تحليل يكتبه من غزة – الدكتور حسن ميّ النوراني - حماس من الشيخ ياسين إلى الرنتيسي يرى مراقبون أن تولي الدكتور عبد العزيز الرنتيسي لقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة خليفة للشهيد الشيخ أحمد ياسين يحمل دلالة واضحة على عزم الحركة على التمسك بتشددها إزاء قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فالرنتيسي يقف في مقدمة الجناح المتشدد في حركة حماس، وهو الأقرب من بين أعضاء القيادة السياسية للحركة إلى جناحها العسكري الذي يحمل اسم "كتائب عز الدين القسام" والذي يمثل الذراع المنفذة لسياسة تشدد حماس ضد إسرائيل.
وقطاع غزة الذي تولى الرنتيسي قيادته هو الساحة الأهم من بين ساحات عمل حماس، ذلك بحكم أن الحركة نشأـ فيه وأن زعيمها الروحي ومؤسسها الشهيد الشيخ أحمد ياسين كان يتخد منه مقرا لقيادة الحركة قيادة ميدانية وروحية.
وأذكر انني خلال أحد لقاءاتي مع الشيخ الشهيد في مقر إقامته في غزة، عندما لويت الحديث نحو مسألة اتخاذ القرارات في حركة حماس، أنه رد بحدة قلما تظهر منه أن "القرار نتخذه هنا" وكان معنا مدير مكتبه الشيخ اسماعيل هنية الذي أكد على ما قاله الشيخ.
معنى ذلك أن القرارات الحاسمة لحركة حماس في المرحلة التي ابتدأ بتقلد الرنتيسي لخلافة الشيخ الشهيد في غزة ستكون منوطة بالقيادة الجديدة لقطاع غزة وعلى عكس ما حاول الرنتيسي أن يؤكد عليه من انه لا يمثل هرم قيادة حماس و"لكن قائد حماس كلها هو الأستاذ خالد مشعل وليس هو" بقول الرنتيسي.
إسماعيل هنية الذي كان يرى أن الشيخ الشهيد كان مركز ثقل حماس، أعلن أن "الرنتيسي هو أميننا وقائدنا وشيخنا" وقال أن الرنتيسي يحل مكان الشيخ أحمد ياسين.
وكان الشيخ الشهيد أقوى ميلا للمواقف الدبلوماسية التي تتسم بالهدوء، دون أن يتخلى عن مواقفه المبدأية التي تتحدد برؤية حماس الاستراتيجية.
أستطيع أن أقول أنه كان "مرنا وليس صداميا" وكان يتحلى بعقل يملك ملكة الانفتاح على ما هو مغاير لمعتقداته الأساسية. قبل سنوات دعوته للانضمام إلى "جماعة حق البهجة – حب"؛ ورد مبتسما أنه لا يمانع من الانخراط في هذه الجماعة "إذا كان في ذلك مصلحة لشعبي". ولـ "جماعة حق البهجة" منهج مختلف بشدة عن منهج حماس التي أسسها الشيخ الشهيد.
كان الشيخ الشهيد يحرص على أن يحافظ على وحدة الصف الوطني الفلسطيني ولو على حساب أبناء حركته وكان يتحلى بصبر قوي على ما يلحق بحركته من أذى من جهة السلطة الفلسطينية.
وفي موقفه السياسي من القضية الفلسطينية كان يعتقد أ، الجيل الحاضر لن يتمكن من تحرير كامل التراب الفلسطيني، وكان يقول: "هذه مسألة متروكة للأجيال القادمة" ولم يمانع في إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس العربية. قال لي ذلك من عدة سنوات. وقال لي أيضا أنه لن يمانع في استمرار وجود الإسرائيليين في فلسطين في حالة تحريرها تحريرا كاملا من هيمنة الكيان الصهيوني.
كان رحمة الله عليه ودودا وعلى خلق كريم.. تأخر ذات مرت عن موعد لقاء بيني وبينه.. اعتذر بقوة لي.. وكنت أذهب إليه بصحبة فتاة كانت تعمل معي.. واعتادت أن تناديني بـ "يا بابا" وظنّ الشيخ الشهيد أنها ابنتي فعلا خاصة وأنها كانت تقدم نفسها باسم "نورا النوراني".. وذات مرة ذهبت نورا للقائه في منزله وحدها، فبادرها بالسؤال: "أين والدك؟"! واتضح بعدها أن الشيخ رحمة الله عليه كان يفكر في خطبتها لأحد أبنائه...
الرنتيسي لا يصنف على أنه من خارج مدرسة الشيخ ياسين.. ولكنه يحمل وجهات نظر تكسوها جرأة دفعت به إلى أن يكون هدفا للاعتقال من جانب السلطة الفلسطينية..
الساحة الفلسطينية مقبلة على تطورات يخشى البعض من أن تؤدي إلى صدامات بين القوى السياسية الفلسطينية خاصة بعد الانسحاب من قطاع غزة الذي يعتزم رئيس الحكومة الإسرائيلية إريل شارون تنفيذه. واغتيال الشيخ ياسين في هذا الوقت قد يهدف إلى تمهيد أرضية صراع دموي بين السلطة الفلسطينية وحماس في ظل قيادة جديدة معروف عنها التشدد.
في اعتقادي أن الرنتيسي يملك الوعي الكافي للخطر الذي يريد الإسرائيليون للفلسطينيين أن يبلغوه.
وقال الرنتيسي في لقاء بيننا أن حركته إذا تعرضت لضغوط من السلطة الفلسطينية فسترد على هذه الضغوط بمزيد من العمليات ضد إسرائيل. هذا يطمئن إلى أن حماس في ظل قيادة الرنتيسي لن تحول عنفها نحو الأشقاء في السلطة الفلسطينية مهما كانت إجراءات الأخيرة ضدها.. تظل حماس منظمة تعمل وفقا لرؤية متفق عليها بين جميع قواها. وإذا كان الشيخ ياسين رمزا نجح في توحيد ساحات حماس في الداخل والخارج، فإن وحدة حماس ستستمر إذا التزمت بقانون "الشورى الديمقراطي" والذي لن يخرج بالحركة عن ثوابتها التي منها أن الـ"الدم الفلسطيني خط أحمر" وهو مبدأ أعلن الرنتيسي مرات عديدة أنه يتمسك به.
ستشهد المرحلة القادمة تصعيدا بين حماس وإسرائيل. وسيظل هدف الأخيرة هو القضاء على حماس وإثارة نار الفتنة الفلسطينية – الفلسطينية. والمواجهة الواعية لهذه المخطط الإسرائيلي لن تكون إلى في وحدة الصف الوطني الفلسطيني ووحدة حركة حماس.
|