المؤتمرنت -توفيق الشرعبي - بن دغر: الصراع في صعده بين الجمهوريين والملكيين لكن بثوب جديد أكد الدكتور أحمد عبيد بن دغر- الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام- ان الصراع الدائر في بعض مناطق صعدة هو صراع بين كل فئات الشعب وشرذمة من الإرهابيين والمتمردين الذين يسعون إلى التشكيك في شرعية الثورة والجمهورية ويلبسون تمردهم لباساً مذهبياً وهو الذي لايمكن القبول به اطلاقاً..
وقال الدكتور بن دغر في محاضرة له ألقاها في مركز »منارات« الأسبوع الماضي: ان التمرد في صعدة يستهدف كل منجزات الثورة اليمنية، وان على كل الأحزاب والمنظمات المدنية والمثقفين وكل الوطنيين ان يتحملوا مسؤولياتهم في الوقت الراهن وألا يقفوا في المنطقة الرمادية..
مشيراً إلى أن قوى إقليمية تغذي التمرد وساهمت في إبطاء عملية الحسم بهدف تحقيق أجندتها الخاصة..
مشدداً على أهمية الاصطفاف الوطني الواسع للقضاء على التآمر الذي يواجه الوطن..
مذكراً أعداء شعبنا بأنهم لن يستطيعوا النيل من التحالف الوطني الكبير الذي صان منجزات الثورة اليمنية..
مؤكداً ان التمرد على الدولة سينتهي بالفشل مهما طالت المواجهات..
ونظراً لأهمية المداخلة التي قدمها الدكتور أحمد عبيد بن دغر الأمين العام المساعد في مركز »منارات« ننشرها تعميماً للفائدة..
بداية أود أن أشير الى أن بعض الزملاء قد سألوني إذا كان هناك رؤية للمؤتمر حول الاصطفاف الوطني موضوع الندوة يريد أن يطرحها وهنا أؤكد ان المؤتمر الشعبي العام لديه دائماً رؤى جديدة لكل ما هو مستجد في الساحة الوطنية فهو يعتمد أساساً على ميثاقه الوطني ولكن مع كل حدث وكل تطور حتماً المؤتمر لديه رؤى واستراتيجيات وتكتيكات ولكن الحديث هنا لن يتم عن هذه الرؤى نحن سنلتزم بالموضوع المطلوب وهو »البحث عن اصطفاف وطني لحماية الثورة والجمهورية والوحدة«.. فهذه المسألة في غاية الأهمية في الظرف الراهن.. حيث تتعرض الثورة والجمهورية والوحدة لأخطار حقيقية.. أقول أخطاراً حقيقية حتى نكون جميعاً وبالذات النخب السياسية في الصورة لما يجري، وخطورة الامر أنه يعود بنا الى المجهول ، فالثورة والجمهورية اليوم في نظر المتمردين الشواذ هي حالة استثنائية وليست حالة دائمة.. ونحن نعتقد كجيل يواصل طريق الأحرار أن الثورة والجمهورية هي حالة دائمة في اليمن وهي منعطف لم يكن بإمكان أحد أن يعيده الى الخلف.. هذه قضية استراتيجية، والاختلاف والصراع الدائر بين كل فئات الشعب وبين الذين يطرحون مثل هذه الأفكار فالذين يريدون التشكيك في شرعية الثورة والجمهورية هم أنفسهم الذين وقفوا ضد ثورة 26سبتمبر وظلوا يناصبوها العداء طوال الحرب الأهلية التي استمرت 8 سنوات حتى عام 1970م تحت دعوى حقهم في الحكم وهم يعودون من جديد وفي ثوب ورؤية جديدة ويمكن أن يكون بلباس ديني جديد، لكن ونحن نتحدث عن هؤلاء يجب أن نقول مبكراً إن الحديث عن تمرد يلبس لباساً دينياً أو مذهبياً ليس له علاقة بالحديث عن صراع طائفي في اليمن أو صراع عرقي.. هذه المسألة النخب السياسية تدركها لأن الذين يريدون أن يجرونا الى هذا الصراع.. يريدون أن يقولوا ان الصراع »زيدي وسني«.. هذا ليس موجوداً اطلاقاً ، ولا أظن ان المجتمع والدولة اليمنية سوف يسمحون أن يذهب هذا الصراع الى هذه النقطة والى هذا التماس الخطير .. إذا ذهبت اليمن الى القبول بفكرة أن هناك صراعاً طائفياً فإن الأمور سوف تكون أخطر مما نتصور..
فشل حتمي
وقال الدكتور بن دغر ان الوضع الآن في صعدة وفي بعض المناطق بالمحافظات الجنوبية والشرقية ليستوجب منا الوقوف والمناقشة والصدق والصراحة في التعاطي معه .. يجب أن نبحث في الأسباب التي أدت الى نشوء ما يمكن أن نسميه حالة التمرد في صعدة .. أو خروج الحوثي على الجمهورية اليمنية.. هذا الحديث الصريح هو الذي سيعطينا فرصة لرؤية الوضع كما هو لا كما نريدأن نتصوره كسياسيين.. فالوضع في بعض المناطق الجنوبية والشرقية هو الآخر يحتاج منا الى رؤية مماثلة، لكن يجب أن ننطلق من منطلقات ورؤى مناضلي الثورة اليمنية »و26سبتمبر و14 اكتوبر والوحدة« بمعنى أن هذه المفاهيم والمنطلقات هي مرجعيتنا في الحديث عن الوضع في صعدة.. أو في المحافظات الجنوبية والشرقية..
التمرد في صعدة في أي حال هو تمرد على الدولة اليمنية وأنا أذكر الذين يهتمون بقضايا السياسة والتاريخ ان كل التمردات على الدول مهما كانت طبيعتها عادة تصل الى طريق مسدود ربما لم يفكر الحوثيون أن تمردهم العسكري سوف يؤول عليهم بمصير بائس، وأنا أتوقع ذلك ومهما طال أمد الصراع لشهر أو شهرين.. عسكرياً كل التمردات عادة تفشل.. لأن المجتمعات تتمسك بثوابتها وقيمها .. وتبحث باستمرار في أسس وأساليب استقرارها الطويل.. وأضاف: ان حالة التمرد هي حالة مؤقتة في اليمن ولكن مع ذلك لابد أن نلقي عليها نظرة.
منذ عام 2004م، وأتصور انه قبل هذا العام كان لدى النخب السياسية امكانية البحث فيما يجري في صعدة وأظن أن البوادر بدأت قبل هذا التاريخ حسب معلوماتي الشخصية ولكن تركت الأمور تمشي على سجيتها ويبدو أن هناك حالات من الصراع الخفي كانت تجري أحياناً في بعض المناطق الصغيرة حول هذا المسجد أو ذاك، حول هذه المنطقة أو تلك.. الصراع كان خفياً وبسيطاً وكان يمكن للنخب السياسية أن تسيطر عليه وأن تشجع الدولة على اتخاذ موقف قبل 2004م.. طبعاً كان للناس في تلك الفترة الحق في ان يتخذوا مواقفهم بحيادية مؤيدة أو رافضة لهذا الموضوع.. لكن بعد 2004م وبعد أن حمل الحوثيون السلاح فالأمور تغيرت واصبحت أكثر وضوحاً والحقيقة أن الحوثيين يبحثون عن مجد غامض.. يسعون الى أوضاع كنا قد تجاوزناها في ثورة الـ 26من سبتمبر.. هم يريدون إعادتنا الى »الحق الإلهي - الادعاءالكاذب«.. ونحن شعب حر يريد الاستمرار في حريته.. يريد أن يبني مستقبله.. يريد أن يرى نفسه شعباً أبياً بين الشعوب التي تساهم في بناء الحضارة المعاصرة.. يقبل منهم لو أن الامور انتهت 2004م.. لكن ما دامت الامور مستمرة الى اليوم فلم يعد أمامنا الا أن نقول الحقيقة فما يجري في صعدة هو محاولة العودة الى الماضي .. معناها محاولة نسف شرعية الجمهورية اليمنية، ولا يجوز في هذه الحالة أن يتخذ المثقفون اليمنيون والوطنيون المخلصون موقفاً وسطاً.. الوقوف في المنطقة الرمادية من هذا الموضوع لايجب ان يكون .. فإما أن نكون ثوريين وجمهوريين ووحدويين أو لا نكون.. الآن الأمور لم يعد فيها ألوان مختلفة بحيث أن الإنسان يتوه في الرؤية .. الامور اصبحت واضحة تماماً وهناك صراع حقيقي على الارض يستهدف كل المنجزات منذ ثورة 26سبتمبر حتى الآن.. وهذا الصراع الآن تداخلت فيه عوامل محلية.. عوامل إقليمية.. والتداخل بين العوامل الإقليمية والمحلية ربما أبطأ من عملية الحسم بشكل أو بآخر فلو لم يكن هناك من غذّى هذا التمرد محلياً ومن يغذيه اقليمياً لكان قد انتهى من وقت مبكر ولكانت اليمن قد خرجت من هذه الأزمة لكن الواضح أن هناك من أراد استمرار هذا الصراع على المستوى المحلي ربما لأسباب أو لمصالح ذاتية ضيقة حزبية أو سياسية أو شخصية.
استهداف الوحدة الوطنية
أما على المستوى الاقليمي فأوضح الأمين العام المساعد أن هناك تقاطعاً للمصالح في اليمن.. تقاطعاً اقليمياً وتقاطعاً دولياً.. هذا استوجب الحضور الخارجي واستغل الوضع في صعدة فراحوا يغذون هذا التمرد ويحاولون أن يفرضوا أجندتهم على اليمن ولكنني أؤكد لكم أنهم لا يستطيعون اطلاقاً تحقيق مآربهم.. نعم هم سيسببون لنا في اليمن حرجاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ودولياً وسيسببون لنا بعض التصدعات الاجتماعية وسيحاولون اخراج بعض الفئات الاجتماعية من هذا التحالف الوطني الكبير الذي يصون الدولة اليمنية منذ ثورة 26سبتمبر ووصولاً الى 22مايو.. هم يحاولون ان يخرقوا هذا التحالف الوطني الواسع العريض ببعض الشقوق لكنهم لن يتمكنوا من تحقيق اهوائهم.. الصراع سوف ينتهي، فأي تمرد طالما يصطدم برؤية وموقف مجتمعي ووطني حتماً سوف ينتهي بالفشل.
أئمة بثوب جديد
وقال الدكتور أحمد عبيد بن دغر: نحن في المؤتمر الشعبي ندرك تماماً أن الصراع في صعدة هو صراع بين الجمهوريين والملكيين لكن بثوب جديد.. آخرون لا يرون هذا ولهم الحق في ذلك.. وكما قلت الآن الأمور أكثر وضوحاً عنه قبل 2004م كان يوجد بعض الغموض أما بعد هذا التاريخ فالأمور أكثر وضوحاً لكن نقول ليكن ذلك ربما تفرض عليهم حساباتهم السياسية مثل هذا الموقف .. لكن الحقيقة التي يدركها المواطن ويدركها الشعب اليمني بكل قواه الوطنية وأنا لا أستثني أحداً من هذا التوصيف وهو أن هذا الصراع يجري على قاعدة الجمهوريين والملكيين وهذه مسألة عند البعض تبدو غير ذلك.. فيقولون كيف تتكلمون عن صراع جمهوري ملكي بعد ما يقارب 50 عاماً، وهم ينسون أن الافكار يمكن أن تظهر بعد فترة وبلباس جديد وبمضمون جديد إذا وجدت ظروف ملائمة ورغبة للعودة الى حكم اليمن، لكن هناك عناصر وجدت - كما قلت - ظروفاً ملائمة - محلية وتقاطعات دولية أوصلتهم الى القدرة على إعلان التمرد والدعوة مرة ثانية لعودة الإمامة حتى ولو لم يكن بصورة صريحة لأنهم عندما يسألون عن أهدافهم لا يجيبون وإنما يردون بأنهم يقاتلون الدولة الظالمة وهو تبرير غير صحيح لأن كتيباتهم وإرشاداتهم ومحاضراتهم ولقاءاتهم وتصريحاتهم غير المباشرة تشير الى أنهم يحاولون استعادة إمامة وملكية زائلة ..
المجتمع معني بحسم التمرد
القوى الوطنية في الساحة في الحكم والمعارضة معنية وأكد الأمين العام المساعد في مداخلته انه بخوض هذا الصراع والانتصار على قوى الردة وقوى التمرد.. وكل أطراف وأطياف العمل السياسي.. المجتمع كله معني بحسم التمرد والتحشد من أجل حسمه وبأسرع وقت ممكن لأن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية تكاد تطال كل بيت وهناك حالة من الخلل لابد لنا أن نتغلب عليها فرضت علينا.. أو ربما سعى الآخرون لفرضها علينا.. نعم وجدوا عندنا بعض الخلل ولكن في كل الأحوال ليس هناك بد من الحديث بوضوح بأن هذا وقت مناسب للقول بأننا جميعاً محتاجون الى حشد واسع واصطفاف كبير يواجه هذا التآمر ويقضي عليه في الوقت المناسب.
جغرافية الحراك
وحول الأوضاع في بعض مناطق المحافظات الجنوبية والشرقية تحدث الدكتور أحمد عبيد بن دغر الأمين العام المساعد قائلاً: دعوني انتقل الى الحالة الأخرى في المحافظات الجنوبية والشرقية لأنها حالة مشابهة لحالة صعدة في بعض الجوانب ومختلفة في البعض الآخر.. حقيقة ليس هناك إرث إمامي.. لكن هناك إرثاً استعمارياً وسلاطينياً.. ليس بعمق الإرث الإمامي في صعدة .. لا يحمل رؤية ولا مذهباً.. دائماً الناس يهتمون بقضيتين رئيسيتين ويمكنهم القتال حولها إذا استطاعت القيادة أن تقنعهم كما استطاعوا ان يقنعوا الشباب في صعدة مثلاً :الدين والوطن إذا تعارضا الناس يحتشدون للقتال من اجل الدفاع عنهما، لكن ما هو موجود في صعدة هو ادعاء، فنحن دولة مسلمة مؤمنة متسامحة، دولة لا تقيم إطلاقاً وزناً في كيانها السياسي يحمل أي تمييز مذهبي أو طائفي إطلاقاً.. لكن يحاولون دائماً إقناع المراهقين بأن هناك خطراً على الدين وأن أمريكا واسرائيل موجودتان وأن قتالهما واجب وحق..
وفي المحافظات الجنوبية والشرقية ليس مثل هذا الادعاء موجود ولا يستطيع أحد الادعاء به، لكنهم يدعون بأن هناك ظلماً وبعضهم تجاوز هذه المسألة وقال إن هناك احتلالاً داخلياً.. لنقف أمام الاتجاهين: الاتجاه الذي يرى أن هناك احتلالاً هو الاتجاه الذي يعلن بأن الوقت قد حان لفك الارتباط.. هذا الاتجاه هو الأخطر في مسار ما يسمى بالحراك الجنوبي، لكن الاتجاه الذي يرى بأن هناك مشاكل ومتاعب، وأن هناك مظالم ويؤمن بالجمهورية وبالوحدة.. هذا الاتجاه نستطيع بشكل أو بآخر أن نجد طريقاً للحوار معه وليس هناك ما يخيفنا في المؤتمر الشعبي العام تجاه هذا الموضوع اطلاقاً، نحن ضد أي شكل من أشكال الظلم أو الفساد.. أو أية صورة ستلحق الأذى بأهلنا في المحافظات الجنوبية والشرقية، لكن لكي نفهم طبيعة الحالة في هذه المحافظات علينا أن نركز على حالات الحراك وأين توجد بالضبط..
سوف تلاحظون هذا اكثر بروزاً في الضالع وفي ردفان وبعض مناطق أبين.. لماذا؟ هذا السؤال لابد من الإجابة عليه لأن هذه المناطق كانت مصدر الجيش والأمن في الفترة الماضية والجيش والأمن هو جيش الجمهورية اليمنية اليوم لأننا كبرنا والأمور التي كانت تنقسم على اثنين أصبحت تنقسم على اثنين وعشرين أو ثلاثة وعشرين وعندما يتم على سبيل المثال عملية التحاق بالجيش تأخذ كل محافظة نصيبها وهكذا بالنسبة للوظيفة العامة، لكن هذه المناطق لم تعرف اقتصاداً غير اقتصاد الوظيفة العسكرية.. هذه مسألة لابد علينا أن ندركها جيداً، لأنها أدت الى مزيد من البطالة في هذه المناطق وبالتالي الى ما يسمى بالحراك لأن الذين يتحركون اليوم هم من الشباب، يعني تربوا في عهد الجمهورية والوحدة ويفترض أن يكونوا اكثر حماساً للجمهورية والوحدة، لكن ما يحدث هو العكس اليوم.. الشباب الذين يخرجون في مدينتي الضالع، الحبيلين..
قضية الأراضي
موضحاً ان مدينتي الضالع والحبيلين لم تصيرا مدينتين حقيقيتين الا في فترة الوحدة وأنا أعرفهما تماماً وزرتهما أكثر من مرة قبل الوحدة وكانتا مدينتين بائستين، أما الحبيلين بالتحديد فلم تكن حتى بلدة كانت قرية فيها مقهاية ودكانين لتقديم الخدمة للمارين الى منطقة الضالع يعني أن هاتين المدينتين - الآن- لم تنتعشا الا في ظل الوحدة..
أقول لاخواننا هناك: إن أي اهتزاز للوحدة أول ما سيصيب، سيصيب هاتين المدينتين وسيتضرر آلاف الناس في هذه المناطق ..صحيح ان الذين حرموا من الوظيفة العسكرية أو الوظائف المدنية يتظاهرون لأنه لم تعطَ لهم فرصة للحصول على لقمة عيش لكن هذه المدن سوف تنهار كلية - لا سمح الله - إذا تعرضت الوحدة لأي ضرر، وهذا يعني أن الضالع وردفان سوف تتعرضان الى دمار اقتصادي لا يدركون تداعياته .. أما باقي المناطق فلديها بعض الملاحظات التي قد تكون في أية محافظات أخرى، وللعلم أن قضية الأراضي في المحافظات الجنوبية والشرقية ليست من صنع دولة الوحدة بل هي من أيام الاستعمار.. وكانت أكثر القضايا تعقيداً وخصصت لها محاكم خاصة وكان ينتظر المتخاصمون بهذه القضايا سنوات طويلة حتى يبت في أمرهم.. انتقلت هذه القضايا الى دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية واضيف لها تعقيد »التأميم« وفيما بعد جاءت دولة الوحدة وليس لدى الناس استعداد لمعالجة هذه المشكلة قانونياً وسياسياً فتراكمت هذه الأمور ، ونحن الآن نعالج هذه المشكلة من هذا المنطلق.. أي من منطلق إرث تاريخي مضى عليه مئات السنين ربما ساهمت كل المراحل في تكوينه، لكن ما يسمى بالحراك كما يحاولون التركيز على هذه القضية.. يحاولون التركيزعلى البطالة وقضية الأمن، وكما قلت فالحوار مع الذين يؤمنو ن بالوحدة والجمهورية مفتوح وليس هناك ما يغلق دونه الأبواب لكن صعب جداً أن نتحاور مع عناصر سواءً أكانت في الداخل أو في الخارج تطرح موضوع الانفصال او مصطلح »فك الارتباط«.
الباحثون عن هوية
انهم يبنون هذا على وجود جنوب.. بعضهم يقول »جنوب عربي« وبعضهم يقول »جنوب هوية جديدة« أي يحاولون في الحقيقة تأسيس هوية جديدة في المحافظات الجنوبية والشرقية غير يمنية.. لكن التاريخ لا يقول هكذا..
اقول: لن تأخذ المناطق الجنوبية ولا الشرقية هويات سوى هويات محلية صغيرة، فالبريطانيون حاولوا تشجيع مثل هذه الهوية في عدن وغيرها.. ويمكن أن يأتي واحد من تهامة لديه هوية صغيرة لكن الهوية الأكبر التي أعطتنا هذه المكانة تاريخياً اليوم وغداً هي الهوية اليمنية، والتي فعندما احتلت بريطانيا المنطقة سنة 1839م حاولوا ان يبقوها في شكل منعزل من أجل السيطرة عليها وفيما بعد طرحت هوية »الجنوب العربي« على أساس أنها وحدة جغرافية وتاريخية وسياسية وثقافية فهل كان كذلك؟ لنرَ الأمر.. هم يعتمدون على حوادث صغيرة ووقائع لم يمضِ عليها سوى سنوات.. مثلاً يشيرون الى اتحاد الجنوب العربي ونحن نسألهم إن كان هذا الاتحاد قد شمل الجنوب كله أو أنه شمل المحميات الغربية زائداً حتى جزء من سلطنات المحميات الغربية لم تدخل في ذلك الاتفاق، لم يكن مصطلح »الجنوب العربي« أساساً لأية هوية في الجنوب، وعندما ظهرت حركات التحرر في بداية الخمسينيات كان هذان المصطلحان موجودين »الجنوب العربي - الجنوب اليمني« لكن الجنوب اليمني لم يبرز بشكل واضح الا بعد أن حاول أصحاب الجنوب العربي استنهاض ثقافة وتاريخ لم يكونا موجودين، لذلك ظهرت وبوضوح أكثر في كل مسميات الحركة الوطنية »الجنوب اليمني المحتل« وعلى وجه التحديد ما يتعلق بالجبهة القومية وجبهة التحرير وحتى الجبهة الوطنية المتحدة اليمنية - المؤتمر العمالي اليمني.. أخذت الحركة الوطنية صبغة يمنية واضحة حسمت الهوية في الجنوب لم يكن هناك هوية محددة في الجنوب غير الهوية اليمنية..
هويات تمزيقية للجنوب
أريد أن أقول للتاريخ: إن الإمام يحىى والإمام أحمد لم يتخليا كلية عن اليمن ربما كانوا يتفاوضون حول مناطق أو حدود معينة لكنهم لم يتخليا عن فكرة الجنوب كجزء من اليمن.. ولهذا أي ادعاء بهوية أخرى هو ادعاء باطل ولا يترتب عليه أي شيء ولن يستطيع أي أحد أن يكون هوية ليست موجودة الا إذا كان الهدف هو العودة الى هويات صغيرة.. والعودة إليها سيمزق الجنوب الى مناطق وقبائل وسلطنات ومشيخات كما كانت عليه في السابق.
الوحدة توحد اليمن كله وتلغي كل أشكال الهويات الصغيرة وإذا انتهت الوحدة المركزية ظهرت المشيخات والسلطنات في كل مكان.. والخوف اليوم ليس فقط عودة الجنوب الى ما كان عليه ولكن الشمال لا يستطيع أن يعود الى دولة مركزية - لا سمح الله - إذا انتصرت بعض الدعوات التي لا تؤمن بشرعية الجمهورية لأنني أقول: إن شرعية الجمهورية تأسست عليها شرعية الوحدة فلم تحصل شرعية الوحدة في اليمن الا في ظل شرعية الجمهورية.. إذاً دعوني اقول: إن الصراع سوف يستمر بين رؤيتين ولا يقلقنا إذا ظهر أئمة جدد بل يعيب علينا إذا لم نستطع أن نواجه هذه الدعوات وأن نلحق بها الهزيمة في الوقت المحدد.. أما في المحافظات الجنوبية والشرقية فأبناؤها سوف يفشلون هذه المؤامرات وليس هناك خوف كبير مما يجري في تلك المحافظات الا إذا لم نكن في مستوى المعالجة لأن فيها جانباً تنموياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً سواءً في صعدة أو في المحافظات الجنوبية والشرقية والعمل على معالجة هذه الأوضاع التي نشأت في هذه المناطق تساعد على لملمة الصفوف وإعادة اللحمة للمجتمع اليمني..
الفترة التي سبقت 2004م في صعدة و 94م في المحافظات الجنوبية هي كلها محطات في تاريخنا ولكننا نستطيع أن نتجاوزها - ففي 94م في المحافظات الجنوبية خجل حتى الذين أعلنوا الانفصال أن يقولوا جمهورية الجنوب الديمقراطية بل قالوا الجمهورية اليمنية الديمقراطية.. فعندما تهاجم شرعية الجمهورية في صعدة وشرعية الوحدة في بعض مناطق المحافظات الجنوبية والشرقية يتطلب الأمر اصطفافاً وطنياً واسعاً على مستوى الوطن كله شماله وجنوبه شرقه وغربه.. وهي مهمة المجتمع كما هي مهمة الدولة ولكنها مهمة النخب السياسية في الدرجة الأساسية..
|