محمد حسين العيدروس -
حفظ الأمن.. مسئولية من؟!
تحتل المسألة الأمنية صدارة الرهانات الوطنية، باعتبار أن الاستقرار هو الأساس المتين للتنمية الوطنية لأي بلد، وبالتالي فإن السؤال الذي ظل متداولاً لدى كثيرين: هل أن حفظ الأمن مسئولية مناطة بأجهزة القوات المسلحة والأمن وحدها؟، أم أن هناك شركاء آخرين؟ وهل ثمة دور يلعبه الفرد في الصناعة الأمنية؟
بداية ينبغي أن نعرف جميعاً أن الأمن يعني السلامة، سواء كانت سلامة النفس، أو الممتلكات الخاصة والعامة، أو سلامة البيئة المحيطة والوطن بشكل عام- وإذا ما سلمنا بهذا المعنى فإن العملية الأمنية تخصنا جميعاً، وتمس حياتنا وأرزاقنا، وبالتالي فنحن جميعاً معنيين بها ورغم وجود من يتحدث عن التخصص المؤسسي لأجهزة الدولة، ويلقي بالمسئولية الأمنية كاملة على أجهزة الدولة، إلا أن رأيه سيصطدم بكثير من المفاهيم الثقافية لمجتمع الديمقراطية الذي يجعل من شئون الحياة شراكة تفاعلية بين الجميع، سواء على صعيد اختيار رئيس الدولة، أو ممثلي المجالس المحلية، أو حتى في معالجة المشاكل التنموية والاجتماعية والثقافية.
لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال إن من حق حزب أو منظمة أو أحد الأفراد التدخل في الجوانب المهنية الاحترافية التي تتطلبها العملية الأمنية، كإعداد الخطط والبرامج والضبط والتنفيذ، والمعلومات المختلفة، بما فيها تلك الخاصة بأي مواطن متهم أو مطلوب للعدالة.. وكل ذلك هو شأن مؤسسي يناط بالمختصين، فلم تعد عملية الصناعة الأمنية كما كانت عليه قبل عقود، بل أنها تحولت إلى علم له جامعاته وأكاديمياته المختصة، ولعلنا في اليمن في صدارة دول المنطقة المهتمة بتأهيل كوادرها الأمنية علمياً، ونحمد الله أننا هذه الايام نحتفل بتخريج عشرات الأمنيين بدرجتي الدكتوراه والماجستير، وهو تطور محسوب للقيادة السياسية، والأخوة القائمين على وزارة الداخلية.
أما الشراكة الأمنية التي نتحدث عنها فهي تنبع من رأينا بأن الاستقرار الأمني قد يكون رهن مستوى تفاهم ووعي القوى السياسية من أحزاب وتنظيمات، فإن انطلاقها بالعملية السياسية من قاعدة الشراكة الوطنية هو الذي يتولد عنه الحرص على الممارسات السلمية في التنافس على السلطة والمجالس المختلفة، وهو الذي تتولد عنه العديد من الأنشطة والفعاليات التي تسهم في تنمية الوعي المجتمعي وإذابة بعض المخلفات البالية.. فاليوم هناك أحزاب لديها جمعيات ومنظمات تعمل على التعاون مع الدولة في مكافحة الفقر، ومكافحة التمييز، ورعاية الطفولة، ومحاربة الكثير من الظواهر السلبية التي يعيشها المجتمع.. وبلا شك إنها بهذه الأدوار تسهم في الحد من الأسباب والظروف التي تدفع نحو الجريمة والتطرف والإرهاب، كما أن حرص بعض القوى على ممارسة احتجاجاتها بأساليب سلمية هو نوع من ترسيخ الثقافة الآمنة، خلافاً لتنظيمات أخرى، تتخذ من أعمال الشغب والتخريب أسلوباً لعملها..
كما أن هناك قوى تؤمن بثقافة التحاور، بينما غيرها تؤمن بالعنف، وبالتالي فإن هذه القوى تعد أطرافاً في صناعة الأمن من عدمه.. والأمر ينجر أيضاً إلى مختلف القطاعات والشرائح، بما فيها المؤسسات الثقافية والإعلامية؛ حيث أننا نجد أقلاماً تدعو إلى المحبة والسلام والتآخي، وتلك هي من قيم صناعة الأمن الاجتماعي والوطني، بينما هناك أقلام أخرى تحرض على الفتنة والنزعات الطائفية والمذهبية والمناطقية والعرقية، وهي بذلك تمثل أحد تحديات الصناعة الأمنية، وما يهدد الاستقرار والوحدة الوطنية.
وعلى الجانب الآخر نجد أن هناك مسئولين يمارسون الفساد أو العبث أو الظلم لموظفيهم، وهم بذلك يتحولون إلى أحد أسباب تهديد أمن واستقرار المجتمع، لأن الإحساس بالظلم قد يدفع إلى ممارسات انتقامية يعود أثرها السلبي على الجميع..
ومن هنا نجد أننا كأفراد ومنظمات وأحزاب وجهات رسمية مسئولون عن صناعة الأمن بنفس القدر الذي تكون فيه الأجهزة الأمنية مسئولة.. فعندما أشعل المتمردون الفتنة في صعدة فإنهم لم يستهدفوا رجال الأمن أو الدولة؛ بل استهدفوا الجميع من نساء وأطفال وعجزة.. إذن الخرق الأمني يمتد ضرره إلى كل واحد منا، ويطول مصالحنا جميعاً، ويؤثر على لقمة عيشنا، بينما الاستقرار يعم خيره على الجميع..