-
أنتم تحت مجهر الشعب..!!
لا شك أن أي متابع حصيف لمسيرة التجربة الديمقراطية التعددية في اليمن سيجد أن هذه التجربة قد مرت بالكثير من المنعطفات التي لم تخلُ من المصاعب والسلبيات، وذلك أمرٌ كان متوقعاً بحكم حداثة هذه التجربة، ومع ذلك يبقى من الواضح أنه إذا ما قورنت تلك السلبيات بحجم الإيجابيات، فإن الإيجابي هو الغالب وليس السلبي.
ولعل ذلك هو ما يدعونا اليوم إلى التساؤل حول الأسباب التي جعلت تلك السلبيات تترحل عاما بعد عام، ونعتقد أنه إذا كان هناك من سبب مباشر فإنه يعود بدرجة أساسية إلى ضعف وتدني ثقافة الحوار لدى بعض من يمارسون العمل السياسي والحزبي.
وفي هذا الأمر تحديداً فإن المواطن اليمني يتطلع إلى أن تسود نقاشات الحوار التي بدأت يوم أمس، آداب وأخلاقيات الحوار، خاصة وأن الطرفين يلتقيان بعد عام ونصف من الأخذ والرد والاتفاقات والمحاضر والشد والجذب والتنابز والمكايدات والمناكفات التي لم تخدم أحداً بقدر ما ألحقت أضراراً بالغة بالوطن وتجربته الديمقراطية والحياة السياسية بشكل عام.
والمفترض أن تكون المكونات الحزبية قد استفادت من دروس الفترة الماضية وعظاتها وخلصت إلى الأسلوب الأمثل الذي تستطيع من خلاله مخاطبة بعضها البعض بلغة رصينة بعيدة عن الانفعالات والتشنجات والتجديف الذي يغلب عليه الشطط الذي يتصادم مع آداب الحوار وقيمه وأخلاقياته والتعاليم الإسلامية التي وردت في أكثر من آية كريمة وأعظمها خطاب المولى سبحانه وتعالى لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم القائل: " وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ".
والقرآن عندما يخاطب الإنسان فإنه يخاطبه بكل مكوناته المادية والروحية والذهنية والحسية، مما يعني معه أن الشطط في القول أو الفعل يتصادم مع جوهر الحوار وغاياته.
وكم كنا نتمنى أن لا ينجر أحد طرفي الحوار في الجلسة الافتتاحية للجنة المشتركة للإعداد والتهيئة للحوار الوطني، إلى مثل ذلك الخطاب المتشنج والذي أغفل صاحبه أن احترام السيادة ومشروعية النظام السياسي سمة من سمات احترام مبادئ الحوار خاصة وأن الطرف الآخر والمتمثل في المؤتمر الشعبي العام قد حرص على أن يقدم رؤية متزنة ومتوازنة لتطوير النظام السياسي والديمقراطي وذلك بالأخذ بيد جناحي السلطة والمعارضة إلى آفاق رحبة من الشراكة وتحقيق الإصلاحات المطلوبة والسير معا في إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر الـ27 من أبريل 2011م، الأمر الذي يؤهل تلك الرؤية لأن تصبح وثيقة سياسية وبرنامج عمل للحوار لكونها قد وضعت المحددات العملية التي استوعبت حقوق وواجبات كل طرف على درجة من المساواة وبعيداً عن الانتقائية والاصطياد في المياه العكرة والجدل البيزنطي على شاكلة: أين ينعقد الحوار وفي أي قاعة وغير ذلك من سفاسف الأمور التي لا ينبغي أن تكون مصدر سجال أو تباين أو خلاف.
حيث أن ما ينتظره الناس هو أن يرتفع المتحاورون إلى مستوى المسؤولية الوطنية، وأن يكون حوارهم على قاعدة الثقة والمصداقية والشفافية والوضوح وأن يتحلى طرفا الحوار بدقة الفهم وصواب الرأي وسداد التصرف، وأنْ يدركا أن اتفاقهما يوم الـ17 من يوليو الماضي قد أكسبهما احترام الشعب وتقدير كل أشقاء وأصدقاء اليمن، وأن رعاية فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية لهذا الحوار تؤكد من جديد أن هذا الزعيم الوطني هو القاسم المشترك بين الحاضر والمستقبل، كما كان منذ انتخابه لتولي المسؤولية الضمان الحقيقي لاستتباب حالة الاستقرار والانتقال باليمن من حقب الصراع والاقتتال والعنف إلى زمن التنمية والتطور واللحاق بركب العصر.
وما يدفعنا إلى التأكيد على هذه المبادئ ليس سوى حرصنا على نجاح الحوار وليس الرغبة في توجيه هذا الطرف أو ذاك لإيماننا بأن الحوار وسيلة حضارية وليس من بين اشتراطاته رفض الرأي المخالف ولو كان صوابا، ولا رفض الأفكار العقلانية لمجرد الرفض، حتى وإن كانت تحمل الحل الناجع والمسلك المفيد، إذْ ليس من آداب الحوار رفض أي شيء أو كل شيء فقط لأنه لا يتوافق مع أهوائنا والأنا المتضخمة في نفوسنا.
ويحدونا الأمل في أن يحرص المتحاورون على إيجاد منهاج للحوار يحكم آلياته ومساراته .. وما لم يتفقوا على ذلك فإن الأولى بهم أن يتفقوا على إيجاد لجنة إعلامية مشتركة تضطلع بمهمة ترشيد الخطاب على نحو يخدم تقدم الحوار ويحول دون تعثره لأن نجاح الحوار هو نجاح تتقاسمه أطرافه سلطة ومعارضة على حد سواء وليس طرفاً دون آخر.
فأعطوا الحوار قدره وحقه من التبجيل والتقدير لتقدموا بذلك القدوة الحسنة في الالتزام بثقافة الحوار ومعاني الديمقراطية وقيمها الحضارية وتذكروا أنكم تحت مجهر الشعب.
*افتتاحية صحيفة الثورة