علي ناجي الرعوي -
اليمن.. والمترددون في المواقف
لا نبتعد عن الحقيقة ولا نجافي منطق العقل، إذا ما قلنا أن الذين يتفرجون على ما يتعرض له اليمن من المؤامرات والدسائس، لا شك وأنهم الذين سيدفعون الثمن باهظاً إذا نجحت تلك المؤامرات والمخططات في تحقيق غاياتها الدنيئة في استهداف أمن واستقرار ووحدة هذا البلد العربي، الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من المنظومة العربية الإسلامية وأمنها واستقرارها كما هو شأن اليمن نفسها التي تدفع ثمن ما يجري في جوارها الجغرافي بمنطقة القرن الأفريقي من اضطرابات وقلاقل وأكثرها حدة ما يعتمل على الساحة الصومالية من فوضى وانفلات وحروب داخلية منذ أكثر من تسعة عشر عاماً وهي الأوضاع التي ألقت بظلالها وتبعاتها على اليمن في الجوانب الأمنية والاقتصادية والاجتماعية من خلال موجات اللاجئين المتدفقة على أراضيها وشواطئها بشكل يفوق احتمال أي دولة محدودة الموارد.
ولم يكن ذلك ليحدث لولا أن أشقاء الصومال أو بعضهم تناسوا أن انهيار الأوضاع في هذا البلد هو في حد ذاته انهيار لإحدى حلقات الأمن القومي المرتبطة ببعضها البعض، وأن تأثيرات ذلك الانهيار ستمتد إليهم ولن يكونوا بمنأى عنها، وهو ما نراه اليوم في الثمن الباهظ الذي تدفعه اليمن وحمّى أعمال القرصنة التي تتهدد بمخاطرها سلامة أهم ممر مائي عربي.
ومن هذا المثال وأمثلة كثيرة، فإن الذين يتحركون على استحياء أكانت دولة شقيقة قريبة أو بعيدة أو أكثر من ذلك ربما فاتهم أن ما يجري في اليمن سواء ما يتصل منه بفتنة التمرد التي أشعلتها العناصر الكهنوتية في بعض مديريات محافظة صعدة التي تدعي زورا وبهتانا الحق الإلهي في الحكم وتسعى إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والعودة باليمن إلى عهود الاستبداد الإمامي وأزمنة التخلف والاستعباد، أو ما يتعلق بزوابع «المارطين» من الانفصاليين الماركسيين وبقايا السلاطين الذين يجاهرون بالعداء لقيم الوحدة الوطنية ويرفعون الشعارات المناطقية والشطرية في بعض مديريات المحافظات الجنوبية والشرقية أن هذه الأحداث تحركها أجندة خارجية وأن المستهدف من وراء هذا المخطط ليس أمن اليمن ووحدته فحسب وإنما الأمن القومي العربي ومكاسب الأمة عموماً .
والمصيبة أن تغيب مثل هذه الحقيقة التي لا مجال لتجاهلها أو إغفالها عن البعض، والأخطر من ذلك أن نجد هناك من يسقط من تقديراته وحساباته ومقاصد سياساته أن أمن اليمن لا ينفصل عن أمن الدول الشقيقة، وأن أي استهداف لليمن هو استهداف لأشقائه سواء بسواء، إذ أن الثابت أن أمن اليمن أو أي دولة عربية أخرى هو أشبه بطائر يطير بجناحين أحدهما يمتد بامتداد الأمن القومي العربي والآخر في نطاقه الداخلي، وكل منهما يشكل قاطرة للآخر، فسلامة أمن اليمن تمثل عنصر ضمان للأمن القومي العربي، بحكم العروة الوثقى التي تجمع اليمن بأشقائه وشريان حياتهم واستقرارهم.
وبمزيد من المصارحة والوضوح فإن من الواجب والحكمة ورجاحة العقل، أن يدرك أولئك المترددون والمتخاذلون وأصحاب المواقف الرمادية، والممسكون العصا من المنتصف، والمتفرجون على ما يتعرض له اليمن من المؤامرات، أن أي ضرر قد يحيق بأمن ووحدة اليمن سيكون وبالاً عليهم، وأن أي ثمن سيدفعه اليمن جراء أي تخاذل سيكون مضاعفاً عليهم. وبالتالي فإن من الواقعية أن يعي من يلوذون إلى الصمت أو يتحركون على استحياء تجاه القوى المتربصة بالوحدة اليمنية أن هذه الوحدة هي انجاز قومي وإسلامي ومصدر فخر واعتزاز الجماهير العربية والإسلامية وأن هذه الوحدة أيضاً ظلت واحدة من الأحلام والأماني الكبيرة لتلك الجماهير، التي وجدت في هذا الإنجاز بارقة أمل في بلوغ وحدتها ومشروعها الوحدوي.
وعليه فإذا كان الدين الإسلامي الحنيف يعلمنا أن الوحدة هي من أسباب المنعة والقوة فإن ذلك يقودنا إلى إدراك أن اليمن الموحد مصدر قوة لأمته واستقرارها، وأنه بموقعه وشعبه وأمنه وموروثه الحضاري يشكل سنداً لأشقائه.
كما أن اليمن في السابق واللاحق هو أحد أركان الهوية العربية وأحد أعمدة الكيان العربي، ومسؤولية الحفاظ عليه ليست مسؤولية أبنائه وحسب، بل مسؤولية الأمة كلها، بل إن حماية أمنه وصيانة وحدته هي فرض عين على كل عربي ومسلم.
صحيح أن الكثير من القوى الخيرة تقف اليوم موقفاً مشرفاً ومسانداً وداعماً لليمن في مواجهة تحدياته، ومع ذلك فإن ما لا نرضاه ولا ترضاه هذه الأمة أن يبقى هناك واحد أو أكثر يعتز بانتمائه العربي والإسلامي متفرجاً أو صامتاً أو متردداً حيال الهجمة الشرسة التي يتعرض لها هذا البلد.
وسيبقى اليمن في كل الأحوال يحمل كل التقدير والعرفان للدول العربية الشقيقة كبراها وصغراها على مواقفها المشرفة وسيظل الشعب اليمني يقدر لأشقائه أدوارهم واسهاماتهم ومؤازرتهم له في السراء والضراء.
وسيبقى هذا الشعب يذكر الجميل لكل شقيق مد يد العون له وسانده في مواجهة التحديات والمصاعب التنموية فكان نعم الأخ والشقيق المدرك لحقيقة أنه لا خيار لهذه الأمة إلا أن تمضي معاً نحو المستقبل يداً بيد كأشقاء تجمعهم وحدة الهدف والمصير.