المؤتمر نت- نـزار خضير العبادي - - أمن السفارات .. وأوهام الخوف الأمريكي
بين من يرجئ السلوك الأمريكي المزمن إلى "عقدة الخوف" الملازمة لأولئك الخارجين على القوانين، ويتهيبون لحظة الاقتصاص ، وبين من يأول ذلك السلوك الخائف بكونه محض حالة مصطنعة للفت الأنظار للذات، وتصويرها ذات قيمة عظيمة، فلا شك أن التمادي، والإسراف في اختلاق التهديدات المتربصة بالأفراد والمصالح الأمريكية هو مؤشر قوي على اضطراب دائرة القرار السياسي الأمريكي ، وتضارب أفكارها، وتقاطع مساراتها.
فالأمريكيون اجتازوا مرحلة الحذر –ولكن- باتجاه الوهم الذي يعمم الشكوك ، ويوزع الارتياب على كل ما يصادفهم، أو يحيط بهم لدرجة أن تحوّل العالم في أعينهم إلى عدو لدود يتربص الدوائر بالمجد الأمريكي، وبالتالي فإن الخطر المفترض قد يداهم سفارات الولايات المتحدة، أو مصالحها الاقتصادية، أو رعاياها أينما كانوا من وجه الأرض.
ربما نجد من يتساءل: هل حقاً أن هناك من يستهدف السفارات الأمريكية، ويدفع بالخارجية إلى إغلاقها، أو تحذير رعاياها؟ وما مصدر المعلومات التي تستقي منها المخابرات الأمريكية البلاغات التي كثر حديثها عنها في الآونة الأخيرة ؟
إننا لو راجعنا توقيتات إصدار مثل تلك التحذيرات عن وجود خطر يستهدف السفارة الأمريكية في هذا البلد، أو ذاك، لوجدناها تتزامن مع مواقف أو ممارسات خاطئة ترتكبها الإدارة الأمريكية في الفترة ذاتها –كما هو الحال مع التحذيرات الأخيرة التي أعقبت جريمة اغتيال الشيخ أحمد ياسين ، وما رافقها من موقف أمريكي سلبي يعتبر العملية دفاعاً عن النفس . وهو الأمر الذي يؤكد أن الولايات المتحدة تعرف جيداً أنها ترتكب أخطاء.. وأنها تظلم.. وأنها تستفز الطرف الآخر، وتغرس فيه روح العداء للولايات المتحدة وشعبها. وعليه فإن الساسة الأمريكيين لا يستبعدون ردود الفعل الانتقامية.
ومع كل ما تقوم به الولايات المتحدة في المنطقة، إلا أنه لم يسبق تعرض أية سفارة أمريكية لهجوم إرهابي في بلد عربي. بل على العكس ، نجد أن تلك السفارات تحظى بمزيد من الحراسات، والاحتياطات الأمنية. لكن الولايات المتحدة تفسر ذلك بأنه خوف عربي من بطش رجل البيت الأبيض ، بينما يفهمه العرب على أنه سلوك طبيعي، متأصل في موروثهم الأخلاقي، وعاداتهم التي تبالغ في إكرامها للضيف، وحرصها على أمنه وراحته.
يقيناً أن الخوف الأمريكي على أمن السفارات لا يقوم على أية تقارير استخباراتية، أو بلاغات من عملاء ، بدليل عدم التوصل يوماً إلى مصدر التهديد، أو حتى الكشف عن هويته. والراجح في الأمر أن الإدارة الأمريكية باتت غارقة في هواجس خوف وهمية، تتعقبها –كما الكوابيس- إلى كل محفل. وهي بالتأكيد أوهام مستجلبة من واقع السياسة الأمريكية، التي استنفرت - ذات يوم -كل إمكانياتها للاقتصاص من الإرهاب ، والعنف في العالم، فوجدت نفسها بعد بضع سنوات تضرب للعالم مثلاً أعظماً في ممارسة العنف ضد الشعوب، وإرهابها، ومناصرة الجهد الصهيوني الإرهابي ودعمه لمزيد من القتل للأبرياء العزّل .
إن أوهام الخوف الأمريكي الذي يتخيلونه يتعقبهم كظلالهم أينما حلّوا، لا أظنه إلاّ تأكيد على أن أيدي البطش ، والظلم الأمريكي قد طالت شعوباً عديدة، وبذرت الكراهية بين أهلها للأمريكيين، وأن إدارة الرئيس جورج بوش بعد سنوات حملتها على الإرهاب باتت متيقنة أن ساعة الحصاد قادمة لا محالة، وأنها لن تجني السلام والأمن الذي وعدت به الأمريكيين وشعوب العالم، بل هو الخوف، والموت، والخراب ما تترقبه في كل لحظة.. ويبقى السؤال الأهم هو: كيف يمكن للشعب الأمريكي أن يسمح بسياسات عنيفة قد تضطر بعدها أبناؤه إلى العيش في ملاجئ تحت الأرض هرباً من عدوٍ مفترض ، لا يعرف صورته البشعة غير الرئيس جورج بوش ؟
|