نصر طه مصطفى -
الدين.. الصحابة.. السياسة«1»
دارت أحاديث وحوارات وكتابات كثيرة في السنوات الأخيرة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلاقتهم بالسياسة وقضايا الخلافة خاصة منذ اندلاع الفتنة الحوثية قبل أكثر من خمس سنوات، ومضت هذه الأحاديث والحوارات والكتابات في مختلف الاتجاهات ما بين من يريد التعامل مع الصحابة رضوان الله عليهم جميعا وكأنهم ملائكة لا يخطئون ومن يريد التعامل معهم وكأنهم – والعياذ بالله – مجموعة من المتآمرين والانقلابيين... ولن أقول شيئا جديدا إن ذكرت بأن الصحابة الكرام الأجلاء هم بشر يصيبون ويخطئون لكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن يجيز البعض لأنفسهم استباحة أعراض الصحابة وتخوينهم والتشكيك في إيمانهم، فقد زكاهم الله تعالى في قرآنه تزكية تقشعر لها جلود كل من لديهم ذرة من إيمان، فمن يكون هؤلاء الذين يسيئون للصحابة ويطعنون في إيمانهم ويصادمون نصا قرآنيا صريحا وقاطعا في تزكيتهم وبيان أفضالهم وعمق إيمانهم وعظمة صفاتهم وأخلاقهم؟!
ولا شيء يثير الاستغراب والاندهاش مثل أن تقرأ لعلامة مجتهد كبير فتجد نفسك معجبا ومشدودا لآرائه واجتهاداته في مختلف القضايا لكنه ما أن يصل إلى مسألة (الشورى) التي ثبتها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم كنهج سياسي للأمة وأكدتها كل ممارسات النبي صلى الله عليه وسلم في حياته كترسيخ لهذا النهج، ما أن يصل هذا العلامة إلى مسألة الشورى حتى تجد أن عقله الجبار قد انغلق وصغر إلى أن يصبح مجرد عقل معطل وهو ينكر الشورى وينافح عن مسألة حصر الولاية من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إما في قريش أو في البطنين أو في اثنا عشر إماما أو سبعة أئمة أو ما شئت من الأعداد، بل إن بعض هؤلاء العلماء الأجلاء الأفاضل يقولون صراحة – والعياذ بالله – أن الله تعالى لا يمكن أن يترك الأمر شورى بين المسلمين بعد رسوله لأن الأمة في نظرهم يجب أن تظل تحت الوصاية إلى يوم الدين!
من حق هؤلاء العلماء الأجلاء ومنهم معاصرون أن نحترمهم ونحترم آراءهم فتلك اجتهاداتهم مهما اختلفنا معها، لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح الذي يتسق مع فطرة البشر ومصالحهم... وهانحن نرى الغرب كيف استقر عندما أخذ بالديمقراطية منهجا وسلوكا بعد عقود وقرون من الصراعات والنزاعات والاقتتال، وهذه الديمقراطية التي نجدها عندهم هي الممارسة العصرية لنهج (الشورى) الذي أراده الله لنا، ذلك أننا لو بحثنا عن آلية معاصرة لتطبيق مبدأ الشورى فسنجد أن الديمقراطية الانتخابية التعددية المشبعة بالقيم والأخلاق الكريمة هي ما ينبغي علينا الأخذ به، وإذا كانت كثير من الدول العربية والإسلامية قد خطت الخطوات الأولى في الأخذ بالآلية الديمقراطية فإن من الحق أن نقول أن البعد الأخلاقي والقيمي لايزال ينقص هذه التجارب حتى يمكننا القول أنها تجارب إسلامية فعلا.
لقد اختلف الصحابة بالفعل كما يختلف كل البشر عقب وفاة النبي لكنه لم يكن ذلك الخلاف الذي يفتقد للقيم والأخلاق... كانت اجتهادات سرعان ما حسمت بآلية الشورى وانتهى الأمر باختيار أبي بكر الصديق كقائد للأمة، وما هي إلا أسابيع طابت خلالها النفوس ككل البشر وعاد الناس جميعا ليصطفوا وراء الخليفة العظيم وهو يخوض أول تجربة للحكم في غياب الوحي حيث لم يبق مع الصحابة إلا استحضار كل ما يمتلكوه من القيم العظيمة والأخلاق المحمدية الكريمة ليديروا شئون حياتهم ويوحدوا صفوفهم ويحسنوا اجتهاداتهم ويخوضوا أروع معارك الدفاع عن الدين والدولة الناشئة وهم يديرون خلافاتهم بأكرم الأخلاق وأنبلها.