المؤتمرنت- تقرير – عبد الملك الفهيدي -
(2009م)..حصاد مر للقاعدة في اليمن
مع اقتراب العام الجاري 2009م من نهايته تلقت عناصر تنظيم القاعدة في اليمن ضربات موجعة عبر عمليات أمنية استباقية ناجحة نفذتها الأجهزة الأمنية اليمنية ضد عناصر التنظيم في مناطق متفرقة .
و أعلنت السلطات الأمنية في اليمن مصرع أكثر من (30) عنصرا من تنظيم القاعدة في غارة جوية شنها الطيران الحربي على معسكر للتنظيم الإرهابي بمحافظة شبوة الخميس الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري،في عملية هي الثانية من نوعها في اقل من عشرة أيام تستهدف خلايا القاعدة في اليمن .
وقال مصدر مسؤول في اللجنة الأمنية العليا إن العملية النوعية التي نفذت في تمام الساعة الربعة من فجر الخميس استهدفت العناصر التابعة لتنظيم القاعدة من جنسيات يمنية وأجنبية في منطقة رفض بمديرية الصعيد بمحافظة شبوة أثناء اجتماع لعناصر التنظيم بحضور الإرهابيين ناصر الوحشي والسعودي الجنسية سعيد الشهري ..
وحسب المصدر فقد جاءت العملية الأمنية الاستباقية لإحباط مخطط إرهابي لتلك العناصر يتضمن تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف عددا من المصالح اليمنية والأجنبية ومنشآت اقتصادية هامة واستهداف قيادات عسكرية وأمنية وذلك كردة فعل انتقامية على العملية النوعية المزدوجة التي قامت بها أجهزة الأمن يوم الخميس الماضي في أرحب وأبين وأمانة العاصمة وأدت إلى مصرع حوالي 34 عنصرا من تنظيم القاعدة وإلقاء القبض على 29 آخرين من العناصر الإرهابية من التنظيم .
وجاءت عمليتا الخميسين ضد تنظيم القاعدة لتختتم عاماً حافلاً بمواجهات أمنية ضد عناصر التنظيم حقق الأمن في معظمها نجاحات غير مسبوقة على صعيد الحرب التي تخوضها اليمن ضد القاعدة منذ تسعينيات القرن الماضي .
ورغم أن العام الجاري 2009م شهد تنفيذ عدة عمليات إرهابية من قبل تنظيم القاعدة إلا أن تلك العمليات هي الأقل على المستوى الكمي والنوعي مقارنة بالعمليات الإرهابية التي شهدتها اليمن خلال الأعوام الماضية .
2009م - تراجع في الهجمات الإرهابية
وتشير عملية الرصد والمتابعة لنشاط تنظيم القاعدة في اليمن إلى تراجع ملحوظ في العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم في اليمن خلال العام الجاري مقارنة بالأعوام السابقة، وتحديداً بالمقارنة مع الهجوم الإرهابي الذي استهدف السياح الأجانب في محافظة مأرب العام قبل الماضي 2007م أو الهجوم الإرهابي الذي استهدف سفارة الولايات المتحدة في العاصمة صنعاء العام المنصرم 2008م .
ويرى مراقبون أن العملية الإرهابية التي استهدفت سفارة واشنطن في صنعاء في سبتمبر من العام 2008م شكلت نقطة تحول في مسار تعاطي الأجهزة الأمنية في اليمن في المواجهات مع تنظيم القاعدة حيث عمدت الأولى إلى تغيير إستراتيجية المواجهة عبر اتخاذ إجراءات جديدة تمثلت في الملاحقات الأمنية الواسعة، ومضاعفة الجهود الاستخباراتية على الصعيد المحلي أو على صعيد التنسيق والتعاون الاستخباراتي مع الدول الأخرى وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، مروراً بتحديث وتطوير أجهزة ووحدات مكافحة الإرهاب(وهي الوحدات المستحدثة مؤخراً في عدد من الأجهزة الأمنية) بالإضافة إلى تفعيل وزيادة مساحة المواجهة على مستوى القضاء عبر تقديم المزيد من عناصر تنظيم القاعدة إلى المحاكم وصدور الأحكام القضائية بحق عدد كبير منهم، وصولاً إلى تبني خطة العمليات الأمنية الاستباقية ضد عناصر تنظيم القاعدة في عدة مناطق، وهي الخطة التي أثبتت نجاحها من خلال إحباط عدد كبير من العمليات الإرهابية التي كان يسعى تنظيم القاعدة لتنفيذها ومصرع عدد من عناصر التنظيم، والقبض على عدد كبير منهم خلال تلك المواجهات .
وحسب الإحصاءات الرسمية فإن تنظيم القاعدة نفذ منذ عام 1992م حتى العام الجاري (61) عملية إرهابية في اليمن استهدفت منشآت حيوية وسفارات أجنبية وسياح وقادة أمنيين سقط جراءها الكثير من الضحايا،بحسب نائب رئيس الوزراء لشئون الدفاع والأمن د. رشاد العليمي الذي أضاف إن السلطات قدمت للقضاء بهذا الصدد (26) قضية بلغ المفرج عنهم (813) بضمانات غير (93) سلموا أنفسهم وعادوا مواطنين صالحين.
ووفقاً للعليمي فقد نتج عن تلك العمليات الإرهابية أضرار سياسية وإعلامية واقتصادية بينها الاستثمار وانخفاض عائدات السياحة لتخسر اليمن (144) مليون دولار سنوياً سوى تسريح (140) ألف يمني يعملون في القطاع السياحي وكذا تأثر النشاط المصرفي وانخفاض تحويلات المغتربين.
في المقابل فباستثناء الهجوم على السياح الكوريين في شبام حضرموت، وكذا محاولة الهجوم الانتحاري الفاشل على الوفد الكوري في العاصمة صنعاء،واغتيال مسئولي أمن في حضرموت و اختطاف المقدم بسام سليمان طربوش رئيس قسم التحريات بالبحث الجنائي بمحافظة مأرب قبيل إعدامه بطريقة بشعة من قبل تنظيم القاعدة ، لم تشهد اليمن عمليات إرهابية كبيرة كتلك التي شهدتها خلال الأعوام السابقة التي كانت تركز على عمليات استهداف لمنشات ومصالح محلية وأجنبية كالسفارات والمنشات النفطية ،او استهداف أفواج السياح .
تغيير أسلوب المواجهات الأمنية
ويرى مراقبون أن تغيير الأمن اليمني لأساليبه في المواجهات مع تنظيم القاعدة قد أتى أوكله من خلال نجاحه في إحباط العمليات الانتحارية للقاعدة قبل وقوعها، فضلاً عن مقتل وضبط عدد كبير من عناصر التنظيم خلال العام الجاري.
وحسب المعلومات والبيانات الأمنية فقد لقي نحو(70) من عناصر القاعدة مصرعهم في عمليات نفذتها أجهزة الأمن اليمنية منذ مطلع يناير وحتى العملية الأخيرة في شبوة التي أسفرت عن مصرع (30) ، فضلاً عن ضبط أكثر من (77) عنصراً منهم بعضهم سلموا أنفسهم طواعية لأجهزة الأمن وكثير منهم من العناصر المطلوبة في اليمن والسعودية .
وتعكس هذه الإحصاءات حجم الخسائر التي لحقت بالقاعدة خلال العام الجاري جراء عمليات الأمن اليمني ضد عناصر التنظيم والتي كانت في معظمها عمليات أمنية استباقية .
وبدأ الأمن اليمني باستخدام أسلوب العمليات الأمنية الاستباقية ضد تنظيم القاعدة منذ بداية العام الجاري من خلال عملية مداهمة لمنزل في أحد أحياء العاصمة صنعاء كان أفراد خلية للقاعدة مكونة من أربعة أشخاص يختبئون فيه حيث أسفرت العملية عن مصرع اثنين من أفراد الخلية يدعى أحدهم (بدر داؤود صالح مشرع) وهو من محافظة الحديدة ومواليد السعودية،والأخر هو سالم محمد مقصف سعودي الجنسية ومطلوب لسلطات الأمن في اليمن والسعودية- وكان ضمن أفراد خلية حمزة القعيطي الذي لقي مصرعه مع آخرين من تنظيم القاعدة في مواجهة مع الأمن في مدينة تريم محافظة حضرموت في الحادي عشر من أغسطس من العام 2008م- كما أدت العملية إلى القبض على الشخص الثالث في الخلية ،فيما تمكن الأخير من الفرار قبيل أن يقع في قبضة رجال الأمن بعد شهر في عملية مداهمة أخرى لمنزل في العاصمة صنعاء ايضاً .
ويرى مراقبون أن تنظيم القاعدة في اليمن شعر بالمخاطر التي سيواجهها فعمد بعد أقل من أسبوع على تلك العملية- التي نفذت في التاسع عشر من يناير2009م- إلى إعلان تشكيلة واحدة لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية بعد مبايعة عدد من أعضاء التنظيم في المملكة العربية السعودية للإمارة في اليمن تحت مسمى "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"بزعامة ناصر الوحيشي احد ابرز المطلوبين لأجهزة الأمن اليمنية،ومحكوم عليه بالسجن لمدة (15) سنة بعد إدانته من قبل القضاء اليمني بالانتماء إلى تنظيم القاعدة والاشتراك في محاولة تفجير منشأتي الغاز بصافرمحافظة مأرب والضبة بحضرموت وقتل أحد حراسة بوابة منشآت النفط المجني عليه محمد صالح المخزومي ومهاجمة منشأت مدنية في اليمن.
اعترافات العوفي ..ضربة أخرى
واعتبر إعلان تنظيم القاعدة إعلان تشكيلة واحدة لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية مؤشراً على سعي التنظيم لإعادة ترتيب أوضاعه ومحاولته الاستفادة من الدعم اللوجستي الذي ستضيفه عناصر التنظيم التي فرت من السعودية إلى صفوفه،خصوصاً في ظل تزامن ذلك مع تسلل عدد كبير من أعضاء القاعدة من السعودية إلى اليمن مطلع العام الجاري.
وبالإضافة إلى ذلك فقد حاول التنظيم من خلال ذلك الإعلان إلى السعي للحصول على تمويلات أكبر لعملياته من عناصر التنظيم ومموليه والمتعاطفين معه من دول الجزيرة العربية،إلا أن استسلام القيادي البارز في التنظيم محمد عتيق العوفي(السعودي الجنسية) لأجهزة الأمن في اليمن بعد أقل من شهر على ذلك الإعلان، قبيل أن تسلمه اليمن للسلطات السعودية مثل ضربة قوية لمحاولة القاعدة إعادة ترتيب أوضاعها وتوسيع رقعة عملها .
واتضح تأثير استسلام العوفي وما يمتلكه من معلومات متعلقة بنشاط القاعدة في مسارعة التنظيم إلى بث تسجيل صوتي نسب لناصر الوحيشي بعد تنصيبه أميراً جديداً للقاعدة في جزيرة العرب حض فيه القبائل اليمنية على حمل السلاح ضد الحكومة، محذراً إياهاً مما زعم أنها حملة عسكرية تعد لها صنعاء بالتنسيق مع الرياض في مأرب والجوف وشبوة وأبين وصنعاء وحضرموت، وتتكتم حول تفاصيلها، زاعماً أن الحملة ما هي إلا خطوة لضرب القبائل، وكسر هيبتها ونزع سلاحها.
وتضمن تسجيل الوحيشي تحريضاً على العنف والإرهاب ضد الحكومة اليمنية حيث حرض القبائل بالقول: "استعدوا بألغام الدبابات والعبوات والأحزمة الناسفة والقناصات والكمائن المحكمة والاقتحامات الجريئة."
ووجه الوحيشي رسالة إلى القبائل في "نجد والحجاز وأهلنا في الخليج"، ناشدهم فيها مساعدة أبناء القبائل في اليمن، زاعماً أن أولئك إنما يريدون "الوصول إلى غزة وفلسطين."
ويفسر المراقبون توقيت ظهور ذلك التسجيل الصوتي بمحاولة من تنظيم القاعدة ومن زعيمه الجديد ناصر الوحيشي لتلافي التأثيرات السلبية للمعلومات التي سيكشفها العوفي لاحقاً على التنظيم لدى الرأي العام اليمني ومنهم أبناء القبائل اليمنية ، خصوصاً وان التسجيل جاء بعد أيام من استسلام العوفي،وقبيل أيام قليلة من الاعترافات العلنية التي أدلى بها عبر شاشة التلفاز .
إلا أن التسجيل الصوتي لم ينجح في التخفيف من قوة الضربة التي تلقاها التنظيم والتي لم تقف عند حد تسليم العوفي لنفسه فحسب، بل امتدت إلى الاعترافات الخطيرة التي أعلنها لاحقاً والتي كشف فيها عن خلافات دبت بين أعضاء التنظيم الإرهابي عندما رفضوا بيعة ناصر الوحيشي قبيل أن تصدر تزكية الأخير من أيمن الظواهري للبدء بوضع المخططات التخريبية المستندة إلى منهج تكفيري يبيح ضرب المنشآت والمصالح الحيوية لليمن والسعودية وخصوصا المنشآت النفطية .
اعترافات العوفي لم تكشف عن خلافات بين أعضاء تنظيم القاعدة فحسب ،بل كشفت أيضا عن تورط أجهزة استخبارات إقليمية وتحديداً الاستخبارات الإيرانية في دعم القاعدة والحوثيين لضرب أهداف في اليمن والسعودية.
وأكدت الاعترافات التي أدلى بها العوفي مصداقية الأطروحات الرسمية اليمنية عن وجود تنسيق وتعاون بين الحوثيين والقاعدة من ناحية، ومن ناحية أخرى أظهرت حجم التحديات التي باتت تواجهها أجهزة الأمن اليمنية التي تعززت لديها القناعات بضرورة اعتماد مبدأ العمليات الاستباقية ضد عناصر القاعدة للحيلولة دون نجاح الأخيرة في تنفيذ مخططاتها الإرهابية.
القاعدة ..ارتباك واضح ومحاولات يائسة
ويبدو أن المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية اليمنية والسعودية من القيادي السابق في التنظيم محمد العوفي أسهمت بشكل واضح في إحراز الأمن اليمني نجاحات عديدة في عملياته ضد عناصر التنظيم حيث تمكن من ضبط عدد منهم بينهم السعودي ( عبد الله الحربي ) في تعز وقيادي آخر ،فيما سلم آخرون أنفسهم للأمن اليمني في أبين منتصف مارس الماضي .
ويرى المراقبون أن تزايد سقوط واستسلام عناصر التنظيم في أيدي أجهزة الأمن أسهم في تزايد مخاوف قادته من توسع رقعة التفكك الذي تشهده خلاياه الأمر الذي حدا بقيادته إلى تنفيذ عملية انتحارية إرهابية هدف من خلالها إلى إيصال رسالة إعلامية مفادها أنه ما يزال موجوداً وقادراً على التحرك رغم الضربات المتتالية التي لحقت به ،حيث أسرعت عناصر التنظيم في تنفيذ عملية إرهابية (انتحارية) استهدفت سياحاً كوريين في مدينة تريم محافظة حضرموت في الخامس عشر من مارس نجم عنها وفاة (4) كوريين ويمني، وإصابة خمسة آخرين ،بالإضافة إلى مصرع منفذها الانتحاري أيضاً.
وفيما شرع الأمن اليمني بتنفيذ عمليات تحريات وملاحقات لعناصر تنظيم القاعدة في حضرموت إثر تلك العملية حاول الأخير تشتيت انتباه أجهزة الأمن عبر تنفيذ هجوم إرهابي فاشل ضد وفد كوري كان في طريقه إلى مطار صنعاء بعد عملية حضرموت بيومين فقط، إلا أن الهجوم الإرهابي لم يسفر سوى عن مصرع منفذ العملية الذي بينت التحقيقات فيما بعد أنه شاب لم يتجاوز عمره (18) عاماً وهو نفس عمر الشاب الذي نفذ هجوم تريم بحضرموت .
تصميم أمني على المواجهة
الهجومين الإرهابيين لتنظيم القاعدة ضد الكوريين في تريم والعاصمة لم يؤثرا على جهود أجهزة الأمن بالاستمرار في تنفيذ العمليات الأمنية ضد عناصر التنظيم عبر الملاحقات المستمرة، والإجراءات المختلفة والمتمثلة في ضبط (10) من عناصر التنظيم في شبوة في السادس والعشرين من مارس كانوا ضمن خلية قاسم الريمي، تبعه إصدار وزارة الداخلية اليمنية تعميماً بأسماء (154) مطلوباً أمنياً منهم (85) سعودياً.
وكشف نائب وزير الداخلية اللواء صالح الزوعري عن ضبط أجهزة الأمن لـ(16) من صغار السن خلال شهر مارس كانت القاعدة جندتهم لتنفيذ عملياتها الإرهابية، بالإضافة إلى (6) ضمن خلية إرهابية كانت تخطط لتنفيذ(12) عملية إرهابية .
ومع بداية شهر أبريل الماضي عمدت أجهزة الأمن اليمنية إلى تنفيذ عملية لملاحقة المطلوبين أمنياً وبينهم عناصر تنظيم القاعدة في محافظة أبين حيث أسفرت العملية عن ضبط نحو (57) مطلوباً بينهم عناصر من القاعدة حسب تصريحات محافظ المحافظة المهندس أحمد الميسري الذي أكد أن التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية مع من تم القبض عليهم في مدينة جعار كشفت عن صلتهم بتنظيم القاعدة وتورط بعضهم في أعمال إرهابية.
دعم القاعدة للانفصاليين...إعلان غير مفاجئ
ويرى مراقبون أن العمليات الأمنية في أبين والتي أسفرت عن ضبط عدد من عناصر التنظيم، وما كشفت عنه التحقيقات من تورط لبعض تلك العناصر في عمليات إرهابية ،ومساندة لعناصر ما يسمى بالحراك في أبين وبعض مناطق المحافظات الجنوبية على تنفيذ عمليات التخريب والعنف ، فضلاً عن نجاح الأمن في إلقاء القبض على المتهم بالتخطيط لعملية الهجوم على الوفد الكوري في العاصمة مطلع مايو خلال تواجده في محافظة الحديدة، أسهمت في اضطرار تنظيم القاعدة إلى الإعلان عن علاقة التنسيق –التي ظلت حتى ذلك الحين غير معلنه- بينه وبين عناصر التخريب التابعة لما يسمى بالحراك وهو ما ظهر في التسجيل الذي بثه التنظيم على شبكة الإنترنت منتصف مايو الماضي حيث أعلن فيه ناصر الوحيشي المكنى بـ" أبي بصير " زعيم التنظيم دعمهم للعمليات التخريبية وأعمال العنف التي تنفذها عناصر ما يسمى بالحراك،ودعم دعوات الانفصال .
ويؤكد المراقبون أن إعلان القاعدة دعمها لدعوات الانفصال وأعمال التخريب التي تنفذها عناصر ما يسمى بالحراك لم يكن مفاجئاً ،فالبقدر الذي مثل ذلك الدعم نتيجة منطقية لانضمام طارق الفضلي القيادي السابق في تنظيم القاعدة إلى عناصر ما يسمى بالحراك ،فانه في الوقت نفسه جاء ليثبت مصداقية المعلومات التي أكدت فيها الحكومة اليمنية وجود تنسيق وتعاون بين ثلاثي الإرهاب ( القاعدة والحوثي وعناصر الانفصال) .
ويرى المهتمون بنشاط تنظيم القاعدة أن إعلان التنظيم دعمه لدعوات الانفصال ومن قبله انضمام القيادي السابق في التنظيم طارق الفضلي إلى ما يسمى بالحراك،والتي جاءت بعد المعلومات التي كشفها القيادي السابق في القاعدة السعودي محمد العوفي عن تورط إيراني في دعم القاعدة والحوثيين وعلاقة التنسيق بينهم شكلت اكتمالاً لصورة التعاون والتنسيق بين الأطراف الثلاثة وتأكيدات واقعية على مصداقية الاتهامات الحكومية للأطراف الثلاثة ( الحوثي والقاعدة والحراك) بالتورط في تنفيذ مشروع إرهابي يستهدف اليمن والمنطقة .
أغسطس.. الاتجاه نحو السعودية
وأسفرت عمليات الملاحقة الواسعة التي شنتها أجهزة الأمن اليمنية ضد عناصر تنظيم القاعدة عن ضبط واستسلام عدد من عناصر التنظيم سيما من حاملي الجنسية السعودية وأبرزهم حسن حسين بن علوان ( سعودي الجنسية ) الذي القي القبض عليه في الرابع عشر من يونيو منتصف العام الجاري -ووصفته أجهزة الأمن اليمنية بأنه الممول لعمليات القاعدة في اليمن والسعودية- تلاه بثلاثة أيام استسلام أحد عناصر التنظيم وهو نائف الحربي ( سعودي الجنسية )الذي سلم نفسه للأمن اليمني،الأمر الذي قال مراقبون انه شكل ضربة لتنظيم القاعدة الذي لجأت قيادته إلى إجراء تغيير تكتيكي في عملياتها في محاولة لإخفاء التأثيرات السلبية لاستمرار عمليات استسلام عناصره سيما من حاملي الجنسية السعودية عبر محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودي – في عملية انتحارية نفذها عبد الله عسيري أحد عناصر التنظيم الذي أوهم السلطات السعودية اعتزامه تسليم نفسه إلى الأمير محمد بن نايف قبيل أن يتراجع وينفذ هجوما ضد الأمير محمد بن نايف الذي نجا من محاولة الاغتيال الفاشلة .
ا
استغلال مواجهة التمرد
ويرى مراقبون أن تنظيم القاعدة حاول عبر عملية الاغتيال الفاشلة للأمير محمد بن نايف إيهام أجهزة الأمن اليمنية بنقل مسرح عملياته إلى السعودية،معززاً تلك المحاولة بإيقاف أي أنشطة أو اعتداءات إرهابية منذ تلك العملية أواخر أغسطس وعلى مدى شهري سبتمبر وأكتوبر .
في الأثناء عمدت عناصر تنظيم القاعدة إلى محاولة توسيع مساحة المواجهات العسكرية والأمنية بين الجيش والأمن اليمني من جهة وبين عناصر التمرد والتخريب والإرهاب الحوثية ،وعناصر التخريب التابعة لما يسمى بالحراك ،عبر عمليات تهريب وبيع أسلحة للحوثيين عن طريق بعض قيادات التنظيم في مأرب من جهة،وتوجيه عدد من عناصرهم إلى دعم ما يسمى بالحراك القاعدي لتنفيذ أعمال التخريب والفوضى والتقطعات وأعمال القتل بتوجيه وإشراف مباشر من قبل القيادي القاعدي طارق الفضلي..(سيتم تناولها بشكل أكثر تفصيلاً في تقرير ينشره المؤتمرنت لاحقاً).
ويعتقد المراقبون لنشاط القاعدة في اليمن أن الأخير سعى إلى استغلال إنشغال السلطات اليمنية بالمواجهات في صعدة، وأعمال التخريب في بعض المحافظات الجنوبية للتخطيط لشن عمليات إرهابية نوعية،وهو ما اتضح في عملية الاغتيال الغادرة التي أدت إلى استشهاد العميد علي سالم العامري مدير الأمن العام للوادي والصحراء بمحافظة حضرموت والعقيد أحمد باوزير مدير فرع الجهاز المركزي للأمن العام السياسي بسيئون والرقيب صالح سالم بن كوير رئيس قسم البحث الجنائي في مديرية القطن من منطقة الوديعة ومعهم اثنين من مرافقيهم في الثالث من نوفمبر المنصرم اثر تعرضهم لكمين غادر تبنى تنظيم القاعدة مسؤوليته عن العملية بعد يومين فقط من وقوعها .
وفي الوقت الذي مثلت فيه عملية اغتيال مسئولي الأمن بحضرموت رسالة واضحة من أن تنظيم القاعدة بدأ يحول عملياته الإرهابية إلى استهداف للقيادات الأمنية ذات الصلة بالعمل الأمني الاستخباراتي خصوصاً في المحافظات التي يتركز فيها تواجد عناصر التنظيم وهو ما يتضح من خلال عملية حضرموت ومن قبلها عملية الإعدام البشعة للمقدم سامي طربوش رئيس قسم التحريات بالبحث الجنائي بمحافظة مأرب من قبل عناصر القاعدة وبطريقة بشعة ،فإنها كانت أشبه بمحاولة لتشتيت جهود الأمن في ملاحقة عناصر التنظيم على مناطق متباعدة حتى يتسنى لها التخطيط والإعداد الجيد لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة في منطقة أخرى بالاعتماد على انشغال الأمن اليمني بالحرب الدائرة في صعدة وهو أكدته المعلومات التي كشفتها العملية الأمنية الاستباقية التي نفذت الخميس الماضي ضد عناصر التنظيم،حيث تشير المعلومات إلى أن قاسم الريمي – أحد أخطر عناصر القاعدة في اليمن – كان يقود خلية إرهابية تعتزم تنفيذ عمليات انتحارية في العاصمة صنعاء، وأن الإعداد لتلك العمليات كان في مراحله الأخيرة وهو ما يفسر التواجد القريب لأعضاء الخلية في منطقة أرحب التي تبعد 40 كلم فقط شمال العاصمة صنعاء .
رصد استخباراتي شامل
ويبدو أن السلطات اليمنية أدركت جيداً عقب عملية اغتيال مسؤولي الأمن بحضرموت أن النجاح في توجيه ضربة نوعية لعناصر القاعدة يتطلب عدم إرهاق أجهزة الأمن بالملاحقات الروتينية لتلك العناصر في مناطق متعددة ومتباعدة جغرافيا بل من خلال إتباع أسلوب جديد يبدأ بتكثيف عمليات الرصد الاستخباراتي لتحركات ونشاطات أعضاء التنظيم على نطاق واسع وفي أكثر من منطقة في نفس الوقت تمهيداً لتنفيذ عمليات نوعية ضد أعضاء التنظيم لاحقاً .
وربما كانت ملاحقة أجهزة الأمن لأعضاء التنظيم في مأرب ونجاحها في إلقاء القبض على اثنين من أخطر عناصر القاعدة في الحادي عشر من ديسمبر الجاري، بمثابة بالون اختبار لرد الفعل من قبل عناصر التنظيم، وهو ما أسهم حسب بعض المراقبين في محاولة القاعدة الإسراع بتنفيذ العمليات الانتحارية التي كانت تخطط لها في العاصمة صنعاء عبر إيكال مهمة قيادتها إلى الإرهابي قاسم الريمي الذي كان أحد المستهدفين في العملية الأخيرة المنفذة ضد عناصر التنظيم في منطقة أرحب .
وحسب نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن اللواء الدكتور رشاد العليمي فأن الأجهزة الأمنية تأكدت من معلومات عن وجود معسكر لتنظيم القاعدة في منطقة المعجلة بمحفد أبين وهي منطقة جبلية نائية قامت إثرها بالضرب داخل المعسكر أثناء تدريبات صباحية لعناصر التنظيم،وأسفرت عن قتل (34) منهم بينهم يمنيون وسعوديون ومصريون وباكستانيان مشيراً إلى أن القاعدة فخًخت المعسكر استهدافاً للمحققين وأي لجان تقصٍّ تنزل للموقع.
وعن عملية أرحب في ذات اليوم ذكر العليمي في تقرير قدمه الأربعاء 23 ديسمبر 2009م أن الأمن تحصل على معلومات عن تخطيط القاعدة لتنفيذ ثمانية من عناصرها لعمليات انتحارية في العاصمة صنعاء تستهدف السفارة البريطانية ومدارس أجنبية منوهاً إلى أن خطة التنظيم كانت في مراحلها الأخيرة.
ونتج عن العملية الأمنية مقتل ثلاثة من عناصر التنظيم واعتقال ثلاثة آخرين وفرار قاسم الريمي وحزام مجلي، إضافة لضبط متفجرات وأحزمة ناسفة من ذات النوع الذي استخدم في استهداف الأمير محمد بن نايف مساعدوزيرالداخليةالسعودي.
وبحسب العليمي رافقت هذه العلمية استهداف عناصر للقاعدة في أمانة العاصمة كانت مهمتها تقديم خدمات لوجستية لإمداد وتموين لعناصر أرحب وأسفرت العملية عن اعتقال 14 شخصاً يجري التحقيق معهم.
وأشارت المعلومات الأمنية إلى أن عدد من تم ضبطهم جراء العملية بلغ نحو (29) من عناصر التنظيم .
وفيما كان تنظيم القاعدة يسعى للملمة جراحه جراء العملية التي استهدفت عناصره في أبين وأرحب والعاصمة ،وإعادة ترتيب أوراقه بهدف تنفيذ عمليات انتقامية عبر استغلال وتأليب عناصر ما يسمى بالحراك خلفه بدعم وإشراف من طارق الفضلي،وهو ما أكده ظهور القيادي في تنظيم القاعدة (محمد احمد صالح عمير الكلوي) خلال المهرجان المشترك لعناصر القاعدة وعناصر ما يسمى بالحراك في ابين وتهديده ووعيده بالانتقام لقتلى الغارة الجوية على المركز التدريبي لتنظيم القاعدة بالمحفد في أبين ،تلقى التنظيم ضربة جوية استباقية ثانية استهدفت أحد الأوكار الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة رفض بمديرية الصعيد بمحافظة شبوة حيث أسفرت العملية عن مصرع أكثر من 30 عنصرا من العناصر الإرهابية من تنظيم القاعدة يمنية وأجنبية منهم عناصر قيادية هامة .
ويؤكد المراقبون أن عمليتي الخميسين الاستباقيتين ضد عناصر التنظيم التي نفذت في شبوة و أبين وأرحب والعاصمة مثلت ضربة قاصمة لبنية التنظيم في اليمن سواء من خلال حجم الخسارة اللوجستية التي تعرض لها التنظيم سيما وأن معظم القتلى من قيادات التنظيم الخطيرة، أو على مستوى ضرب الأوكار الجغرافية التي كان التنظيم يعتقد بأنها أصبحت بنية جغرافية آمنة ومناسبة له ليستخدمها في عمليات التدريب والتخطيط والإعداد لتنفيذ عملياته الإرهابية، أو على المستوى الزمني حيث جاءت العمليتين بمثابة نهاية لعام من النجاح الأمني ضد عناصر القاعدة في اليمن .
اليمن والحرب على القاعدة ...نجاح يحتاج إلى دعم
تراجع الهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة في اليمن خلال العام الجاري ، وتحجيم وضرب بنية التنظيم وإمكاناته وإحباط عدد من المخططات الإرهابية التي كان يعتزم تنفيذها كلها تعطي مؤشرات وتأكيدات على التزام الحكومة اليمنية بمواصلة حربها ضد القاعدة ، ونجاحات محسوبة لأجهزتها الأمنية خصوصاً إذا ما ربطت النجاحات التي تحققت على صعيد مواجهة القاعدة مع انشغال السلطات اليمنية بحرب مستعرة مع عناصر الإرهاب والتمرد الحوثية في صعدة،ومواجهات متواصلة لأعمال تخريبية تنفذها عناصر ما يسمى بالحراك في بعض مناطق في المحافظات الجنوبية والشرقية.
في المقابل يرى مراقبون أن مؤشرات النجاح تلك لا تعني القضاء على تنظيم القاعدة في اليمن أو إيصاله إلى مرحلة العجز عن إعادة بناء نفسه من جديد، الأمر الذي يتطلب التعاطي مع قضية حرب اليمن ضد القاعدة وفقاً لرؤية إستراتيجية تعتمد الأخذ في الاعتبار الانعكاسات الايجابية التي ستنجم عن نجاح اليمن في حربه على الإرهاب ليس على مستوى الأمن الداخلي لليمن فحسب،بل على مستوى الأمن الإقليمي والدولي.
ويرى مراقبون أن اليمن يواجه تحديات كثيرة خصوصاً على المستوى الاقتصادي حيث تشهد اليمن نمواً سكانياً كبيراً يقابله شحة في الموارد الاقتصادية الأمر الذي ينعكس على اتساع مساحة رقعة الفقر الذي يعد احد ابرز الأسباب الرئيسة التي تسهم في توفير بيئة مناسبة لتواجد وانتشار التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها القاعدة وقدرتها على نشر أفكارها المتطرفة في أوساط الناس و خصوصاً الشباب وصغار السن الذين تستغل القاعدة أوضاعهم الاقتصادية وتقوم بتجنيدهم ضمن خلاياها الإرهابية .
ويزداد الأمر سوء حين نجد أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة يرافقها تحديات أمنية كثيرة أبرزها التمرد الحوثي وعمليات التخريب والعنف والفوضى ودعوات الانفصال التي تقوم بها عناصر ما يسمى بالحراك ،فضلاً عن تزايد عمليات نزوح اللاجئين والمتسللين الأفارقة إلى اليمن والذين تؤكد الإحصاءات أن عددهم يقارب المليون لاجئ ،وظاهرة القرصنة البحرية ،وهي قضايا تشكل تحديات كبيرة تضاف إلى تحدي تنظيم القاعدة الأمر الذي يجعل من المستحيل على اليمن بإمكاناته وموارده الاقتصادية الشحيحة مواجهتها بمفرده دون دعم ومساندة إقليمية ودولية ,.
وتتطلب مساندة اليمن على مواجهة تلك التحديات ومواجهة الإرهاب دعماً اقتصادياً بمقدوره مساعدة الحكومة اليمنية على إحداث عملية تنمية شاملة تسهم في القضاء على الفقر ومكافحة البطالة وإيجاد فرص عمل للشباب العاطلين ،وهو ما سيؤدي إلى القضاء على أهم الأسباب التي تساعد القاعدة على إيجاد بيئة لها في اليمن،وسيسهل ايضا على الحكومة اليمنية توسيع وتنويع أساليب المواجهات ضد عناصر القاعدة ،والقوى المتطرفة والإرهابية فكريا وسياسياً واقتصادياً وامنياً .
ويخلص المراقبون إلى ضرورة أن يدرك المجتمع الدولي ودول الإقليم أن نجاح اليمن في تجاوز التحديات التي تواجهه سينعكس على امن واستقرار المنطقة والعالم ،في المقابل فان أي مخاطر قد تهدد وحدة وامن واستقرار اليمن فان تأثيراتها ستمتد لتشمل امن المنطقة والعالم بحكم الموقع الجيوستراتيجي لليمن ،ولعل تمدد التمرد الحوثي واستهدافه للأراضي السعودية يمثل دليلاً واقعيا على صحة هذه الأطروحات .