المؤتمر نت - إتصال -
مقاهي الإنترنت في اليمن تفتقد روادها
شهدت خدمة المعلومات وتقنية الاتصالات نقلة كبيرة في اليمن ابتداء من عام 1992 إثر ظـهور خدمات الهاتف المحمول التي تستخدم نظام الـGSM، والتي تبعها قيام الشركة اليمنية للاتصالات الدولية تيليمين، (مؤسسة مختلطة بين الحكومة وشركة كيبل أند وايرلس البريطانية) بإدخال خدمة الإنترنت التي بقيت من غير منافس حتى مطلع عام 2002، الذي شهد قيام المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية بتأسيس خدمة يمن نت التي أدت إلى انتشار مقاهي الإنترنت في عموم محافظات البلاد، وتحديدًا في عواصم المدن الكبيرة مثل صنعاء التي زاد عدد المقاهي فيها على الألف، فضلاً عن عدن، وتعز، وإب وذمار وغيرها. وكان أحد أسباب سرعة انتشار هذه المقاهي هو ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن اليمني لاقتناء حاسوب في منزله، وكذلك لتسديد رسوم اشتراك الإنترنت الشهرية التي كانت مرتفعة السعر قبل ظهور خدمة يمن نت المجانية.
ولتعزيز ثقافة الإنترنت بادرت الحكومة إلى توفير خدمة الإنترنت منزليًا لجميع المواطنين، وبخاصة موظفو القطاع العام منهم كخطوة أولى، وذلك من خلال بيع أجهزة الحاسوب للموظفين بنظام القسط الشهري البسيط الذي لا يؤثر في دخل الأسرة، وكذلك خفض رسوم اشتراك الإنترنت بحيث يدفع المشترك مبلغًا وقدره 5000 ريال يمني مرة واحدة عند إدخال هذه الخدمة إلى المنزل. وبين المنازل والمقاهي تتحول الإنترنت إلى قضية تتمحور حولها كل التوجهات الثقافية داخل المجتمع اليمني الذي يتكون بمعظمه من فئة الشباب دون الخامسة عشرة وهم الشريحة المثلى التي يتكون منها مرتادو مقاهي الإنترنت، وبنسبة تصل إلى 40٪ تقريبًا من مجموع عدد طلاب الجامعات.
وتعتبر نسبة الذكور أكثر من الإناث لأسباب دينية وتقليدية، ولعدم تخصيص محلات للفتيات، وكذلك لأن نسبة المتعلمين من الذكور تفوق بكثير النسبة من الإناث. ومع ذلك صار من الطبيعي أن تجلس مستخدمة الإنترنت بجانب المستخدم لا يفصلهما سوى الحاسوب.
وعند التعرف على طبيعة استخدام البريد الإلكتروني لدى العينة المستخدمة له وهي 61٪، نجد أن نسبة 19٪ تستخدمه في الأخبار والمعلومات، بينما الكثرة الغالبة 67٪ تستخدمه لأغراض شخصية بحتة، بينما مجالات العمل لا تتعدى 10٪ فقط. والاستخدامات الشخصية للبريد الإلكتروني 67٪ مصطلح واسع يشمل جوانب شخصية واجتماعية كالتواصل مع الزملاء والأقارب، ويشمل جوانب شخصية خاصة بالمستخدمة كمراسلات تقدمها العديد من المواقع عبر البريد الإلكتروني.
وتقوم الجهات المختصة في وزارة المواصلات وتقنية المعلومات بدورها في الرقابة وفرض الضوابط التي تجدها مناسبة وفعالة أولاً بأول، وقد تم في الآونة الأخيرة وضع ضوابط جديدة تجاه مقاهي الإنترنت، ساهمت في الحد من تدفق المرتادين السابقين، وحسّنت من نوعية المستخدمين، وبدلاً من العمل على فلترة المواقع اللاأخلاقية تمت فلترة زبائن تلك المقاهي. وأدت هذه الضوابط إلى إغلاق كثير من المقاهي أبوابها بعد انحسار عدد الزبائن، وبخاصة تلك التي كانت مشهورة بزبائن المواقع الإباحية. وتمثلت الضوابط الجديدة في إزالة جميع الحواجز بين أجهزة الحاسوب، وجعل اتجاه الشاشات إلى الخارج بحيث يشاهدها الجميع ومنع الصالات المغلقة وما إلى ذلك.
ورغم أن هذه الضوابط أضرّت بعدد من مالكي مقاهي الإنترنت، فإن الكثيرين يرون ضرورتها ويعتقدون أنها جاءت متأخرة. وحسب محمد أحمد جباري مالك مقهى الإمبراطور فإن هذه الإجراءات وإن جاءت متأخرة إلا أنها تساعد على الحد من دخول المواقع الإباحية، وكان من المفترض اتخاذها منذ البداية حتى تستوعب المؤسسة المسؤولة أكبر عدد من مستثمري الإنترنت، وبالتالي الاستفادة من رسوم الاشتراك.
ويبدو أن هذه الخطوة قد تفاوتت تأثيراتها بين المقاهي التي كانت تقدم خدمة جيدة ما زالت تعمل بالوتيرة السابقة نفسها ولم تتأثر. أما تلك التي كان زبائنها من النوع الذي يبحث عن المواقع اللاأخلاقية، فقد أغلقت أبوابها بعد أن انقطع عنها الزبائن.
ويعلق أحد مرتادي تلك المقاهي بأن هذه الإجراءات تعسفية تجاه المجتمع قبل الفرد لأنها تعامل المواطنين كما لو كانوا أطفالاً لا يعرفون ما يضرهم أو ينفعهم، وهي تقلل عدد المستخدمين بسبب الجو المحيط والمتطفلين الذين يحومون خلفهم. كما أنها قد تضيق من حظ الفتاة في العمل على الإنترنت بعد إزالة الحواجز، فالمعروف أن المجتمع اليمني مجتمع محافظ، ولا يمكن للفتاة أن تعرض رسائلها وأسرارها أمام الملأ. فإزالة الحواجز قد تكون أهون من مسألة توجيه الشاشة إلى الخارج، حيث يتحرج كثير من المستخدمين من فتح بعض الملفات التي تحوي على سبيل المثال صور عائلاتهم أو رسائل خاصة.
ولعل ذلك ما رمى إليه محمد الكراز حينما أكد أن هذه الإجراءات منعت الاستخدام السيئ، لكنها في الوقت نفسه قللت حرية المستخدم في الاحتفاظ بما يخصه وعدم كشفه على الملأ، فالوزارة لم تراع الخصوصية هنا.
فالمستخدم الذي يشعر بأن هناك أعينًا تراقبه يحس بحرج شديد، وهو ما دفع بعدد كبير من مرتادي هذه المقاهي إلى تقليل زياراتهم إليها بعد تلك الإجراءات لشعورهم بانتهاك خصوصياتهم. ورغم أنهم ليس لديهم ما يخشونه فإنهم لا يحبون أن تتابعهم أعين الفضوليين الذين يراقبون نشاطهم على شاشات الحاسوب.
وقد عزا مدير عام الإنترنت في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات عامر هزاع أسباب اللجوء إلى هذه الإجراءات الجديدة للحد من الاستخدام السيئ لخدمة الإنترنت ولحماية المجتمع مما قد يفسد أخلاقه.
المؤتمر نت - إتصال - حسين الشامي