الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:33 م
ابحث ابحث عن:
ثقافة
المؤتمر نت - الصورة بريشة الفنان / على حسين

الإثنين, 08-مارس-2010
بقلم / علي حسين* -
صنعاء... وإن طال السفر
أخيرا وصلت إلى ارض التاريخ والبلاد السعيدة، لقد قرأت عنها كثيرا وكيف ارتبط اسمها في الذاكرة بقصة أصحاب الفيل الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم حين هجم أبرهة الحبشي على مكة محاولا هدم الكعبة، فأهلكه الله بطيور الأبابيل، ترمي جيشه الجرار بحجارة من سجيل، كما جاء ذكر الحق في سورة الفيل.
وطئت قدمي على أرضها فأحسست وكأني أمام ارض خرجت من بين الكتب والصور العتيقة، ذهبت برفقة اخونا أبو عبدالله كانت ارواحنا قد التقت في هموم العمل وظلم إدارته، وصلنا بحمدالله إلى مطار صنعاء العاصمة، وأخذنا بعدها سيارة الأجرة التي أقلتنا عبر الزحام إلى الفندق الصغير واتفقت مع أخونا بوعبدالله أن نقيل ساعة، ثم نأخذ غداءنا من أجود مطعم «مندي»، وبعد الساعة قمت ولم أجد صاحبي فاتصلت على هاتفه النقال فوجدته مغلقاً دوما، فجلست انتظره ببهو الفندق احتسي الشاي لوحدي وبعد زمن اطل صاحبي متقلبا بمشيته بادرني بابتسامته التي اخفت أشياء؟ فبادرته بابتسامتي التي اخفت عتبا؟ سارعت بسؤالي اليه: أين كنت، الم نتفق...؟ ولم أكمل العتب حتى أكمل: قلت أتمشى لاكتشف لك المكان فهناك أشياء تستحق التصوير والرسم، يا بوحسين اليمن متحف من الآثار قلت: لا بأس لكن المواعيد في السفر مهمة، حتى لا يختل برنامجنا ويضيع الوقت سدى بين الانتظار والعتب، هيا نبحث عن مطعم ابتسم ابوعبدالله مرة أخرى، فقلت مابك؟ بصراحة لقد جعت أثناء تجوالي ودخلت مطعما وأكلت فأجبته: إذن حكاية التمشي كانت لبطنك، وليس لاكتشاف المكان فعرفت أن صاحبنا «بوبطين» فرمقته بنظرة فرمقني بنظرتين؟ قلت هيا إذن نتمشى، فقال تعال لأدلك الطريق، مشينا في الشارع القريب من البنوك وأخذت المسافة اكثر من كيلوا متر، اقتربنا من زحمة الناس في الشارع وإذا ببوابة اليمن القديمة بلونها الأحمر المغبر أمامي، دخلنا إلى الداخل وإذا بالمنظر العام وكأني أوغلت إلى التاريخ الإسلامي الجميل فها هي البيوت القديمة والازقة الضيقة والمساجد المزخرفة، والناس بملابسهم التقليدية، التي لم تتغير ,أحسست إنني داخل لوحة فنان مستشرق خطت خطوطه وألوانه لمنظر للعمارة الجميلة، التي استخدمت أحجار الجبال فضلاً عن استخدام الآجر أو الطوب الأحمر المحروق... حيث اشتهرت صنعاء القديمة كما يذكر الكاتب احمد الصاوي بمنازلها المتعددة الطبقات، التي قد يصل عددها إلى سبع تبعاً للحالة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية لصاحب المنزل، ويستخدم الطابق الأول من منازل المدينة عادة كمخزن يتم فيه الاحتفاظ بالمواد الغذائية وسواها مما يحتاج إليه في الحياة المعيشية، بينما تخصص الطوابق الأخرى للسكن وفق نظام معين، ومن أهم العناصر في البيت اليمني ما يعرف باسم المفرج وهو عبارة عن قاعة فسيحة أشبه «بالمنضرة» يوجد في قمة المنزل من أعلى وفيه فتحات للتهوية والإضاءة ويستخدم المفرج كقاعة استقبال للزوار.

قلت لأبوعبدالله: هاهي صنعاء القديمة التي يعود تاريخها إلى سلالة سبأ من القرن السادس قبل الميلاد, كان اسمها أولاً، «أزال» فلما نزل بها الأحباش، ونظروا إلى مبانيها المشيدة بالحجارة قالوا هذه صنعة ومعناها بلسانهم حصينة فسميت لذلك باسم «صنعا» أو صنعاء كما تعرف اليوم، تعال لندخل أزقتها وأسواقها، فكل حجر هنا له حكاية ورواية... هز أبوعبدالله راسه مستجيبا، وأخذنا نلف المكان العتيق، تستوقفني زاوية ظل أو بيت جميل أو مسجد حافظ على طرازه المعماري، تم ذلك بفضل تعاون الدولة اليمنية مع المنظمات العالمية في الحفاظ عليه وعلى صنعاء القديمة، كإحدى أكثر العواصم العالم تميزا بطابعها المعماري الفريد، فقد أشار إليها الرحالة ابن بطوطة يوما بقوله: «صنعاء مدينة كبيرة حسنة العمارة... بناؤها بالياجور والجبس... كثيرة الأشجار والفواكه، معتدلة الهواء، طيبة الماء، مرصوفة طرقاتها بالحجارة، فإذا نزل المطر غسل جميع أزقتها وأنقاها».
جلست وابوعبدالله نلتقط الأنفاس في ساحة البوابة التي أعيد تجديدها غير مرة خلال العهود الإسلامية المختلفة، التي مر بها اليمن، ثم التفت إليه، فقلت له: إنني جائع منذ الصباح وعليك أن تدلني على مطعم طيب فقال: ابشر يا بوحسين!
خرجنا من البوابة فإذا المطعم الطيب على يميننا جلسنا فيه وحدنا، حتى أتانا صاحبه فرحب بنا وسألناه عما لديه فعدد أصنافه الكثيرة سألناه عن أجودها طهيا، قال الكل قلنا احضر ما خرج من الفرن لتوه فأخرج لنا «المولح» أولا، والذي لوحنا بطيب طعمه وجودته فهو الخبز الحار الكبير المحلّى بالسمسم والحبة السوداء، أكلته وأكل أبوعبدالله بعد تمنع كاذب؟ وإذا بالإطباق الطيبة الساخنة تنزل على الطاولة، فأكلناها معاً ولم نبق للصحن شيئاً يذكر؟
وبعد الأكل تثاقلت الخطى من التعب، عجزت أقدامنا على أن تحملنا ثانية إلى الفندق فاستوقفنا سيارة أجرة لتقلنا إليّ الفندق، وإذا بالمسافة لا تتعدى خمسين مترا، التفت اليّ أبوعبدالله الذي وجدته يضحك والتفت السائق الينا يضحك فقلت حسبي الله على الملوح أولا، وان جعلت أبوعبدالله دليلا سياحيا ثانيا.
عدنا إلى الفندق وبتنا الليل من أوله لحين ساعة أذان صلاة الفجر قمنا وأجسادنا من البرد ترتعد، فلم نتوقع برودة صنعاء صلينا جماعة، ثم عدنا إلى دفء الفراش حتى أصبح الصبح ننتظر ساعة انتصاف الشمس في حلق السماء، فمن اجل تلك الساعة خرجت اقصد الظل الساكن، الذي تراه ينعدم في وقت معلوم لمسته في ساعة الذورة، حين تعامدت الشمس على رؤوسنا، نبحث عن ظلنا فلا نجد له اثراً وكأنه اختفى تحت أقدامنا.

* كاتب وفنان تشكيلي
[email protected]
* نقلاً عن صحيفة الرأي الكويتية




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر