د/عبدالعزيز المقالح -
الوحدة بمنطق العقل والحكمة
أعتقد أن صديقي وزميلي العزيز الأستاذ عبد الصمد القليسي لا يمانع في أن استضيف عموده الأسبوعي المنشور في عدد الخميس من صحيفة 26 سبتمبر بتاريخ 20 مايو الجاري، فقد ترك أثراً عميقاً في نفسي، وما هو أكثر، في نفوس كل الذين قرأوه، نظراً لما حملته سطوره من رؤية وحدوية ناصعة بعيدة عن الصخب الإنشائي، ولاعتماد تلك السطور على مقارنة واقعية ذكية شدت إليها انتباه كثير من العقلاء في هذا الوطن الذي لا يُخشى عليه من شيء كما يُخشى على الغالبية من أبنائه أن تفقد توازنها وتنساق وراء طبول يدقها الأعداء من بعيد ليرقص عليها البسطاء الطيبون وهم في طريقهم إلى الهاوية التي لن تستقبلهم وحدهم وإنما سيجرون إليها الوطن بأكمله . علماً بأن هذا الوطن قد شهد في تاريخه الحديث ما يكفي من محن وحروب وانقسامات . وهذا هو عمود الصديق عبد الصمد وعنوانه (العقل والجنون):
"في بداية هذا الأسبوع بثت إحدى الفضائيات العربية أثناء نشرتها الإخبارية صوراً لمسيرات جماهيرية في العاصمة البلجيكية بروكسل، وقد كانت مسيرات مناهضة للدعوات الانفصالية التي بدأت ملامحها تنذر على شكل صراع بين الثقافتين الهولندية والفرنسية، فالتركيبة السكانية للشعب البلجيكي مكونة ممن يطلق عليهم "الوالون" ويمثلون الأغلبية السكانية؛ ولغتهم هي الهولندية، تليهم مجموعة كبرى هي المجموعة "الفلمانية" وثقافتها الأساسية هي الفرنسية. وفي البلاد أقلية صغيرة من الألمان ولهم مع ذلك حضور مؤثر؛ ولغتهم هي الألمانية بطبيعة الحال.. وباقتراب مراسل الفضائية من المسيرة لاستطلاع رأي بعض أفرادها، أعلن هؤلاء استياءهم ورفضهم المطلق للاتجاهات الانفصالية الشاذة، وأكثر من ذلك فإنهم أعلنوا صراحة بأن الصراع القائم هو صراع مصالح بين حفنة من السياسيين ولا علاقة له بالشعب، كما لا يجب أن يؤثر عليه أو يخلخل صفوفه، لما يمكن أن يترتب على ذلك من صراعات ومشكلات صعبة تهدد استقرار البلاد ورخاءها؛ والإخلال بتنوعها الثقافي الذي أعطاها ميزة أن تكون عاصمة للاتحاد الأوروبي وقبل ذلك مقرا لحلف الناتو العسكري الغربي. ومع أن البلاد البلجيكية مجاورة لأهم بلدان أوروبا، كألمانيا وفرنسا وهولندا، فإن أياً من هذه الدول الكبيرة لا تطمع اليوم في أن تجتزئ القسم الأقرب إليها جغرافياً وثقافياً؛ مع أن ذلك بالإمكان بكل سهولة ويسر، وبالمثل فإن أياً من المكونات السكانية الكبرى للدولة لا تحاول أن تستقوي ببلد مجاور؛ تكاد أن تكون جغرافياً وثقافياً جزءاً منه، ويساعد على تماسك البنية السكانية للبلاد البلجيكية أن المحيط بأكمله لا يسمح بشيء من ذلك؛ حتى لو رغبت فيه الدول الكبيرة المجاورة، أو أصوات بعض المجانين المجاورين لها، وشاهد الحال هنا هو أن أي مجتمع لا يخلو من بعض الطائشين، إلا أن عقلاء القوم عادة ما يشكلون سداً منيعاً يكبح جماحهم.. لفتتني هذه الواقعة الإخبارية كونها تحدث في قلب أوروبا وبين طرفين لا يمكن لأحد أن يدعي أن الطرف الآخر يستعمره أو يمارس عليه التمييز بأي شكل من الأشكال. وأحالتني الحكاية في نفس الوقت إلى اليمن الموحد عرقاً ولغةً وديناً، ومع ذلك فإننا نجد فيه أصواتاً ناشزة تدعو إلى عودة البلاد القهقرى؛ وتزرع الفتن بين الناس لوجه الشيطان.قد يتفق الناس جميعاً على أن هناك قصوراً في الإدارة القائمة أو حتى اختلالاً في أساليب إدارة البلاد، قد يكون كبيراً أو صغيراً، وفقاً لمنظور كل طرف سياسي فاعل في الوطن وإدراكه لمصالحه، لكن ذلك لا يبرر مطلقاً أن يجعل الانفعال والنزق هو الطريق إلى حل تلك المشكلات حتى لا نكون كمن يريد أن يكحلها فيعميها".
لا جديد يضاف إلى ما اتسع له العمود إلاَّ التذكير بأن اليمن الواحد المتجانس الأعراق والموحد اللغة والدين والثقافة والتاريخ لا يجوز أن تتحول المشكلات السياسية والاقتصادية فيه إلى دعوات عبثية تفتت الوطن الواحد وتمزق أواصر الأخوة بين أبنائه.
الشاعر عبدالرحمن المولد في ديوانه الأول:
لم يدهشني في هذه الأيام شاعر كما أدهشني هذا الشاعر المبدع، ولم أستقبل بفرح غامر ديواناً كما استقبلت به هذا الديوان، لأنه يعكس ما وصلت إليه القصيدة الجديدة في بلادنا من انتشاء ورحيل غير مسبوق في فضاءات التخييل والاستخدام الأحدث للمجازات وإعطاء اللغة أبعاداً وظلالاً جديدة. عنوان الديوان "القبّرة الحجرية" وهو صادر عن الهيئة العامة للكتاب. ويقع في 117 صفحة.
تأملات شعرية :
سبحان الله ،
أما آن لكم يا أبناء اليمن الكبرى
يا أبناء الثورة والوحدة
أن تحتكموا للعقل
وألاَّ تنساقوا كالأنعام
وراء رياح الفتنهْ ؟
من يسمع منكم قلب الوطن الغالي
وهو يدق ، ويخشى
أن يغرق في نيران المحنهْ ؟!