفاظ على الوطن والمواطن، تحت هذه اللائحة بدأوا بتصفية أهل السنة بحجة أنهم مخربون وانهم فلول البعث، وانهم ارهابيون يسعون في الارض فسادا.. ان الرافضة هم العقبة الكؤود، والافعى المتربصة، وعقرب المكر والخبث، والعدو المتربص، والسم الناقع، ونحن هنا نخوض معركة على مستويين: ظاهر مكشوف مع عدو صائل، ومعركة صعبة ضروس مع عدو ماكر يضمر الشر، ويقتل في الذروة والغارب.. إن الناظر المتئد، والمبصر المتفحص يدرك ان التشيع هو الخطر الداهم، والتحدي الحقيقي: هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون .
عندما قرأنا بيان الفتنة هذا: ارتبنا أيما ارتياب في مصدره ومقصده وتوقيته.. لماذا؟
هذه هي حيثيات الارتياب:
1 ـ ليس كل ما ينسب الى شخص أو جهة ما يكون صحيحا ـ بالضرورة ـ فالتاريخ السياسي مثقل بـ (الوثائق المزورة).. وترتفع معدلات الشك حين يحاط الأمر بالغموض أو السرية المطلقة، ففي كهنوت هذه السرية يقول من شاء، كيف يشاء، وقت ما يشاء، وهو مطمئن الى ان تحقيقا ما لن يجرى ليكشف الكذب والبهتان والدس والتدليس.. وليس معنى ذلك: استبعاد: ان يكون في امتنا مجانين أو مهوسون يقولون مثل هذا القول ويفعلون هذا الفعل. فالتاريخ والواقع يثبتان هذه الظاهرة بأدلة وقرائن عديدة، لكن ما ينبغي التنبه الفكري والسياسي له هو: ان القوى الكارهة لأن تكون امة العرب والمسلمين مستقرة ناهضة قوية ذات دور فاعل في الشؤون الدولية.. هذه القوى (لا تنشئ طاقة الشر ونوازع الحمق والطيش) انشاء في هذا النفر أو ذاك من قطاعات الأمة.. وإنما النهج المتبع على هذا المستوى هو: توظيف طاقات التذمر والسخط والهيجان والغليان والحمق والطيش والتوتر الديني والخلاف السياسي ونوازع الزعامة والتسلط.. توظيف هذه الطاقات والخمائر والنوازع وتوجيهها وفق مخطط مدروس ينتهي بجلب أكبر قدر من المنافع للشانئ. وبانزال افدح المصائب والبلايا والاضرار بالعرب والمسلمين.. نحن لا نشك في ان الموصوفين بتنظيم القاعدة ـ مثلا ـ لهم صدور تغلي وتفور بشيء من الطاقات المذكورة آنفا.. وفي الوقت نفسه لا نشك في ان لديهم من السذاجة والغباوة والجهالات السياسية والزمنية ما جعلهم يباشرون فعلا: وُظف في جلب دمار ساحق ماحق على العرب والمسلمين ، وهو دمار يربح منه، ويفرح به أولئك الذين قال القرآن فيهم: «إنْ تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها».. ومن الجنون: اتهام استخبارات ما بأنها هي التي زرعت الحمق وجنون العظمة والتسلط والسيطرة والتوسع، وأوهام الزعامة، ونزعة الطغيان في صدام حسين، فهذه العاهات موجودة فيه قبلا، ولكن وظفت هذه النوازع والعاهات والاتجاهات الشريرة توظيفا خدم الشانئ وأظلم حاضر الأمة ومستقبلها بما في ذلك العراق نفسه، سواء جرى التوظيف بمقتضى قاعدة (التشجيع على ارتكاب الاخطاء القاتلة)، أو جرى التوظيف بمقتضى قاعدة (قُده من حيث يريد ويهوى).
2 ـ مما يبعث الريبة في وثيقة الفتنة المنسوبة الى الشبح الجديد، أو المشجب البديل: أبو مصعب الزرقاوي.. مما يبعث الريبة في هذه الوثيقة: انها شحنت بأكبر طاقة من الكراهية والضغن والظلم والفجور، وصيغت بعبارات فيها من الاستفزاز والاهاجة ما يكاد يصعب على الحليم احتمالها.. وهذا يعني: ان هدف الوثيقة المباشر: ليس طرد الاحتلال، ولا بناء العراق. وانما هدفها المباشر هو: ايقاد نيران الفتنة بين السنة والشيعة، أي ان المهم هو: ايقاد الفتنة ـ فحسب ـ، وليكن بعد ذلك ما يكون.. فالفتنة ـ ها هنا ـ مقصودة لذاتها، ولذلك شحنت الوثيقة بما شحنت به، وصيغت بعبارات تحمل الاطراف حملا، وتؤزهم أزا على الخوض الدامي في حرب أهلية دون تردد ولا تسويف.
3 ـ الحيثية الثالثة الباعثة على الريبة: ان سيناريو التفجيرات وتقنياته وآلياته اكبر وأدق وأكثر تعقيدا وأوفى مهارة من ان يمتلكها ويستعملها نفر محشور في جحر.
4 ـ الحقيقة الرابعة: ان قضية (الطائفية) أو التحريش بين السنة والشيعة، كانت ـ ولا تزال ـ هدفا ثابتا للاستراتيجية الاجنبية في المنطقة.
والقرائن على ذلك هي:
أ ـ في سياق التمهيدات للحرب على العراق أي قبل الحرب بشهور ثم اسابيع: علت نبرة احياء الخلافات بين السنة والشيعة.
ب ـ تكرر القول او التصريحات الصادرة عن مسؤولين بريطانيين واميركيين وتصريحات تركز على موضوع: ان من الاهداف السامية للحرب على العراق انقاذ الشيعة في العراق !! وهذا كلام ملفوف يعتمد على منطق (التورية)، بمعنى ان هدفه القريب البسيط هو انقاذ شيعة العراق من نظام صدام حسين.. أما هدفه البعيد المركب فهو: انقاذ شيعة العراق من سنته!!.. وفي هذا الايحاء ما فيه من اثارة حفائظ الطرفين.
ج ـ ان استمرار بقاء الاحتلال في العراق لا مسوغ له إلا (الاضطراب الأمني) وهو اضطراب يشعر الأطراف كافة بأنهم لا ملجأ لهم من الخوف والفزع والرعب في حياتهم اليومية: الا بقاء الاحتلال ودوام وجوده اطول مدة يريدها المحتل ويهواها.
د ـ كانت الادارة الاميركية ـ ولا تزال ـ ترغب ـ بعمق وحرص ـ في تأجيل الانتخابات في العراق او تعطيلها، وذلك وفق معلومة سياسية وسكانية تقول: ان انتخابات حرة نزيهة تجرى في العراق: لن تأتي بالذين تفضل هذه الادارة ان يأتوا.
واقوى تعلة لتعطيل الانتخابات هي: عدم وجود (بيئة امنية) صالحة لاجراء الانتخابات.. ومن المؤسف جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا (سبع مرات): أن يكون (مخرج) رغبة الادارة الاميركية هذه هو: الأمم المتحدة. فلقد اصدرت الامم المتحدة تقريرا مطولا عن الوضع في العراق، عللت فيه تأخير الانتخابات او تعطيلها بـ (الاضطرابات الامنية).. يقول التقرير ـ في الفقرة 38 ـ «يمثل تحسين الظروف الامنية شرطا مسبقا لاجراء انتخابات حرة ونزيهة في العراق، إذ ان فقدان الامن يمكن ان يؤدي الى اضطرابات !! كبيرة تقوض ادارة الانتخابات، وتغير الجدول الزمني الموضوع وتضر بالصدقية العامة للعملية، ولا يقل عن ذلك اهمية توافر بيئة تتيح احترام الحقوق المدنية والسياسية للمرشحين والاحزاب والناخبين مما يكفل حرية تنظيم الحملات الانتخابية وحرية الاختيار ويضمن حرية الكلام والرأي والمعلومات والتجمع والتنقل والاجتماع خلال الانتخابات، ولذلك يعد الامن شرطا رئيسا لكفالة شرعية العملية. والظروف الراهنة بما ينجم عنها من شيوع الخوف والقلق بين السكان، تعتبر عقبة رئيسية في طريق نجاح الانتخابات وان وجود ميليشيا لا سيما اذا كانت مرتبطة بحركات سياسية يمكن ايضا ان يكون مصدر اكراه وتخويف يقوض الصدقية السياسية للعملية.. والانتخابات التي لا يعد لها الاعداد السليم والتي تتم من دون تهيئة افضل الظروف الممكنة لها قبل اجرائها، تفضي غالبا الى ديمقراطيات (صورية). والى راديكالية العمل السياسي وتقوض الحل التوفيقي بين الاطراف المعنية. كما تقوض بناء الائتلاف .
وهذا كله (تيئيس) مؤصل ـ ومبرمج ـ من الانتخابات بحجة (الاضطراب الامني) الذي يبدو ان زمانه سيطول!!
هـ ـ ومن قرائن الرغبة في حرب اهلية او طائفية في العراق، انه بعيد احتلال العراق، خرج (مارتن انديك) ليقول: ما هذا العبث المتمثل في الانشغال بالامدادات الكهربائية والمائية وبتوفير الوسائل الخدمية. يجب ان نكف عن هذا وان نحيي القاعدة الاستعمارية القديمة: فرق تسد .. (انديك ناشط صهيوني ودبلوماسي امريكي سابق).
و ـ ومن هذه القرائن: (التوقع الايحائي) باندلاع حرب اهلية في العراق:
أولا: توقع جنرالات من قوات الاحتلال ان حربا اهلية في العراق ستقع.. فهل هذا (توقع).. ام (علم مسبق) سيق في صورة توقعات شبيهة بصورة (تكهنات المنجمين)؟.. فقد كان بعض الاستخبارات في عالمنا هذا يعلم او يشارك في اغتيال الزعيم الفلاني او متورطا في تدبير انقلاب ما او يريد ـ لاهداف سياسية ـ ان يروض الرأي العام على التهيؤ للحدث القادم، هنالك يستنطق كاهنا او ساحرة لتقول: ان فلانا سيغتال او ان النظام الفلاني سيختفي!! ثم يتحقق قول الكاهنة!!.
ثانيا: مرة اخرى من المؤسف (سبعين مرة): ان تتورط الامم المتحدة في (التبشير) بسيناريو وقوع حرب اهلية في العراق.. ففي تقريرها المشار اليه قبل قليل تتوقع الامم المتحدة.. نشوب حرب طائفية او اهلية في العراق.
فهل الاحداث الدامية المحزنة التي وقعت في العراق في الاسبوع الماضي ـ والموجهة ـ ضد الشيعة ـ هل هذه الاحداث تقع في نطاق استراتيجية: توقع حرب اهلية وفي نطاق سياسة التخويف من هذه الحرب؟ هل هذه الاحداث الدامية: تخويف بـ (الفعل) عزز التخويف بـ (القول)؟
مهما يكن من امر فإن ما حدث هو افعال شريرة يقصد بها ضرب الامة كلها، وان كان العراق اليوم هو الساحة الاولى التي سيمتد منها الحريق الكريه الخانق المميت الى ما سواها من الناس والبلدان (ربما كان استهداف الشيعة في باكستان لتعويم الاستنتاج).
لذا، فإن على علماء الامة وعقلائها من الشيعة والسنة: ان يقطعوا (برامجهم المعتادة) وان يسارعوا الى اطفاء الحريق بكل المضخات المتاحة، وان ينظفوا المناخ العام من كل ما عساه ان يكون فتيل فتنة في المستقبل: القريب او البعيد.
وعلى الرغم مما شعرنا به من حزن شديد لما جرى، فإن هذا الحزن قابله ـ في الوقت نفسه ـ سرور بتضامن عقلاء وعلماء السنة والشيعة في العراق وتواصيهم بسكينة النفس والعقل والساحة: حفاظا على العراق واهله، وإبطالا لمخططات الشانئين.
#الشرق الاوسط
|