المؤتمر نت-متابعات - مزاعم كاذبة وتشويه للحقائق فتحت علينا براكين الكراهية (إدوارد كينيدي*) قبل عام من الآن، شنت الولايات المتحدة حربا على العراق، لأن الرئيس بوش وإدارته أقنعوا الكونغرس بأن صدام حسين يمثل خطرا ماثلا يقتضي المواجهة العاجلة. وقد دفعت الأمة ثمنا باهظا نتيجة هذا القرار. استند الدفاع عن خوض الحرب على سببين أساسيين: أن صدام على وشك الحصول على أسلحة نووية، وأن لديه علاقات قوية مع إرهابيي القاعدة الذين نفذوا فظائع 11 سبتمبر 2001. وقد اتضح بالأدلة القاطعة أن الزعمين كاذبان.
إننا لا نملك حاليا غير التكهنات حول الأسباب الحقيقية التي جعلتنا نخوض تلك الحرب. ولكن الحقائق التي كانت معروفة لدينا، على كل حال، هي أنه أثناء عملية اتخاذ القرار صيف العام 2002، كان بن لادن ما يزال حرا طليقا، وكانت الحرب ضد القاعدة في أفغانستان تمر بفترة حرجة ومضطربة، وكان الاقتصاد يعاني من الكساد، وانخفضت شعبية الرئيس من مستواها الأعلى الذي وصل إلى 90% في معهد غالوب لاستطلاعات الرأي، إلى 63% في عيد العمال عام 2002، كما كان التحكم في مجلسي النواب والشيوخ مهددا بالزوال على أعتاب انتخابات نوفمبر للمجلسين.
وقد أوضح كارل روف، المستشار السياسي للرئيس، أن الاستغلال السياسي للحرب ضد الإرهاب ممكن ووارد. وقال روف في اجتماع للجنة الوطنية للحزب الجمهوري يوم 19 يناير 2002:« يمكن أن نطرح هذه القضية على الشعب، لأن الشعب يعرف أن الحزب الجمهوري هو الأفضل فيما يتعلق بتعزيز القدرة العسكرية لأميركا وبالتالي حماية البلاد.»
أتخذ القرار حول حرب العراق في أغسطس(آب)، ولكن الإدارة أعلنته في سبتمبر(أيلول)، وقد شرح أسباب هذا التأخير أندرو كارد، رئيس موظفي البيت الأبيض، عندما صرح في السابع من سبتمبر: « ليس من الحكمة من وجهة النظر التسويقية أن تطرح منتجات جديدة في أغسطس.
ومن أجل مضاعفة التأثير السياسي أصرت الإدارة على أن يصوت الكونغرس لإجازة قرار الحرب قبل عطلته لانتخابات نوفمبر(تشرين الثاني).
وقال الرئيس، الذي كان يقود جوقة الداعين إلى الحرب، في 25 سبتمبر2002: «لا يمكن التمييز بين القاعدة وصدام عندما يدور الحديث عن الحرب ضد الإرهاب». وقال في الثاني من أكتوبر(تشرين الأول) إن القضية «تتعلق بخطر داهم وعاجل». وفي السابع من أكتوبر« ما دامت أمامنا أدلة واضحة على قرب الخطر، فإننا لا يمكن أن ننتظر الخبر اليقين، أي سلاح الجريمة، لأن الخبر اليقين يمكن أن يأتي في شكل سحابة من الدخان». وفي العاشر من الشهر نفسه أجاز مجلس النوب قرار الحرب بأغلبية 296 إلى 133، كما أجاز مجلس الشيوخ القرار بأغلبية 77 إلى 23 في اليوم التالي.
وبينما صوت الجمهوريون بأغلبيتهم الساحقة لمصلحة الحرب، كان الديمقراطيون يعانون من انقسامات عميقة حول هذه القضية. «سحابة الدخان»، «خطر داهم وعاجل»، «لا يمكن التمييز بين صدام والقاعدة». هذه هي الأسباب التي ذكرتها الإدارة، ولم يكن واحد منها صحيحا. وقد فاز الحزب الجمهوري في الانتخابات واستعاد السيطرة على الكونغرس ولكن نصره كان خاويا.
نفترض أن الإدارة شعرت بأنها لا يمكن أن تقنع الكونغرس بإجازة قرار الحرب، على أساس الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، لأن هذه أمكن احتواؤها بنجاح على مدى سنوات طويلة. وكان تمرير قرار الحرب يقتضي تضخيم خطر الأسلحة النووية والعلاقات مع القاعدة. وفي حقيقة الأمر فإن الأجهزة الاستخبارية صبت ماء باردا على الخطر والنووي والعلاقة مع القاعدة، حتى قبل بداية الحرب. وقد ذكر مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت، في خطاب ألقاه الشهر الماضي، أن الوكالة أبلغت الإدارة قبل الحرب أن «صدام لا يملك سلاحا نوويا، وأنه ربما لا يتمكن من صنع هذا السلاح حتى عام 2007 أو 2009».
ولم تكن العلاقة بالقاعدة أقل غموضا وخرقا، إذ لم تجد الأجهزة الاستخبارية قبل الحرب، أي دليل على وجود تعاون بين صدام حسين والقاعدة. ولم تكن تلك الأجهزة تعتقد أن صدام يمكن أن يلجأ، حتى إذا بلغ درجة اليأس، إلى إمداد القاعدة بأسلحة كيماوية او بيولوجية. وقد قال محققون من مكتب التحقيقات الفيدرالي في فبراير 2003، إنهم ذهلوا لإصرار الإدارة على وجود مثل تلك العلاقة، وقال أحدهم:«نحن لا نعتقد أن هناك مثل هذه العلاقة. وهذا كل ما في الأمر».
كانت الحقيقة واضحة للعيان، ولكن الإدارة أضربت تماما عن رؤيتها. وقد شنت أميركا حربها بطريقة تفتقر إلى الأمانة أفقدتها حلفاءها الأساسيين، وأجّجت غضب الرأي العام العالمي، وصبت علينا براكين إضافية من الكراهية وجعلت الحرب على الإرهاب أكثر صعوبة والنصر فيها ابعد مما كان. قرار الحرب والسلام من أصعب وأخطر القرارات التي يمكن أن يتخذها الرئيس. وقد دفع رئيس وزراء إسبانيا ثمنا فادحا يوم الأحد الماضي لتأييده لنا في تلك الحرب، ولتضليله الشعب الإسباني. والأرجح أن يدفع الرئيس بوش ثمنا مشابها في نوفمبر المقبل.
* أحد كبار أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي ـ «الشرق الأوسط»
|