د/ سعاد سالم السبع -
أستاذي: يحيى الدرة ..لن أنساك؟!
رحم الله الأستاذ / يحيى الدرة فقد ترك فراغا كبيرا في وجدان الناس ، وربما هو الإعلامي الوحيد الذي يعرفه كل أفراد الشعب اليمني حتى الأطفال، وتنتظره النساء في الريف قبل المدينة لسماع توجيهاته الدينية من خلال برامجه الدينية ، الحزن كبير على افتقاده، لكن عزاءنا فيما تركه من أعمال طيبة تجعل كل من يعرفه يترحم عليه، لقد ترك رصيدا كبيرا من الصدقات الجارية، وهذه الصدقات تمثلت في علمه الذي انتفع به البسطاء والأميون قبل المتعلمين، وفي حسن معاملته لكل الناس .
تربطني بالقاضي يحيى الدرة علاقة قديمة لا يعرفها كثير من الناس؛ فقد عرفته في الثمانينيات في إذاعة صنعاء حينما كنت أعد برنامج ( ركن الأسرة) ، وكنت أشعر بحنان الأب لديه منذ دخولي الإذاعة، فقد كان يشعرني بأنه حريص علي ، وحاضر لأية مساعدة على مستوى الفتوى وعلى مستوى المعاملات الإدارية وعلى مستوى تعريفي بطبيعة العمل الإعلامي في تلك الأيام، وكنت أشعر بالأمان حينما أجده أمامي في الإذاعة لأنني كنت حينها قليلة الخبرة في مجال الإعلام، لم أشعر طوال تعاملي معه إلا بيسر الدين، وسهولة المعاملة بينه وبين المرأة، فقد كان نقي السريرة ، وواضح الخطاب، ومتواضعا، لم أجد في كلامه ما أجده لدى بعض المتفقهين من شطحات، كنت أشعر أنه رجل عادي يعيش الحياة بكل تفاصيلها بروح المسلم البسيط الذي يؤمن أن الدين الإسلامي دين الحياة بأخلاق راقية، حتى في لغته لم يكن متكلفا حينما يقدم النصيحة أو الفتوى ، فقد كان لديه أسلوب شعبي مقنع يطرح الفتوى ويربطها بحياة طالب الفتوى مهما كان مستواه...هكذا عرفت الأستاذ يحيى الدرة.
لم يكن ينظر إلى المرأة نظرة الشك والريبة، ولم يكن يعاملها إلا على أنها أخته أو ابنته، حتى خطابه للعاملات في الإذاعة كان يردد ( يا بنتي) بعد كل عبارة يوجهها لمن تخاطبه، لم تكن لديه عقد المتشددين مع المرأة، ولا أسلوب الطامعين بشيء غير إرضاء ضميره الإنساني.
أذكر أنه كان يلاحظني أقطع الطريق بين منزلي والإذاعة مشيا على الأقدام في شارع الزراعة يوميا، فكان حينما يلاقيني في الطريق بسيارته يقف، ويناديني :( اطلعي يا بنتي شمس عليش) ، وكنت لا أجد حرجا من أن أصل معه إلى الإذاعة لأنه كان فوق الشبهات، وقد تعود يوميا أن يصل إلى حيث يجدني ويطلق صوته الحنون: (اطلعي يا بنتي شرَق) - بمعنى لم يعد هناك وقت- ولأنني كنت ملثمة، ولأنه كان عفيفا لا يركز في تفاصيل المرأة، فقد وقع ذات مرة في موقف محرج، إذ وجه النداء لفتاة وجدها في نفس المكان والوقت الذي تعود أن يجدني فيه ، وكانت هي ملثمة ، فظنها إياي، وناداها كما يناديني ، ولكنه سمع منها ما لم يكن يتوقعه، وكنت يومها قد سبقته للإذاعة ، فجاء غاضبا وحزينا يعاتبني بلهجة الحزم الأبوي حتى شعرت بالخوف من غضبه لأنني لم اعرفه غاضبا ولا عابسا، وعاتبني بقوله: لماذا فعلت بي هكذا؟ لقد تلقيت شتيمة مذيلة باسمي الشخصي اليوم بسببك..
تصلبت أمامه من الخجل، ولم أعرف كيف أعتذر له حينها، ومنذ ذلك الحادث لم يعد يقف لي إلا إذا ناديته أنا ....
رحم الله شيخنا وأستاذنا يحيى الدرة فقد كان نموذجا وسطيا في تعامله الشرعي مع كل الموضوعات، وبخاصة موضوع المرأة