د-وهيبة فارع -
سلاح إيراني ودماء يمنية
أصبح التكامل والاندماج أو التعاون بين دول شبه الجزيرة العربية ضرورة حتمية إن لم يستثنى أحداً منها في الحدود الجغرافية لشبه الجزيرة العربية التي يحدها مضيقان طبيعيان من أهم المضايق في العالم يوفران لها- في حال الهيمنة الوطنية الكاملة - استقرارا وحماية لتوجهاتها المستقبلية , وظرفا مواتيا للعديد من العلاقات السياسية المستقبلية الهادئة المتكافئة مع الشرق والغرب بحكم موقع أقطارها وثرواتها وأهميتها, فهي مهبط الديانات وارض الأنبياء ومصدر الثروات من نفط وغاز وخلافه التي تجعلها باستمرار مطمعا للدول الكبرى،
ويخطئ من يظن أن إلحاح اليمن للانضمام إلى دول المجلس لأن اليمن ترغب فقط بتحسين أوضاعها الاقتصادية, كما يخطئ من يظن أن سعيها للانضمام إليه نابع من حاجة أو معاناة أحادية الجانب وحدها, فقد أثبتت الظروف الأخيرة أهمية استكمال ضم اليمن لمجلس التعاون الذي كان ولا يزال هدفا استراتيجيا متكاملا لدول المنطقة بما فيها اليمن , من خلال رؤية تحليلية لمجمل أوضاعها البشرية والجغرافية وما تواجهه حاليا من هجمة شرسة تستهدف أمنها وخلخلة استقرارها.
فقد آن الأوان للجهر بالقول بأن دول المجلس لم تكن في يوم ما بعيدة عن اليمن واستقرارها, وهي التي تكاملت معها منذ الأزل اقتصادياً وسياسيا قبل قيام المجلس دون استئذان بعفوية وتلقائية , مستفيدة من موقعها الجغرافي الذي يشكل بوابة طبيعية لحماية جنوب الجزيرة وغربها وهو اللغز الذي فكت طلاسمه أسرار حرب أكتوبر 73 عندما أحكمت اليمن سيطرتها على بوابة البحر الأحمر لفرض حماية قوية على الدول العربية المحيطة, وحماية مصر من الجنوب وتأمين تجهيزها للعبور الكبير, وهو الأمر الذي تأخر البعض عن فهمه حتى الآن.
لقد توصل الجميع خلال السنوات الأخيرة إلى حقيقة مفادها أن المال وحده لا يصنع الدول ولا أدوارها التاريخية وأن بعض الفقر قد يخلق بالإضافة إلى عدم الاستقرار إرهاباً عالمياً وإرهاباً محليا للدول التي تجاهلته أو جاملت فيه التيارات السياسية المتشددة ,كي تثبت أنها دولاً محافظة ومستقرة بينما في داخلها غليان من المصالح التي تحرص القوى الخارجية على إذكائها طائفيا ومذهبيا كي تزداد ضبابية التفسير والفهم أمامها.
ومن الواضح الآن أن الألغاز التي أمطرنا بها في المنطقة بصورة متلاحقة من سيناريوهات وأجندات نفذت منذ السبعينيات, على شكل برامج تخريب فكري واسع وتسويق مجنون للمرتزقة وزرع حثيث للعملاء وتأسيس متعاظم لأحزاب ظلامية واحتلال مباشر لبعض دول المنطقة بذرائع الدفاع عن حقوق إنسانية’ لم تكن سوى مقدمات لكوارث مدبرة لدول المنطقة لتحييدها داخلياً وخارجياً وللهيمنة على ثرواتها وعلى أسباب معيشتها بوضعها تحت أجواء من الحروب والفتن الداخلية والإنفاق المستمر عليها لا لتهدئة الأوضاع فيها وإنما لإشعالها.
فحتى الآن لم يفصح أحدا عن أسباب ضرب العراق ! رغم علمنا جميعا تلك الأسباب, ولم يعلن احد عن الدور الاستراتيجي التي تمارسه قوى الهيمنة الاستعمارية على المنطقة وتجييشها الحملات إلى أكثر من دولة, ولم يجرؤ احد منا على محاسبتها عن أسباب إهمالها وتجاوزها للدور الايجابي المتوازن لدول المنطقة ومنظماتها الإقليمية , أو يسال عن أسباب تشويهها لصورة الثقافة العربية في إطارها الإنساني وقصرها على جانبها السلبي من عنف ودم, أو يتساءل عن أسباب تهييجها للمتعصبين والمغالين في مجتمعاتنا ودعمهم بالمال والسلاح ثم لعب دور الوسيط والوصي علينا .
فرغم حيادية المضايق العربية المتحكمة في التجارة العالمية لم نفهم ما دور القراصنة الذين ظهروا فجأة في خليج عدن وبالذات في البحر العربي وعلى مداخل البحر الأحمر ولا من أين جأوا ومن يخدمون ؟ ولم نفهم لماذا تحاكم إيران صوريا عن سلاح فتاك ويغض الطرف عن تصرفاتها الوحشية في قمع أبنائها ومحاربة شعوب المنطقة المجاورة لها, ولم نعرف ما هي الاتفاقيات المبرمة معها التي تطلق يدها على هذا النحو والتي تجعلها تتحرك بهذه الحرية المشبوهة برا وبحرا وجوا بيننا.
ولعل حل بعض الألغاز التي بدأت بالتتابع بفعل الزمن وليس بفعل سياسة الدفاع عن النفس التي كانت متوقعة من دول المنطقة كرد فعل طبيعي لها في أجواء يسودها عدم الاستقرار, يفسر لنا هذا التناقض المجنون حيث لازالت القواعد الأجنبية وسيلة الحماية الأولى للمنطقة مع العلم بأنها قد مارست أسوءا الحروب ضد شعب شقيق وعضو في المجلس الذي لم يكن له ذنب إلا وقوفه أمام تطلعاتها الاستعمارية, وإنها بالتالي يمكن أن تمارس ضغوطاتها على المنطقة برمتها في حال تضارب المصالح يوما ما أو المساس بها أو بمنفذيها
فإيران الجارة من الشرق هي أكثر الدول تطلعاً لتحجيم المنطقة والقضاء على آية نهضة حقيقية تتعارض مع رغبتها في نشر مذهبها وبالتالي هيمنتها على باب المندب ومضيق هرمز والتحالف من اجل ذلك مع الشيطان , فلم يزل الطموح الفارسي قوياً في القضاء على أي توجه عربي يفوق نفوذها وهو بالتأكيد ما تسعى إليه القوى الكبرى المهيمنة على العالم العربي التي توكل إليها مهام عسكرية قذرة للحرب بالإنابة , مع المفارقة إن إظهار العداء معها لا يتعارض مع منحها الصلاحيات وان جرجرتها إلى المحاكم الدولية ومهزلة تصنيع السلاح النووي لم يمنعها من امتلاكه مقابل خدماتها الجليلة لهذه القوى في المنطقة سواء رضي العرب أم لم يرضوا ,فحتى العقوبات لو طبقت عليها فلن تكون قبل اقل من عامين كافيين لها بما تريد.
ودول شبه الجزيرة محاطة أيضا ببعض الدول الأفريقية التي بهمها الاستفادة من تأجير أجزاء من سواحلها المطلة على البحر الأحمر للدول الكبرى كقواعد ومخازن أسلحة للدول التي تمدها بالمال دون أي شعور منها بأهمية المصالح الطبيعية التاريخية المشتركة لحوض البحر الأحمر, وقد كانت اليمن بجزرها وإطلالتها على باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر تشكل حماية حقيقية لدول المنطقة من باب المندب وحتى خليج السويس من هوس التطلعات الإسرائيلية بالذات التي كانت وراء محاولة احتلال جزر حنيش
كما إن لغز القفز الإيراني من قم إلى صعده لا يخضع إلا لتفسير واحد هو أن تطلع الدول الكبرى في الفترة الأخيرة إلى هذا الموقع بأهميته الجيوسياسية , وتطلع إيران إلى تصدير مفهوم الحق الإلهي إلى دول المنطقة وأولها اليمن وحمايته بالسلاح والرجال يتوافق مع إهمال دول المنطقة لأهمية اليمن ,والذي قد يكون بمثابة الصدمة التي توقظ دول شبه الجزيرة لاكتشاف حجم الخطأ الذي وقعت فيه, فمن الناحية البشرية فإن نمو هذه الدول اقتصاديا باعتماد العنصر الأسيوي والأفريقي قد شكل لديها اهتزازا في التوازن الاجتماعي والثقافي التي كان من الممكن إن يملئه اليمن, وإهمال دول المجلس لليمن جغرافياً واقتصاديا قد جعلها مطمعاً للكثير من الدول الاستعمارية التي أصبحت تمارس عليها القرصنة الدولية في الخلجان والجزر والشطئان للتأثير على دورها في حماية التجارة العالمية وعلى دول المنطقة من خلاله
وقد هيأت هذه الممارسات لعناصر التخريب في كل دول المنطقة مناخاً ملائماً لامتداد سياسي خارجي بخطاب ديني متطرف حاقد على اليمن وعلى كل دول الجوار مستعدا لرهنها جميعا من أجل عيون إيران التي تدفع وتطبق ميدانيا ما تريد بمزيد من الضغط والتصعيد لخلق أجواء لتهيئة قبول قواعد عسكرية لها في البحر الأحمر تمارس بها مهام القرصنة والتهديد المباشر للتجارة العالمية, فان لم يكن من جزر حنيش التي انتزعت من يد اريتريا فمن سواحل اريتريا ذاتها آو فليكن من ميدي الصغيرة المهملة وربما من المخاء أو الخوخة أو ذباب أو شقرة , وجميعها كان بإمكان الرأسمال الخليجي تحويلها إلى مناطق ذات اكتفاء ذاتي يحقق لها التنمية
لاشك إن دول المجلس قد خسرت بتغييب اليمن وتأخير انضمامه إليها جزاءً من استقرارها وهويتها وأمنها الإقليمي فلا اليمن بقادرة على الحرب بالوكالة دفاعا عنها, ولا إمكاناتها وحدها تساعدها على الحرب دفاعا عن نفسها فمن الجنوب قلق يغذى بدعم شقي متحالف مع إيران للأسف وربما مع إسرائيل , ومن الشمال حرب ضروس من إيران بقواعدها وأساطيلها المتحركة القاتل والمقتول بسلاحها يمنيا..
ولعل بعض هذه الدول لم يستوعب بعد احتلال إيران لجزر خليجية مهمة للهيمنة على بوابة الخليج العربي قبل مدة ليست بالقصيرة والذي تسميه هي مجازا فارسياً , ولم يقدر بعضها حتى ألان تضحيات العراق في إيقاف مطامع إيران على حدودها أو يفطن إلى ما تعانيه اليمن اليوم بعد كل الإثمان التي دفعتها من دماء وأموال وتأخير للتنمية في شطئانها وجزرها,...
فلتفيق قمة المجلس اليوم لان السلاح هنا إيرانيا والدماء يمنية وغدا قد يكون السلاح إيرانيا والدماء خليجية ولتكن إرادة دول المجلس دعم اليمن على اضعف الإيمان.