الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 06:28 م
ابحث ابحث عن:
ثقافة
المؤتمر نت -

الأربعاء, 13-يناير-2010
المؤتمرنت -
طبعة جديدة من "الأعمال الكاملة لإنسان آلي"
عن دار سندباد للنشر، صدرت بالقاهرة منذ أيام قليلة طبعة جديدة من ديوان "البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية"، للشاعر المصري شريف الشافعي، وهو أول أجزاء مشروعه الكبير "الأعمال الكاملة لإنسان آلي".

وقال المشرف عن النشر بدار سندباد الروائي خليل الجيزاوي إن هذه هي الطبعة الثالثة للديوان، حيث صدر في يوليو الماضي عن دار تالة بدمشق، وفي صيف 2008 في طبعة خاصة محدودة بالقاهرة. ويُنتظر أن تتيح الطبعة الجديدة حضورًا أوسع للديوان في مصر، فضلاً عن إتاحته للمرة الأولى لجمهور معرض القاهرة الدولي للكتاب، المقرر انطلاقه في أواخر يناير الحالي.

وأعرب الجيزاوي عن سعادته بنشر "الأعمال الكاملة لإنسان آلي" في مصر في مستهل العام الجديد، بعد تداوله في دول متعددة منها سورية ولبنان والأردن والبحرين، مشيرًا إلى أن الديوان قد حظي بقبول نقدي وإعلامي واسع النطاق، حيث تناولته أقلام من أقطار عربية متعددة، باعتباره أول بوح فني مكتمل للآلة (الروبوت المتمرد على القطيع، أو إنسان العصر الحديث اللاهث خلف إنسانيته)، ومساحة خصبة لانفتاح الإبداع الورقي على العالم الرقمي وفضاءات الإنترنت، وقد وصف البعض إنجاز الشافعي بأنه "انقلاب أبيض في شعر العرب"، و"حالة حراك في المشهد الثقافي"، و"قفزة حيوية لقصيدة النثر"، و"ثورة تحيل إلى ثورة رواد الشعر الحر".

وقال الجيزاوي إن هذه التجربة المغايرة قد تعاملت مع معطيات العصر وتقنياته ولغته الجديدة بتلقائية وبساطة، بدون أن تفقد العمق والرؤية الشاملة لفلسفة "إحياء إنسانية الإنسان"، في زمن العولمة واللهاث خلف المادة والانصياع للآلة، وهذا هو الفرق الجوهري بين الشافعي ومن نحا نحوه من المقلدين، الذين تمسّحوا بقشور التكنولوجيا ومصطلحات الإنترنت تمسحًا خارجيًا هشًّا، فجاءت كتابتهم آلية هشة.

يشتمل غلاف الجزء الأول من "الأعمال الكاملة لإنسان آلي" على الكثير من العناصر الدالة، المرشدة إلى أجواء هذه الكتابة الطازجة المغايرة، التي اختطها "روبوت" الألفية الثالثة، فاضحًا بها سوءات عصره الغارق في التسليع والميكنة والتقنية، وباحثًا بها عن ذاته الإنسانية المفقودة، النابضة بحرارة ـ رغم كل شيء ـ تحت جليد الحياة الرقمية، بل إن تلك الذات ـ على ضعفها وتلاشيها ـ لا تزال تحلم بإمكانية استردادها لفردانيتها وخصوصيتها، وتمردها على آليات السوق وأيديولوجيا التنميط وتوحيد حركة الروبوتات (البشر) وفقًا لقوانين صارمة، وبرمجيات لا يديرها إلا الريموت كونترول في يد القوة المهيمنة. إن الماكينة الفذة حقًّا في هذا العصر هي التي تؤمن ـ كما ورد في أحد مقاطع الكتاب ـ بأن "الأهَمَّ من الكهرباءِ وبرنامج التشغيلِ، أن تصبحَ قادرةً على الْحَشْرَجِةِ وقتما تشاءُ"، ولعل الشاعر ذاته قد انطلق في رحلته الإبداعية الاستكشافية متزوّدًا بمثل هذا الإيمان، ليغرد وحده خارج السرب، ويقول كلماته الحرة الجديدة في المشهد الشعري المصري والعربي، مرتادًا منطقة بكرًا، يتقاطع فيها الإبداع الورقي المألوف، والإبداع الإلكتروني الوليد، بحميمية دافئة، تروق للمتخصص والمهتم والقارئ العادي. وقد جاءت هذه الكلمات متشحة بالبساطة، على عمقها، فهي في الأساس لغة "الروبوت"، لغة الآلة، لغة الصفر والواحد، أي أنها بالضرورة لغة مباشرة، توصيلية، محددة، دقيقة، غير متحلية بالإيقاعات الموسيقية ولا المجازات ولا الصور البيانية ولا أي مساحيق ماكياجية. حتى فنون الخط العربي وجماليات الحرف الطباعي، آثرت تلك اللغة أن تتجرد منها، ليبقى الشِّعر وحده على المائدة، يبقى كائنًا صافيًا مجرّدًا، أزرق اللون والطعم والرائحة فوق بياض الصفحات، لا يجاوره سوى "العلامة المائية" الرمادية الباهتة على كل صفحات الكتاب، وتمثل نموذجًا هندسيًّا متآكلاً لإنسان آلي، أعضاء جسده عدة مستطيلات ودوائر ومثلثات.

تشير واجهة الغلاف غير التقليدي (الذي اشترك في تصميمه الفنانان اللبناني باتريك طربيه والمصري محمد عمار) إلى أن "البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية" هو الجزء الأول من "الأعمال الكاملة لإنسان آلي"، وإلى أن هذا البحث يشتمل على "200 محاولة عنكبوتية لاصطياد كائن منقرض" (كما ورد في العنوان الصغير أسفل العنوان الرئيس). وتُظهر لوحة الغلاف أصابع "آلية" فولاذية تمسك بالكرة الأرضية وتقلّبها للبحث فيها، وأسفل اللوحة يوضح محرك ياهوو (YAHOO SEARCH) على الإنترنت أن نتيجة البحث عن مفردة "نيرمانا" (Nirmana) هي نتيجة سلبية تمامًا. فكأن الباحث عن نيرمانا، عن الأخرى أو عن ذاته أو عن المفقود (المنقرض) عمومًا، يدرك منذ البداية أنه لن يعثر على ضالته، لكنه يستمر في بحثه رغم ذلك، طالما أن هذا هو المسلك الوحيد الذي يعني التشبث بالحياة. ويُبرز ظهر الغلاف الإنسان الآلي جالسًا أمام كمبيوتره الشخصي، حيث تخترق الأصفار المتعددة رأسه، وهو يبحث بنهم عن نيرمانا بتجلياتها وأسمائها المتعددة، بالعربية والإنجليزية بل والهيروغليفية: نيرمانا، نيرما، نيرميتا، ناريمانا، نيرفانا، نورينا، نوريتا، نيرمينا، نيتا، ميتا، تيتا، نيرمالا، نيرفا، نونا، نون، ن ، .. ، في حين تحلّق طيور بيضاء عملاقة في فضاء الغرفة. ويحمل لسان الغلاف (من الداخل) صورة شخصية للشاعر، وصورة لأصابع أخرى (بشرية هذه المرة)، ممسكة عدسة مكبرة لتساعدها في التفتيش في خريطة ضخمة تضم آلاف النقاط، وبين الصورتين عبارة تقول: "دُوّنتْ هذه التجارب في غرفة مجهزة بالقرية الكونية، في الفترة من مطلع الألفية الثالثة، إلى نهاية عصر الورق". أما عبارة الإهداء فتقول: "إلى الهواء الفاسد، الذي أجبرني على فتح النافذة". والنافذة، أو جسر الخلاص من سوء التهوية، قد تكون نافذة حقيقية للإطلال والاكتشاف بشكل مباشر، وقد تكون نافذة إلكترونية (Window) للبحث الإلكتروني، تمامًا مثلما أن "200 محاولة عنكبوتية لاصطياد كائن منقرض" قد تكون محاولات للاصطياد المادي المباشر بمساعدة شبكة خيوط العنكبوت، وقد تكون محاولات افتراضية للاصطياد بالاستعانة بخطوط شبكة الإنترنت العنكبوتية، أي بالاستفادة من تقنيات العصر والملكات المتطورة للروبوت البائس، التائه بين ماضيه وحاضره، والمتشكك في مستقبله المرهون بعثوره على نيرمانا! كذلك، فإن "الأصابع الذكية" التي تطارد نيرمانا، قد تكون رامية إلى تحسسها مباشرة بحاسة اللمس، وقد يكون ذكاؤها الصناعي ـ الآلي ـ هو سر نجاحها في تحديد موقع نيرمانا.

ينقسم الكتاب إلى مائتي محاولة للبحث عن نيرمانا، حيث تظهر نيرمانا ـ بتيماتها المتعددة ـ في جميع المقاطع، جنبًا إلى جنب مع الأنا المتحدثة بلسان الإنسان الآلي. وقد تم ترقيم محاولات البحث من 1 إلى 200 كعناوين للمقاطع، وإلى جوار كل رقم صورة لمفتاح البحث الإلكتروني الشهير (SEARCH)، الذي يتم النقر عليه عند إجراء بحث إلكتروني على الإنترنت من خلال محرك ياهوو أو جوجل مثلاً. وهذا يوحي بأن الباحث (الروبوت) يستعمل كافة إمكاناته وطاقاته وخزائنه المعرفية من أجل محاولة الوصول إلى نيرمانا، تلك الشخصية "النونية"، متعددة الوجوه، التي تعني احتمالات تأويلية لا حصر لها، ..، الأنثى أوضحها بالتأكيد، لكنها الأنثى ذات الطبيعة الخاصة، كما تكشف مقاطع النص. يقول الشاعر (الإنسان الآلي، أو الإنسان الذي حوّله "عصر الأرقام والتحكم عن بعد" إلى آلة) في المقطع الأول من الكتاب (.SEARCH, 1):

"أقودُ سيارتي منذ عشر سنواتٍ

ببراعةٍ حَسَدَتْنِي عليها الطُّرقُ



المفاجأةُ التي عانَقَتْنِي

أنني فشلْتُ في اختبار القيادةِ،

الذي خَضعْتُ له خارج الوطنِ



الضابطُ أخبرني

أنني أطلْتُ النظرَ إلى المرآة

صَارحْتُهُ بأنني معذورٌ في الحقيقةِ

كانت نيرمانا جالسةً في المقعدِ الخلفيِّ!



رغم عدم حصولي على الرُّخْصَةِ

شَعرْتُ بسعادةٍ لا تُوصَفُ

لأنني تَمَرَّنْتُ على قيادة ذاتي

في المشاوير الاستثنائيّةِ"



إن فشله في قيادة السيارة وفقاً لقواعد المرور (السلطة) سببه الرئيس هو الظهور الأول لنيرمانا، ربة التمرد والفوضى المرغوبة، ونسف قوانين الحياة الجامدة، المنظمة لدرجة الرتابة. إن التطلع إلى نيرمانا هو التمرين الأول في حصة استعادة الذات وإمكانية ترويضها وقيادتها من جديد. لكن التطلع إلى نيرمانا (نونا) وفك شفرتها يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد، كما يقول في المقطع الخامس (.SEARCH, 5):

"لستُ بحاجةٍ إلى ارتيادِ الفضاءِ

بعد أن امْتَلَكْتُ أكثرَ من ألفِ فضائيّةٍ

في حجرة نومي

(ربما هذه الفضائياتُ هي التي امْتَلَكَتْنِي

وَأَسَرَتْ آدميَّتي بصورها المتلاحقةِ)



لا أزالُ بحاجةٍ إلى ارتيادِ "نونا"

والغوصِ في أنسجتها ببذلةِ الفضاءِ

بعد فشلِ الطَّبَقِ والدّيكودر

في التعامل مع إشاراتِها القريبةِ والقويّةِ"





وينوّع الشاعر، الروبوت، في استخدام أسماء نيرمانا حسب ما يقتضيه المقطع الشعري، وهي ذات معانٍ مستمدة من لغات وثقافات متعددة، فضلاً عن أنها أسماء أنثوية صارت تُستخدم في مصر والعالم العربي، فنيرمانا ـ مثلاً ـ هي أولى مراحل التجسد البشري الفيزيائي الملموس لبوذا عند البوذيين، ونيرفانا هي القيمة الروحية العليا لدى البوذيين أيضًا، وهي طريق الخلاص، والنور الداخلي، والخلود، والنجاة، وقمة الصفاء النفسي، و نيرمالا في الثقافة الهندية هي الفتاة الطيبة الشفافة، وناريمانا هي جميلة القوام، ونورينا ـ ونوريتا ـ هي المضيئة المشرقة (مشتقة من النور في اللغة العربية)، ونيرمينا هي الناعمة، ونونا ونون و(ن) هي دواة الحبر، وهي الحوت، وهي الفلك السابحة، وهي رمز التكوين، ودليل الأنوثة، ومبتدأ النور والنار. إن نيرمانا إذن ماثلة في كل الثقافات، مثلما هي حاضرة في كل العصور، وهذا ما يزيد من إصرار الباحث (الروبوت) على تتبعها من محطة إلى أخرى، عبر المكان وعبر الزمان. وحينما أخطأ الشاعر، الإنسان الآلي، ذات مرة في النقر على لوحة مفاتيح الكمبيوتر، فكتب "نورمال" (Normal) بدلاً من أحد أسماء "نيرمانا"، كان هذا المقطع العاشر (.0SEARCH, 1)، الذي يتجلى فيه الفرق بين نيرمانا وبين إناث الأرض، مثلما يتجلى الفرق بين الروبوت المتمرد (المتحدث) وبين سائر أفراد القطيع من المروَّضين المستسلمين الساكتين، يقول:

"لَمْ أكن محتفظًا بقدْرٍ كافٍ من التركيزِ

ربما بسبب آلام الظهرِ،

التي زادت حدَّتُها مع طول فترات الجلوسِ

في المكتب وفي المنزل

لذلك أخطأ إصبعي في نَقْرِهِ لوحةَ المفاتيحِ

كتبتُ "Normal" بدلاً من "Nirmala"

هنا ابتسم مُحَرِّكُ (Yahoo) بحنانٍ مفرطٍ

نساءُ الأرض كلهن زُرْنَنِي في تلك الليلة

طيورُ الزّينةِ كلها دَاعَبَتْ مُخِّي بلطْفٍ



كان أمرًا محرجًا حقًّا

أن أتثاءب عدة مراتٍ

بل أنام فعلاً

قبل أن أوزّعَ الحلوى على ضيوفي

مع أن الكَرَمَ من كروموزوماتي الوراثيّةِ!"





ومن خلال رحلات البحث عن نيرمانا، يرسم الشاعر ـ الروبوت ـ صورة بانورامية لذاته ولعصره في آن، ويضع يده على أبرز المستجدات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية الخ الخ التي قادت الإنسانية إلى هذا المصير البائس، حيث لا مكان للفرد في معمعة سحق الجموع، وحيث تتم ممارسة كل الأمور والشرور بحساب: الاحتلال والقتل بحساب، الإنتاج والاستهلاك بحساب، المواليد الجدد بحساب، التربية والتعليم والتثقيف بحساب، العمليات الحسابية نفسها بحساب، الخ الخ. يقول في (.131SEARCH, ):

"في آخرِ ليالي الحربِ القذرةِ

بدأ القصفُ الجوّيُّ هادئًا

ثم اشتدَّ فجأةً

الجيرانُ كلّهم

في شارعنا المزدحمِ

فرّوا إلى الخنادقِ الجماعيّةِ

بمجرّد استماعِهم لصفّارةِ الإنذارِ



أطفأْتُ أنوارَ المنزلِ بسرْعَةٍ

تسلّلْتُ وحدي من السلالِمِ الخلفيّةِ

قاصدًا خندقًا انفراديًّا

بَنَتْهُ نيرمانا خصيصًا لأجلي

في غفْلةٍ من عيونِ الغزاةِ البرابرةِ



مرّتْ ساعتانِ بسلامٍ

شعرْتُ خلالهما بأنني طائرٌ في قفصِ الحريّةِ

لَمْ أعلمْ ماذا حدث بالضبطِ بعد ذلك

لكن الأمر شبه المؤّكد

أن الصاروخَ الذكيّ

اخترقَ الخندقَ من فتحة التهويةِ

وَحَوَّلني إلى بقعةٍ حمراءَ على حائطِ المقاوَمةِ

مع أن قذيفةً صغيرةً مسيلةً للدموعِ

- أو حتى مسيلة للّعَابِ –

كانت كافيةً جدًّا

لإغراقي في بحرٍ عميقٍ

شديدِ الملوحةِ والوحشيّةِ"



وفي مثل هذه الأجواء الجافة القاسية، التي تتم فيها ترجمة كل عناصر الوجود، كل القيم والأخلاقيات، إلى حسابات وأسعار وأرقام، تمتزج رغبة الروبوت في الوصول إلى نيرمانا بالرغبة في مخالفة القوانين الخانقة، كل القوانين، حتى تلك القوانين التي ليست من صنع البشر، يقول في المقطع العشرين (.20SEARCH, ):

"تتمنّى ساعةُ القلبِ

لو تُخْطِئُ التوقيتَ مرةً واحدةً

فتدقّ دقّتينِ مثلاً

في تمامِ الواحدة!



هذا ليس معناهُ أنني أرغبُ في امرأتينِ

- حاشا -

الله يشهدُ أنني مصابٌ بالتُّخمَةِ من النّسَاءِ

كلّ ما في الأمر،

أنني أودُّ طَمْأَنَةَ نيرمانا

أن كواكبَ المجرّةِ، وإلكتروناتِ الذّرّةِ

من الممكنِ ألا تنتظمَ في دورانِها"



وتأتي علاقة الشاعر، الروبوت، بنيرمانا متذبذبة على مدار المقاطع كلها، فهو قد يتشكك في وجودها في بعض المقاطع، ويغلب عليه الظن أنها من بنات أفكاره، وقد يراها بوضوح مع الآخرين في مقاطع أخرى، وقد يراها وحده دون سواه، وقد تمكث معه فترة ثم تختفي، وقد يدرك آثارها أحيانًا ولا يدركها هي، وهكذا تبقى نيرمانا هي اللغز الأبدي الذي لا حل له، يقول عن نيرمانا في (.199SEARCH, ) الذي يرصد فيه ذوبان الحدود الفاصلة بين الدول والهويات في عصر العولمة:

"آثارُ أحذيةٍ على الرمالِ

تؤكّدُ أن الجنودَ مَرُّوا من هنا

في طريقِهِمْ إلى الحدودِ والأسلاكِ الشائكةِ

ربما لتأمينِها بأسلحَةِ الماضي

وربما لإزالتِها تمامًا

بأسلحةِ المستقْبَلِ



رمالُ نيرمانا وغبارُِها الذّرّيُّ،

فوق جِلْدِي وَجِلْدِ حذائي،

تؤكّدُ أنها اخْتَرَقَتْ حدودي وأسلاكي الشّائكةَ

عابرةً من مكانٍ ما

إلى مكانٍ ما"



وتتخذ نيرمانا صيغًا أقرب إلى المثالية أو اليوتوبية في بعض المقاطع، حيث لا تقبل أن توضع في برواز بشري، من قبيل إطار صورة فوتوغرافية ديجيتال، كما في (.6SEARCH, ):

"يَعرفُ الهاتفُ أنها هِيَ

فيخجل من حرارتهِ المرفوعةِ مؤقَّتًا

وينبض بحياةٍ

لا تتحمَّلُها أسلاكُ أعصابي



نيرفانا

"صباح الخير" من شَفَتَيْها كافيةٌ جدًّا لأتساءلَ:

"كيف سأتحمَّلُ رائحةَ البشرِ أمثالي

بعد أن غمرني عِطْرُ الملائكةِ؟!"



"تصبح على خيْرٍ" من عينَيْها صالحةٌ جدًّا

لزرع الفيروس اللذيذِ في عقلي الإلكترونيِّ الْمُنْهَكِ

وَمَحْوِ خلايايَ السليمةِ والتالفةِ



لماذا لَمْ تظهرْ نيرفانا

في الصورةِ الديجيتال التي الْتَقَطتُها لها؟

وهل حقًّا أنا عندي هاتفٌ؟!"



في حين ترتدي نيرمانا ما هو بشري خالص، وتدخل في جدل وصراع مع بطل النص في مقاطع أخرى، كما في المقطع الثاني بعد المائة (.102SEARCH, ):

"سألَتْنِي نيرما عن طقوسِ العشقِ المتداوَلَةِ

في كوكبي الترابيِّ الذي أَشْهَرَ إفلاسَهُ

قلتُ لها:

"هي ضرائبُ خاصةٌ جدًّا

يحسبها المرءُ بدقّةٍ متناهيةٍ

إذ تجبُ عليه 25 قُبلةً لصاحبتِهِ

عن كل ساعةٍ قضاها في سريرٍ آخرَ غير سريرها"



قالتْ لي بلهجةٍ ترابيّةٍ ناريّةٍ هوائيّةٍ مائيّةٍ

من داخلِ ناموسيّتِها الْمُحْكَمَةِ

بعد أن أحْدَثَتْ بها فتحةً كبيرةً

بحجْمِ ما تمزّقَ من حيائِها وحيائِي:

"لكَ عندي إذن 750 قُبلةً

إجمالي مستحقّاتِكَ من عواطفي الملتهبةِ

على مدار 30 يومًا"



وقد تبدر من نيرمانا، التي تطبعت بسمات البشر بعد استقرارها المؤقت على ظهر الأرض، السلوكيات غير المنطقية أو غير السديدة في بعض المقاطع. والمحصلة ـ دائمًا ـ في جميع محاولات البحث عن نيرمانا، أن دوام التواصل معها ـ حتى لو تم الوصول إليها ـ هو المستحيل بعينه، بغض النظر عن المتسبب في حدوث هذا الخلل في التواصل. يقول في (.151SEARCH, ):

"أحضرُ عادةً مسابقاتِ الجمالِ

للتأكُّدِ من أن الذي أبحثُ عنه ليس موجودًا



أحضرُ عروضَ الأزياءِ

للتأكُّد من أن العُرْيَ التامَّ لا يزالُ أفضلَ



أحضرُ جولاتِ المصارعةِ

للتأكّدِ من أنني الألَمُ الذي يفوق احتمالَ البشرِ



أحضرُ المناسباتِ العائليّةَ

للتأكد من أن هناك أيامًا

بطعمِ فصولِ السّنةِ الأربعةِ



أَحْضُرُ حَفْلاتِ توقيعِ نيرما كُتُبَها الجديدةَ

للتأكّدِ من أنني كتابُها القديمُ جدًّا!"



وفي النهاية، وبعد الدوران دورة شمسية كاملة، بعدد أيام السنة الميلادية، يتيقن الباحث أن اصطياد نيرمانا العارية، الحقيقة المجردة، هو بمثابة القبض على الدخان، ومع ذلك، فقد يكون الفشل المتكرر أو "أم الهزائم" هو نقطة البداية من جديد، مثلما أنه نقطة النهاية. يقول في المقطع الأخير من الكتاب (.200SEARCH, ):

"الجلبابُ الأخيرُ،

الذي نَزَعْتُهُ عن حبيبتي الْمُسَمّاةِ "نتيجة الحائطِ"

أصابَنِي بِأُمِّ الْهزائمِ

حيثُ ذَكّرنِي بـ365 يومًا من الفشلِ

حاوَلْتُ خلالها اصطيادَ نيرمانا العاريةِ"





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر