جميـل الجعـدبي -
لماذا تجاهلت (الجزيرة) مبادرة اليمن في قمة سرت.؟
اغلب الظن أنها فعلت ذلك من منظور مهني بحت ، بعد ترتيب كلمات القادة العرب من حيث الأهم فالمهم فبدى لها في قيام (اتحاد عربي لمواجهة الصلف الصهيوني العدو التاريخي للأمة العربية والإسلامية ) قفزا على الواقع، حتى لو لامس المشروع المقدم من اليمن أحلام وطموحات الشارع العربي وهتف مشائخ الجماهيرية الليبية في قاعة القمة عقب كلمة الرئيس / على عبدالله صالح ..(شعب عربي واحد .. ).
سؤال تبادر إلى ذهني ومعظم المتابعين أمس الأول لجلسات وأعمال الدورة الثانية والعشرين للقمة العربية للقادة العرب المنعقدة في مدينة سرت الليبية خلال الفترة 27-28 مارس الجاري، وقبل البحث عن إجابته لابد من الإشارة إلى أن النقاش هنا يقتصر على التوجه السياسي لقناة عربية قومية، وجبهة فضائية نلتف حولها وتلهب مشاعرنا عند كل كارثة عربية، ومن يمولها ويقف وراءها، وهو حق مكفول لأصحابه ، وليس استقلالية وحيادية ومهنية العاملين فيها بما فيهم زملاؤنا في مكتب صنعاء مراد هاشم وأحمد الشلفي وكافة أفراد الطاقم.
وأنا استمع إلى كلمة رئيس الجمهورية في القمة العربية وتحديدا حديثه عن الصلف الصهيوني، والغطرسة الصهيونية ، واستمرار الكيان الصهيوني في عمليات الاستيطان ورفضه الامتثال لقرارات الشرعية الدولية،وضرورة قيام اتحاد عربي لمواجهة العدو التاريخي للأمة العربية والاسلامية... قلت في نفسي :((ياالله سترك .. احنا مش ناقصين نغضب احد ، والجزيرة ستفتح علينا طاقة جهنم باثارة هذه القضية..)) كمبررات واقعية تستدعي قيام قوة او تكتل عربي ،ليس بالضرورة أن تكون اليمن صاحبة الحق الفكري لقيام مثل هذا الاتحاد، ولسنا فرحين في اليمن بكون المقترح والمبادرة يمنية بقدر ما سيسعدنا ذلك عند تحققها على أرض الواقع، حتى لو لم تر (الجزيرة) في تعالي الأصوات..ومن قاعة القمة..ولأول مرة ( شعب عربي واحد ) ما يستحق الإشارة في تناولاتها، ولو من باب إسقاط الواجب، لروح الانتماء ،من منظور التوجهات السياسية، والإثارة من منظور مهنى بحت ..!
وأسوأ الظنون أن مايمكن تسميته بالجناح السياسي لقناة الجزيرة رأى أن المهم في كلمة اليمن التي القاها الرئيس علي عبد الله صالح – رئيس الجمهورية اليمنية – هو درء التهمة ،من تلميحات رئيس الجمهورية حينما أشار إلى أن بعض وسائل الإعلام تضخم الأحداث في اليمن وافترض (أن تكون وسائل الإعلام مهنية قبل ان تكون مُسيَسة) ، مؤكداً في سياق كلمته لأشقائه الزعماء والأمراء والملوك العرب ومطمئناً لهم باستقرار الأوضاع في اليمن، وهو المقطع الذي بثته قناة الجزيرة في مقدمة خبرها " إصابة 5 في تشييع جنازة أحد ضحايا الحراك الجنوبي في اليمن ".
مشيرة في مستهل الخبر القصير إلى أن ذلك يأتي في وقت يقول الرئيس صالح أن الأوضاع في بلاده مُستقره (بتشديد الراء والقاف ).!
فقناة الجزيرة قناة مستقلة، حرة ، لم تختلق الحادثة ، سواء كان التناول موضوعي ام ذا بعد تأجيجي ،وليس مهما لديها ان تكون هناك رواية اخرى للخبر ،لانها ليست الفضائية اليمنية، فالمهم هنا بالنسبة لها هو (درء التهمة ) ، ولو أدى ذلك لإشهار مايبدو انها خصومة سياسية وانتقام من شخص الرئيس ،باستحضار مشاهد لاحتجاجات توحي باضطرابات وعدم استقرار، بما في ذلك من قسوة على أكثر من 20 مليون يمني ليس من طبعهم إنكار المعروف ولا الإساءة لمن يحبون ، ويحلمون فقط باستقرار الأمن في بعض مديريات بلادهم. !
وقياساً بأيام الحرب في صعدة ، وملاحقة عناصر القاعدة،واختلاط أعمال العنف بمسيرات الحراك خلال السبعة الأشهر الماضية التي أشار إليها الرئيس في كلمة اليمن بقمة (سرت)، إضافة إلى المعالجات السياسية عبر اللجان المشكلة ، وفتح ابواب التواصل المستمر بين قيادات الدولة والأطراف المتسببة في إقلاق السكينة العامة ، ومانتج عن ذلك من إيقاف للحرب في صعدة ،وإزالة لأعلام التشطير وشعارات الانفصال في بعض مناطق التوتر في الجنوب ، كلها معطيات تؤكد استقرار الأمن في اليمن ، وبات من الواجب طمأنة من انتابتهم مشاعر القلق على اليمن من الأشقاء والأصدقاء خلال الفترة الماضية، وانطلاقا من تلك المعطيات جاءت كلمة اليمن صريحة وواضحة ،لاتخلو من الشجاعة والمكاشفة العلنية، فلم تقلل من الأحداث الأخيرة ، ولم تبالغ في جدوى المعالجات المتخذة ، والتي حققت حفظ السكينة واستقرار الأمن في مناطق الأحداث، وهو ما أكد عليه الرئيس خلال طمأنته القادة العرب، وتجلى هذا الوضوح والشجاعة في اندهاش رئيس القمة وثنائه على قدرة اليمن البقاء وسط العواصف ، في تعقيبه على كلمة اليمن.
وإذا كانت المعالجات التي أشارت إليها كلمة الرئيس في القمة ، بنزول اللجان والمسئولين لبعض مديريات المحافظات الجنوبية للحوار مع عناصر الحراك لمعالجة مخلفات حرب 1994م ومخلفات الاستعمار ، بما تضمنه حديث الرئيس من اعتراف ضمني بمسمى (القضية الجنوبية ). لم يثر اهتمام (قناة الجزيرة) ، فان ما يجب أن يدركه الجميع بأن رئيس الجمهورية حينما يؤكد على استقرار الأوضاع في اليمن ، وفي محفل دولي كالقمة العربية إنما يعد ذلك جزء من مسارات أخرى عديدة لمواجهة مشاكل اليمن بشكل عام ، فتأكيد استقرار الأمن في اليمن في محفل دولي كهذا ، وبلسان المسئول الأول عن البلاد ، سيعنى لاشك إزالة جزء من الصورة القاتمة التي رسمت لليمن خلال الأشهر الماضية ، وسيعني جذب المزيد من المشاريع الاستثمارية ، واستقطاب العديد من الأفواج السياحية، وبالتالي الإسهام في إنعاش الاقتصاد الوطني وإدارة عجلة التنمية، ولما من شأنه توفير عدد من فرص العمل للشباب العاطلين في مديريات صعدة، ويافع ،وإشغالهم بالبناء والإنتاج والأعمار ، ولن يجد حينها زعماء الحراك من يؤنس مجالسهم ،كما لن تجد وسائل الإعلام حينها ما تؤججه ..!
ولذلك فالجزيرة -وفقا لمعايير استتباب الأمن والاستقرار لديها- ترى أن الأمن في اليمن غير مستقر ، والحقيقة إن الأوضاع في المنطقة العربية كلها متوترة وغير مستقرة وليس في اليمن فقط . فالعالم العربي منذ هزيمة 1967م يعيش انهيارات سياسية متوالية ، والأوضاع غير مستقرة منذ اشتد الصراع على الشرق الأوسط عقب سقوط الاتحاد السوفيتي ، ومنذ تدمير لبنان بحرب أهلية ، وتجميد سوريا باحتلال الجولان، ومنذ احتلال العراق ، فلا حاجة اذا -والأوضاع غير مستقرة هكذا- للاهتمام بصيغة متطورة من الاندماج العربي والالتحام كـ(مبادرة اليمن المقدمة للقمة) تخرجهم من طائلة التمزق والشتات ..!
وحتى لو جاءت مبادرة اليمن مجردة من اى دوافع ،أو أغراض ، سوى الرغبة في إنقاذ الهوية والوجود ،ومواجهة العدو التاريخي ، فان الأمر ليس ذا أهمية طالما والأمن ووفقا -لمقياس الجزيرة - غير مستقـر في معظم الدول العربية بما فيها دولة قطر الشقيقة .. !! وما الحاجة إذا لبقاء قرابة 5 آلاف جندي أمريكي يتوزعون على قاعدة (العيديد) ومعسكر (السيليه) لو كان الأمن في قطر مُستـقـراً (بتشديد الكل ).!؟
[email protected]