دكتور/ ناجي الحاج* -
حمى الضنك ...والاحتباس الحراري
نشير إلى أن اكتشاف حمى الضنك في اليمن تم في أوائل التسعينيات وأدى تفشي حمى الضنك في اليمن بمحافظات حضرموت وتعز وعدن وأبين والحديدة إلى وقوع العشرات من حالات الوفاة في الأشهر القليلة الماضية ووفقا لما ذكره المسؤولون ما زال تفشي الحمى يحصد عددا متزايدا من الأرواح . كانت هذه السطور المقتبسة من موقع إذاعة الامم المتحدة عبر الانترنت والمنشورة منتصف الشهر الفائت والتى تشير إلى حجم الخطر المتزايد جراء تفشى هذا المرض الخطير.
إلا انة من خلال متابعة سرعة الانتشار لهذا الوباء وما اكدتة كثير من الابحاث العلمية من ان هناك صلة وترابط بين الظاهرة العالمية لما يسمى بالاحتباس الحرارى وظاهرة تفشى الاوبئة والامراض والتى اتمنى ان اكون قد سلطت بعض الضوء عليها ليس لمجرد العلم بالشئ انما ايضا لوضع المعالجات الممكنة بتعاون بين الدولة والمواطنيين على حد السؤ .
فقد قررت منظمة الصحة العالمية التصدي لتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري (Greenhouse effect) التي بدأت تنعكس على صحة البشرفقد نبهت المنظمة في 2005 الى ان ارتفاع حرارة الكوكب يسهم بالتسبب في 150 الف وفاة وخمسة ملايين حالة مرضية كل سنة وتمثل الحشرات التي تنقل امراض الحميات العلامة الأوضح على كون الاحتباس الحراري بدأ في التأثير على صحة الإنسان في حين يقول الباحثون ان العثورعلى هذه الحشرات في المناطق ذات الحرارة المنخفضة مثل كوريا الجنوبية ومرتفعات بابوا غينيا الجديدة صار معتادا حيث يوفر الطقس الحار لتلك الحشرات فرصة التكاثر بنسق أسرع والذي يؤدي بدوره إلى تزايد التهديد بوقوع أوبئة.
وبإرتفاع الحرارة التى تسبب الوفاة اثناء موجات الحر الشديد اولدى احداثها كوارث مثل الفيضانات والاعاصيراوالجفاف والتي تؤدي الى تدهور في نوعية المياه مما يشجع على ظهور امراض متعلقة بالاسهال وكذلك فان تزايد الامطار ودرجة الحرارة له تأثير على إنتشار امراض إستوائية مثل حمى الضنك او الملاريا اللتين تنتقلان بواسطة البعوض.
وفى الحقيقة ليس بمستغرب ان تعانى عديد من محافظات الجمهورية إنتشار وباء حمى الضنك وتزايد فى أعداد المصابين بحمى الملاريا فقد سجلت كثير من المستشفيات الحكومية والخاصة على حد السواء تزايداً ملحوظا فى عدد الحالات االمشابه مع الافتقار فى كثير من الاحيان إلى التشخيص الدقيق.
وسنرفق فى هذا المقال بعض الاحصائيات لاكثر المناطق إنتشاراً حيث كانت إحصائيات شبه رسمية كشفت عن وجود ألف حالة إصابة بالمرض منها 600 حالة ترقد في مستشفيات حكومية وخاصة بعدن و400 حالة تتواجد في مستشفى ابن خلدون العام في مدينة لحج فى حين تقول الإحصائية الصادرة عن مصادر طبية أن عدد الحالات التي يتم استقبالها في المستشفيات الحكومية بعدن تصل إلى 30 حالة في اليوم الواحد وفى شبوه اكتشفت 233 حاله منها 40 إصابة و193 حالة اشتباه في المديريات التسع للمحافظة فى حين تشير الإحصائية إلى أن عدد الوفيات المسجلة حتى الآن في عدن بلغت 150حالة من مختلف الأعمار منهم طبيبتا أسنان توفيتا في مستشفى خاص بعد إصابتهما بالفيروس المسبب للمرض.
اما فى محافظة تعز فقد اشارت التصريحات الرسمية المعلنة إن حالات الإصابة لا تتجاوز 950 إصابة ولا توجد سوى حالة وفاة واحدة بينما تقول مصادر اخُري ان عدد الإصابات تجاوز 100 ألف حالة توفي منهم ما يقارب 50 حالة وهناك سبعة أطباء أصيبوا توفي واحد وقس على ذلك محافظة الحديدة والمناطق المتاخمة لها جغرافيا والتى تشير كثير من التقارير المؤكدة ان المرض الآن منتشر بشكل مخيف مع قصور في جهود المكافحة وربما قد خرج هذا الوباء عن السيطرة.
ماذا تعرف عن حمى الضنك؟
حمى الضنك (Dengue fever) من أنواع العدوى المنقولة بالبعوض والتي أصبحت تشكّل في العقود الأخيرة قلقاً كبيراً على الصحة العامة وعلى الصعيد الدولي حيث تنتشر حمى الضنك في المناخات المدارية وشبه المدارية في شتى أنحاء العالم وفي المناطق الحضرية وشبه الحضرية بالدرجة الأولى .
تنجم حمى الضنك عن أربعة فيروسات منفصلة يوجد بينها ترابط وثيق والشفاء من العدوى التي يسبّبها أحد تلك الفيروسات يوفّر مناعة ضدّ ذلك الفيروس تدوم مدى الحياة غير أنّه لا يوفّر إلاّ حماية جزئية وعابرة ضدّ العدوى التي قد تظهر لاحقاً بسبب الفيروسات الثلاثة الأخرى وهناك بيّناتمؤكدة على أنّ التعرّض لعدوى حمى الضنك بشكل متكرّر يزيد من خطر الإصابة بحمى الضنك النزفية.
وبالنظر فى الانتشار الجغرافي لهذا المرض والذى شهدت معه معدلات وقوع حمى الضنك زيادة هائلة في شتى ربوع العالم في العقود الأخيرة فقد أصبح 5ر2 مليار نسمة معرّضين لمخاطر الإصابة بهذا المرض وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية حالياً فهناك احتمال وقوع 50 مليون من إصابات حمى الضنك كل عام في جميع أنحاء العالم وفى الحقيقة فإن انتشار المرض في مناطق جديدة لا يرافقه ارتفاع في عدد الحالات فحسب بل كذلك حدوث فاشيات مدمّرة كان اخرها وقوع 890000 حالة أُبلغ عنها في إقليم الأمريكتين منها 26000 حالة خطره من حالات حمى الضنك النزفية
ماهى الطرق التى ينتشر من خلالها هذا المرض؟
ومن نعمة الله ان هذا المرض لاينتقل من شخص إلى آخر مباشرة بل يحتاج إلى وجود وسيط وهو البعوض ولذلك تنتقل فيروسات حمى الضنك إلى الإنسان عن طريق لدغة بعوضة من جنس الزاعجة المنقّطة بالأبيض (Aedes aegypti) تحمل تلك الفيروسات ويكتسب البعوض الفيروس عندما يمتصّ دم أحد المصابين بالعدوى وبعد مرور فترة الحضانة التي تدوم 8 إلى 10 أيام يصبح الفيروس فى مرحلة يسبب فيها ظهور المرض.
أثناء لدغ البعوض للاشخاص وامتصاص دمائهم ينتقل الفيروس طيلة حياته بهذه الطريقة ويدور الفيروس في دم المصابين به طيلة يومين إلى سبعة أيام وهى فترة كافية لظهور الاعراض وقد يكتسب البعوض من جنس الزاعجة المنقّطة بالأبيض الفيروس عندما يمتصّ دم أحد المصابين به خلال تلك الفترة.
أعراض المرض !!
حمى الضنك مرض خطير يشبه الإنفلونزا ويصيب الرضّع وصغار الأطفال والبالغين ولكنّه قلّما يؤدي إلى الوفاة.
وتختلف العلامات السريرية لحمى الضنك وفق عمر المريض فقد يُصاب الرضّع وصغار الأطفال بالحمى والطفح وفى حالة الطفح والذى تظهر اثارة على الجلد نتيجة لانخفاض فى عدد الصفائح الدموية والتى من وظائفها منع حدوث نزيف ولذلك يحدث لمرضى الحمى النزفية نقص حاد فى هذه الصفائح الدموية.
أمّا الأطفال الأكبر سنّاً والبالغين فقد يُصابون بحمى خفيفة أو بالمرض الموهن المألوف الذي يظهر بشكل مفاجئ ويتسبّب في حمى شديدة وصداع حاد وألم وراء العينين وألم في العضل والمفاصل وطفح.
وفي الحالات المعتدلة تخفّ جميع العلامات والأعراض بعد اختفاء الحمى.
أمّا اخطر الحالات فهى حمى الضنك النزفية فهي مضاعفة قد تؤدي إلى الوفاة ومن خصائصها الحمى الشديدة مع تضخّم الكبد في كثير من الأحيان وقصور دوراني في الحالات الخطرة ويبدأ المرض في غالب الأحيان بارتفاع مفاجئ في حرارة الجسم وغير ذلك من الأعراض المشابهة لأعراض الإنفلونزا وتستمر الحمى عادة يومين إلى سبعة أيام ويمكنها بلوغ 41 درجة حسب مقياس سلسيوز مع احتمال ظهور مضاعفات أخرى.
في الحالات الخطرة أيضاً فإنّ حالة المريض قد تتدهور فجأة بعد تعرّضه للحمى طيلة بضعة أيام ويُلاحظ هبوط في درجة حرارة الجسم تتبعه علامات القصور الدوراني ممّا قد يؤدي بسرعة إلى إصابة المريض بصدمة حرجة ووفاته في غضون 12 إلى 24 ساعة أو إلى شفائه بسرعة بعد إعطائه العلاج الطبي الملائم.
كيفية معالجة حمى الضنك؟
لا يوجد علاج محدّد ضدّ حمى الضنك ولكن ساعُطى فى هذا المقال تجربتى لعلاج الحالات الخفيفة من حمى الضنك والتى اصبت بها حين كنت فى مرحلة الدكتوراه فى ماليزيا.
حيث يفضل الاكثار من شرب السوائل وبالذات الغنية بالمعادن ولعل من افضل واسهل السوائل التى يمكن تناولها هى شرب مرق دجاج او مرق لحوم بلدي او إى شربة يتم تحضيرها بشكل طازج مع الاكثارمن البهارات وقليل من الخل المضاف وليس بالضرورة البهارات الحارقة وفى العادة لن يستطع الشخص المصاب تناول الاطعمة وذلك نتيجة تاثير هذا المرض على طعم وفم المريض والذى يشعر بالمرارة من كل شئ.
إضافه إلى تناول كمية الكبيرة من السوائل ينصح بإعطاء مخفضات الحرارة والصداع وهى من الاعراض الرئيسية المصاحبة ولان المريض فى هذه الحالة قد يشعر انه متضايق ومكتئب من إى شئ (ضنكان من حاله) فيلزم من الاسرة توفير الاجواء المريحة له .
اما اذا كانت حالة المريض قد سات كثيرا والتى يعانى فيها المريض من تناقص فى معدل الصفائح الدموية والتى تتوالى فى الانخفاض فإن على المريض ان يذهب للمراكز الصحية او المستشفيات وتناول السوائل الوريديه واذا لزم الامر اعطاء كمية من الصفائح الدموية.
وفى حالة حمى الضنك لاتوجد لقحات متوفره إلى الان ولاتزال الدراسات والابحاث على قدم وساق فى هذا اللاطار.
كيفية الوقاية من هذا المرض؟
لعل الوسيلة الوحيدة والتى تتمثل فى محاربة البعوض الناقل او الحامل لهذا المرض من خلال حملات الرش بالديزل كإجراء اولى.
ولمتابعة القضاء على البعوض الناقل يجب تعقب هذه الحشرة فى الاماكن التى ممكن تتواجد فيها مثل الأوعية الفخارية والبراميل المعدنية والصهاريج الإسمنتية التي تُستخدم لتخزين المياه في البيوت، فضلاً عن الأكياس البلاستيكية التي تحتوي على الفضلات الغذائية وأُطر العجلات المُستعملة وغيرها من المواد التي تحتفظ بمياه الأمطار.
وتسهم عملية رشّ مبيدات الحشرات المناسبة في اوانى اليرقات لا سيما الاواني المفيدة بالنسبة لسكان البيت مثل أواني تخزين المياه في الوقاية من تكاثر البعوض لعدة أسابيع ولكن يجب تكرار هذه العملية بشكل دوري.
اما فى حالة وجود بحيرات او حواجز مائية يفضل إستخدام بعض آكلات البعوض من السمكات الصغيرة ومجدافيات الأرجل (نوع من القشريات) والتى تساهم بنجاح نسبي فى الحد من تطور يرقات البعوض بجميع انواعها كما يجب إلى جانب جهود المكافحة رصد أسراب البعوض الطبيعية وترصدها بغرض تحديد فعالية البرامج.
اتمنى انى قد سلطت الضوء على هذه المشكلة التى تقض مضاجع المواطنيين فى مناطق الانتشار على امل ان تكون هناك قنوات اتصال بين المجالس المحلية ممثلة بمكاتب البيئة والبلديات والمراكز والمستشفيات الصحية لتنسيق الجهود للحد من هذه الكارثة وبما يتلائم وإمكاناتنا المحدودة وكون هذه المشكلة منتشرة بشكل مخيف فى دول تمتلك مقدرات مالية واقتصادية افضل بكير من بلادنا إلا اننا بالارادة وبالوقاية وبالتعاون سيمكن التغلب على المشكلة إن شاء الله.
المراجع
1-موقع منظمة الصحة العالمية النسخة العربية.
2- موقع اذاعة الامم المتحدة النسخة العربية.
*أستاذ مساعد بجامعة صنعاء. باحث فى التقنية الحيوية وتقنية النانوتكنولوجي