المؤتمرنت- عبدالملك الفهيدي -
تريم.. مقام الولاء لله والوطن والوحدة
بهدوء مدهش وإبتسامة نابعة من القلب وبلغة الدان الحضرمي وقلوب نقية كنقاء عسل دوعن، وتسامح قل أن يتوافر في أماكن أخرى.. وبنور الوسطية المرتسم على وجوه الفقهاء والعلماء تستقبلك عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2010م مدينة تريم الغناء وجنة الدنيا .
يسير بك الوقت صوب تريم فتعود بك الذاكرة إلى هويتك اليمنية الأولى إلى عهود سبأ وحمير و"قيساً بأعلى حضرموت اليمانيا"،ويظهر امروء القيس أمام ناظريك وهو ينشد شعراً " دمون إنًَّا معشر يمانون وإننا لأهلنا محبون".
ومع أول خطوة تطأ قدماك فيها مدينة تريم تبدأ رحلة تمتزج فيها المعاني العديدة الإيمانية الروحانية والثقافية العلمية، والسياحية الإبداعية، والمعاني التاريخية بمعاني الوطنية والوحدوية التي تجسد الهوية اليمنية في أنصع صورها .
أصوات ( الله أكبر ) التي تعلو عند كل صلاة من مآذن تريم ليست مجرد آذان أو دعوة للناس لأداء فريضة الصلاة، بل هي تجسيد حقيقي لمعاني التسامح والمحبة والخير، وانعكاس واضح المعالم لدور اليمن عامة وتريم على وجه الخصوص في نشر الإسلام .
روحانية المكان بما يحويه .. والزمان بماضيه وحاضره يتدفقان على روح الزائر لتريم فيجد نفسه في مقام التطهر من أدران وخطايا الحياة تاركاً وراءه كل هموم الدنيا يتلو ما تيسر من آيات الخشوع لخالق هذا الكون، ويرتل قصائد العشق والوله اللامتناهي في حب الدين .. والوحدة .. والإنسانية .
تريم المنازل .. والمساجد.. والمآذن .. والأربطة ودور العلم، والقصور الطينية تعكس في أشكالها الخارجية إبداعاً فنياً ومعمارياً يمنياً متفرداً، لكنها من الداخل تجسد تاريخاً سطره اليمانيون في الذود عن دين الإسلام، ونشره في أصقاع المعمورة، وحاضراً متواصلاً لذلك التاريخ.
داخل أروقة المساجد في تريم لا تتجسد الوحدة الوطنية في أبهى صورها فحسب، بل الوحدة الإسلامية التي تعكسها وجوه المصلين وطلاب العلم القادمين من بقاع كثيرة في العالم جميعهم ينهلون من علماء وفقهاء تريم شتى العلوم الدينية، ويرتلون آيات القرآن الكريم بلغة واحدة رغم اختلاف جنسياتهم وألوانهم وأشكالهم، ويرسمون لوحة الوحدة في مشهد لا مثيل له .
وفي أربطة ودور العلم في تريم مشهد لا يمكن للزائر تجاوزه حين يجد صورة المليار مسلم قد اجتمعت بين أروقة وأعمدة وأربطة تريم الدينية، وحين يدهش بذلك التوحد الديني لطلاب العلم من إندونيسيا وماليزيا واليمن ودول الخليج، وأوروبا وكندا، شخوص تتنوع أعراقهم وأجناسهم، وتتعدد لغاتهم ولهجاتهم، وتوحدهم تريم بدين واحد هو الإسلام، ولغة واحدة هي لغة القرآن الكريم، ومبادئ وأخلاق وقيم واحدة هي قيم المحبة والتسامح والخير.
ولا تكتفي تريم المدينة والناس بتجسيد الوحدة الوطنية فحسب، بل تزيد على ذلك بالتغني والفخر بعظمة وحدة اليمن التي أعيد تحقيقها في 22 مايو 1990م ليعود لتريم ألقها، ودورها الثقافي والديني الإسلامي الذي كانت الشمولية ( سحلته ) وحاولت إلغائه بثقافة شمولية تلغي التنوع والتعدد وتحاول حصره في بوتقة واحدة هي ثقافة الحزب الواحد، والفكر الواحد .
حين تسأل أبناء تريم عن ماذا حققته الوحدة لمدينتهم يجيبون الوحدة بالنسبة لتريم لم تكن هي خير التنمية.. والمشاريع والخدمات والتعليم، والصحة والمياه، وغيرها فحسب، بل الأعظم من ذلك أنها أعادت لتريم دورها الثقافي والعلمي والفكري، وأعادت لأبنائها هويتهم التي عانت من حكم الشمولية، ويكفي أن تقول إن الوحدة أعادت لتريم الروح .
تريم ليست مجرد مدينة بل هي جزء من تاريخ اليمن تختزل بين جنباتها التاريخ والحضارة والعمارة والفن والإبداع والعلم والثقافة ،وزيارة تريم ليست مجرد زيارة بل هي رحلة تُمطر الروح بتراتيل الايمان،وتشجي القلب بأنغام الدان ،وحين تودع تريم لا تملك الا القول شكراً تريم شكراً لمدينة يصبح فيها الدان تسبيحاً لله وأغنية حب للوطن والوحدة .