ا.د وهيبة فارع -
بيع الوطن َ
تعلمنا أن لا حياد في الوطنية أو في الانتماء للوطن فإما أن يكون الوطن ونكون أو لا يكون الوطن ولا نكون, وتعلمنا في رحلة البحث عن الانعتاق كيف تقف الشعوب في وجه من يسيء إلى أوطانها أو يتعاون مع أعدائها، فتحمل السلاح حتى مع اعتى حكوماتها للذود عن كرامتها للنهوض باوطانها من ركام الهزيمة إلى قمة الانتصار ,, تلك شعوب تحترم و يحسب لها ألف حساب لأنها صاحبة مشروع وقرار وان اختلفت مع حكوماتها في الأداء فانها تتفق معها على مصير أوطانها ، ولسان حالها يقول وطن ان نازعته في الخلد نفوس الكرام فاين المقام.
وأين نحن ممن تعاونوا مع الشيطان للقضاء على النظام الجمهوري وعلى بيع الوطن وحجتهم أنهم مختلفون مع النظام وحجتهم انهم لم تترك لهم حقوق الممارسة في نهش الوطن وفي قتل المشروع اليمني للحياة والبقاء والتنمية؟ الم ينصحهم كل فلاسفة السياسة بان يختلفوا ماشاؤ وان يعارضوا ماشاؤا ولكن تحت مظلة الثوابت والقيم الوطنية ،ولكنهم لم يفهموا حتى الان ان الوحدة والجمهورية هما رئتا هذا الوطن وقلبه التي لا حياة له بدونهما .
ففي اليمن أحزاب ومعارضة وصحافة قل إن توجد في دول حديثة العهد بالديمقراطية وحضارة عرفت التوحيد قبل الوحدة والشورى قبل الديمقراطية بسبعة آلاف سنة، وشعب يعرف متى يقول لا ومتى يقول نعم ومتى يعترف بالآخر ومتى يصبح بنيانا مرصوصا حول اليمن يحوطها من أقصاها أقصاها ,, فمنها اقحاح العرب واجداداهم الذين عمروا ارض الإسلام مددا وسندا,,ومنها الصحابة والفاتحين وفيها المدارس الإسلامية الأربعة ومذهبين كلاهما يكمل الأخر في تآخ وانسجام لا تميز بين أيهما زيدي وأيهما شافعي ,, ومع ذلك ففيها من يفرط بكليهما حتى أفرط ، فلم يبق لديه إلا أوصال الوطن يبيع فيها ويشتري بها سننا وشرائعا مخالفة كأن بيع ا لوطن إحدى مرتكزاتهم متناسين ان اليمن كله قبيلة واحدة طالت المسافة ام قصرت واسرة ممتدة من اقصى شماله الى اقصى جنوبه.
وقد لا نتجنى على احد من هولاء الذين لم تحرك فيهم نخوة رؤية طوابير النازحين وانين الجرحى والثكالى في صعده ، ولم تدمع اعينهم لحظة لصورة اليمن التي كانت تطبب جراح الأمة فصارت جرحا ، ولم يرف لهم جفن وضع البلاد التي كانت تستقبل آلاف المهاجرين والمشردين فصارت تبني خياما للاجئيها ، ولم يعد يهمهم مشروع الديمقراطية فيها التي صارت لهم مجرد عناوين بقالات , ولم يعد يقلقهم تسييس العمل الاجتماعي والانساني , الذي اصبح تجارة وشطارة همه " لم النقطة" ممن يدفع اكثر للانقضاض على اليمن ، حتى فرض القتال على الجيش فرضا للدفاع عن كرامته وشرفه العسكري وشرف البلاد التي ينتمي إليها ولحماية المواطنين الذين تجرعوا مرارة الأوضاع التي فرضت علينا ليصبح مجبرا لا بطلا يتسابق ابطاله نحو الشهادة لاجل اليمن .
ورغم أن اليمن قد انتهج اسلوب المكاشفة والتسامح في سياساته مع أبنائه حتى المناوئين منهم، إلا انه ومع الأسف لم نسمع تائبا عاد عن غيه ، ليحرم على نفسه ذاك البيع او ينفي عن أفعاله ذلك الارتهان للخارج خجلا من الشارع على الأقل، وليس خوفا من النظام "العدو" او من الجيش "اليمني" الذي تعالي وتغاضي عن جراحاته وهو يضرب في مقتل، فلم نر حراكي يدعوا للانتماء للأرض والتراب او من بينهم من ينهر من يعيث بالأرض والإنسان فسادا وإفسادا ليس اقلها نزع اليمن من اليمنيين وتسليمها للشيطان وقطع الطرق وسفك دماء اليمن وأبطاله من قواته المسلحة الذين تغاضوا عن عبثهم حرصا على سفك الدماء، حتى اصبحنا نتساءل هل هولاء فعلا ينتمون لليمن او لهذه البقعة من الارض وهل نحن بحاجة فعلا الى ملالي وايات ومرجعيات اصغر واكبر؟ وهل نحن بحاجة الى براميل للمهربين والمرتزقة.
فقد رأينا من يقيم "الاحتفالات" الموسمية ليتحدث في برلين ولندن وفيينا عن مجتمع "واق الواق" الشقيق" لا للمناقشة او لتبادل الرأي او لدراسة الأوضاع ولكن للاعتراف لمخرجي تلك المسرحيات باستلام عربون أجره عن وظيفة لعان، مخرب، مفرق ، تاجر بالوطن ، وغارق بعد ذلك في الميزات الغبية من حراسات وحصانات وتموينات ومرتبات في الداخل والخارج، يجمع ليوم الغدر العدة والعتاد ويسبق المنظرين من أحزاب نائمة أو شامته أو منقادة بالعشم في تسويق مشروعاته للخارج.
ولسنا مع الأحزاب او ضدها ولكننا لا نجدها وبكل لغات العالم رديفا للديمقراطية وإنما نراها تعد العدة للانقضاض على سلطة أعياها انتظارها ، فجاهرت مرات بضرورة توزيع السلطة والثروة حتى ظن الغلابة ونحن منهم أنها تتحدث عنا ، ولم نكن نعلم إن السيناريو واحدا في صعده وفي سردة وان لا مكان للشرفاء بينهم، وان تلك المظاهرات التي بدأت سلميا وعفويا أصبحت فيما بعد استعراض مليشيات واجهتها دروعا بشرية بريئة وخلفها متاريس من الأسلحة من قنابل وبوازيك تؤذي كل قيم ومعاني الوحدة الوطنية في حراك انتهازي هابط، وان لغة الحوار الذي يريدونه هو حوار الطرشان .
واليوم وقد ظهر المخطط الذي يستهدف البلاد وتجزئتها وتشتيت أبنائها بوضوح يحق لنا أن نتساءل من المستفيد من بيع الوطن في اليمن : هل هم من أفلس حتى النخاع أم من ظلم الناس حتى العظم ام من يريد العودة الى السلطة على أكتاف البسطاء الذين حرمهم في عهده من ابسط حقوق المواطنة ، أم كل متحفز ومنتظر كي يصبح جزء من نسيج ما بعد الخراب، أم أولئك الذين جفت أقلامهم ودبلوماسيتهم في الذود عن حياض الوطن فبقوا مجرد متفرجين متى تقع الفأس في الرأس .
ان اليمن يواجه وبضراوة كل أعداء الحياة ممن يريدون ذبخها وسلخها من غربان وعربان للعودة بها إلى ألف عام من التخلف وتحجيم دورها في المنطقة وتزييف تاريخها، ومن يريدون ان تكون الفتنة بين ابنائها سلاحا لتحييد سياستها الوسطية ، ومن يريدون استغلال موقعها للسيطرة على باب المندب والبحر الأحمر، واغلاق موانئها بعد ان كانت هي بوابة العالم على الشرق والغرب ، وهناك من يبيع ويقبض وهناك من تساهل واستهتر ، وهناك
حرامية لم يتركو للبلاد دماء الا شفطوها وعرق الا اهدروه حتى وهم في كراسي المسؤلية
ان ما يواجه اليمن يستدعي منا جميعا البحث عن اليات لتطبيق النظام العادل باهدافه الستة واليات لتحصين الوطن بالوطنية الصادقة، والبحث عن مشاريع يلتف الناس حولها لتجفيف منابع الفساد والارهاب التي من الضرورة ان تصبح مهمة كل مواطن وليست مهمة رئيس البلاد فقط .
وعلى الحكومة ان تقف بحزم امام مثل هذه التحديات ولتبدا بنفسها للخروج من الازدواجية والعبثية واللامبالاة وللتحمل مسؤليتها بامانة وشرف جنبا الى جنب مع قواتها المسلحة
اما اولئك الضالون المطففون فلهم ان يعلموا انهم قد افلسوا وليبحثوا عن استثمار اخر غير بيع الوطن لانه لنا جميعا رؤسا ومرؤسين ، وان كانوا يريدون ان يستمروا، فلهم ان ينزعوا جلودنا اولا ويغيروا في دمائنا لان ابناء اليمن من اقصاه الى اقصاه سيظلون شوكة في حلوقهم وستظل الوحدة والثورة والجمهورية هي المشروع الذي نلتف حوله ونختلف ونتفق من اجله وان كره الحاقدون.