-
اليمن بخير
ليست المرة الأولى التي تمر فيها بلادنا اليمن بظروف تثير بعض القلق في نفوس أبناء اليمن ومحبيها من الأشقاء والأصدقاء، الذين يضعون أياديهم على قلوبهم كلما طرأ طارئ يتهدد اليمن بما هي عليه حاضنة التاريخ المشرق ووطن العرب الأول ومهد الإشراقات الإنسانية وولادة القيم والمبادرات الحضارية على مر العصور
وإذا ما أردنا الاستشهاد على هذه الحقيقة فقد لا نتوقف عند كارثة الطوفان كبداية، وقد لا نقف عند ما شهده ويشهده الوطن من أعمال تمرد وتخريب، ودعاوى تمزيق وفوضى تؤجج الفتن وتشعل فتائل العنف والإرهاب والعبث، وبين شاهدي البداية والنهاية منعطفات وأحداث وحوادث تجرع فيها الشعب اليمني مرارات الكوارث الطبيعية والمصطنعة، من الأطماع الخارجية إلى النكسات الداخلية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الأحداث التي أوصلت أبناء هذا الوطن إلى الاقتتال أحياناً
على أن التاريخ المعاصر يطالعنا بمنعطفات أوصلت معاناة اليمن واليمنيين ذروتها حينما تكالبت على هذه البلاد وأهلها أعتى قوى الشر متمثلة في مستعمر غاشم ومستبد رجعي متخلف، وبين هاتين القوتين أذيال وطامعون وعملاء وخونة ومرتزقة، غير أن شعب اليمن الحر انتفض من بين كل هذا السواد لينتصر لنفسه وقيمه وتاريخه، فدحر المستعمر وأطاح بعروش الطغيان، في ثورة انبثقت فكرتها مطلع أربعينيات القرن العشرين، وانطلقت أولى طلقاتها عام 1948م لتستقر في رأس الطاغية المستبد، وتوالت أحداثها إلى تحقيق انتصارها الأول في 26 سبتمبر 1962م ليمتد الكفاح إلى 14 أكتوبر 1963م ثم تحقيق الاستقلال الناجز لجنوب الوطن في 30 نوفمبر 1967م.
ومثلما لم يتوقف الشر وأعوانه عن مد يد الأذى إلى هذا الوطن، كذلك لم تتوقف الثورة، بل امتدت وتجددت لتواجه كل جديد يأتي من زاوية الشر وجحور العدوان، فواجهت العواصف والعثرات والمؤامرات والعقبات والمكائد التي حفرت الأخاديد وأشعلت الحرائق في أكثر من مكان وزمان، لكن أماكن وأزمنة اليمنيين ضمدت الجراحات وفاجأت أزمنة التمزق والصراعات بإشراقة وحدوية يمانية صنعها رجال اليمن في 22 مايو 1990م فكانت رسالة خالدة حازمة وجازمة أن اليمن بخير وستظل بخير مهما كبرت وتعددت معاناتها، وأن اليمنيين قادرون على الانبعاث أقوياء أسوياء تحت أي ظرف .
وكلا: لم تكن إعادة تحقيق وحدة اليمن في 22 مايو 1990م هي الرسالة الوحيدة أو الشاهد الوحيد على قدرة واستعداد اليمن واليمنيين للحضور القوي والفاعل حتى في خضم أعتى العواصف، بل إن تزامن هذا المنجز مع المشروع الديمقراطي الكبير ليؤكد أن أبناء سبأ وحمير ومعين وقتبان وحضرموت وريدان عندما ينبعثون لا يتوقفون عند تضميد الجراح، بل يتجاوزون ذلك إلى السير بقوة نحو القادم المشرق من الزمن ومتغيرات الحياة وآفاق التقدم والحضارة والرقي .
وحتى في خضم المعترك التنموي والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم يتوقف اليمنيون عند مشاكلهم ومعتركاتهم، بل كانت اليمن حاضرة ومبادرة لتبني ومناصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية في فلسطين ولبنان والكويت والعراق والصومال وغيرها، كما كانت ولا تزال حاضرة من خلال مبادراتها ومشاريعها السياسية التي أثمرت انتظام القمم العربية، واتحاد البرلمانيين العرب، ولا يزال الحضور اليمني يتصدر طموحات كل العرب في تحقيق اتحاد عربي فاعل يتبنى قضايا الأمة ويدافع عن سيادتها وكرامتها ومصالحها..
وإذا كانت بعض مبادرات وإسهامات اليمن في تبني كثير من قضايا الأمة في كثير من أقطارنا العربية والإسلامية قد أثمرت نجاحات تؤكد صوابيتها وأصالتها جميعها فإن البعض الآخر من المبادرات اليمنية لم تجد استجابة أو دعماً من الأشقاء والأصدقاء وقد تأكد للجميع أن الجميع كانوا بحاجة للتعاطي الإيجابي مع تلك المبادرات، ومنها – على سبيل المثال لا الحصر – دعوات اليمن إلى لملمة الصف اللبناني وبناء الدولة في الصومال ومكافحة الإرهاب والتطرف الذي كانت اليمن أول من بدأ مواجهة آفته التي يئن منها الجميع اليوم، كما يعض كثيرون أصابع الندم على إهمال بلد كالصومال التي غدت حاضنة التطرف والجريمة وهو ما حذرت منه اليمن مراراً وتكراراً .
ثم كلا: لسنا هنا بصدد سرد تاريخ اليمن الذي نعلم – كما يعلم غيرنا – أنه أكبر وأعظم وأنقى من أن تختزله الصحف والكتب، لكننا نقتطف شذرات من الشواهد التي نؤكد من خلالها أن ما قاله فخامة الرئيس القائد علي عبدالله صالح ويقوله دوماً ليس مجرد مفردة أو جملة أو شعار للاستهلاك الإعلامي والسياسي، بل حقيقة تاريخية حاضرة في كل أزمنة اليمن، مفادها أن اليمن بخير وسيظل بخير مهما زايد المزايدون وهول المهولون.
إذاً فليطمئن كل من يجتاحه قلق المحب، وليثق كل من يساوره شك، وليتأكد كل من يراوده وسواس أن اليمن ستظل بخير وازدهار وتقدم حتى في قلب العواصف التي لا تقوى على اقتلاع إرادة يمنية أصلها ثابت وفرعها في السماء.
* المحرر السياسي