المؤتمرنت - تقرير - اليمن يدفع ثمناً باهظاً في حرب العالم على الإرهاب برهنت حصيلة العمليات الإرهابية لتنظيم القاعدة خلال شهر يوليو الفائت و التي استهدفت مؤسسات الأمن في اليمن وأفرادها الذين استشهدوا في هذه العمليات أن اليمن مستمر في دفع فاتورة مشاركته في الحملة الدولية ضد الإرهاب التي أعلن انضمامه إليها عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م .
ويعتقد مراقبون انه ورغم أن الإرهاب خطر يتهدد العالم أجمع وتتولى مؤسسات أمنية عربية ودولية مهمة التنسيق والمواجهة لهذا الخطر ،غير أن اليمن يدفع ثمناً باهظاً في هذه المواجهة في حين لم يحصل مقابل ذلك على ما يفي بمتطلبات استمراره في المواجهة ، بل وتحقيق مزيد من النجاحات في مواجهة خطر القاعدة .
وكانت اليمن من أوائل الدول في العالم التي دعت المجتمع الدولي إلى مساعدتها في مواجهة خطر الإرهاب نهاية القرن الماضي ،غير أن دعواتها تلك قوبلت بتجاهل من قبل القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية ،إلا أن جاءت حادثة تفجير المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن العام 2000م ليبدأ المجتمع الدولي بادراك مخاطر الإرهاب ،ومصداقية الدعوة اليمنية التي تعززت عقب أحداث 11 سبتمبر لتعلن الولايات المتحدة البدء بمساعدة اليمن في مواجهة تنظيم القاعدة باعتبار الاول شريكاً للمجتمع الدولي في حربه على الإرهاب .
وشهدت الأشهر الماضية تحولاً في نوعية الأهداف التي استهدفتها العمليات الإرهابية لتنظيم القاعدة حيث تحولت تلك العمليات من استهداف المصالح الأجنبية في اليمن إلى استهداف مؤسسات وقيادات أمنية وعسكرية أدت إلى استشهاد أكثر من 30 من أفراد الأمن والجيش اليمني .
ويعزو مراقبون ذلك التحول إلى محاولة تنظيم القاعدة تصفية القيادات الأمنية بعد شعوره بالخطر الكبير اثر الضربات الاستباقية الناجحة التي وجهت لعناصره وأوكاره والتي أدت إلى مصرع عدد كبير من قيادات التنظيم في عدد من المناطق ،فضلاً عن محاولة التنظيم بث الرعب في أوساط أفراد الأمن والجيش وبالذات من يتولون مهمة متابعة ورصد وملاحقة أعضاء التنظيم .
ومع أن خسارة اليمن لذلك العدد من أفراد مؤسسته الأمنية والعسكرية يعد كبيرا إلا أن الخسارة الأكبر تتمثل في فقدانه لجزء من رصيده الاقتصادي وفق مخاوف يتذرع بها رأس المال المجاور والدولي حين الحديث عن الاستثمار في اليمن وأهميته لمواجهة هذه الآفة الخطيرة .
مهاجمة مركز أمني أو حتى اقتحامه كما حدث في محافظة عدن ليس جديداً على تنظيم القاعدة الذي لم تفلح معه كل تحصينات البنتاجون وعبقرية الـ(C I A ) كما أن الحادثة لم ولن تؤثر في إرادة اليمن في مواجهة الإرهاب كاستحقاق وطني وأخلاقي أو كالتزام دولي لتحرير العالم من رعبه .
تنظيم القاعدة في اليمن خطر لا يتهدد امن واستقرار اليمن فحسب بل يتعداه ليصبح خطراً يتهدد امن واستقرار المنطقة و العالم لاعتبارات كثيرة أهمهما قرب نشاطه من أهم مركز إنتاج وتسويق للنفط، إضافة إلى تموقع التنظيم في مناطق تمثل حاضن مهم لأفكاره، كما هو الحال في المجتمع السعودي ذو الصبغة الدينية المتشددة والمجتمع اليمني بمكونه وما يعزز ذلك من ظروف اقتصادية يمثل التهاون معها دولياً مغامرة غير محسوبة النتائج .
وصحيح أن اليمن يتلقى دعماً أمريكياً في مجال التدريب والتأهيل الأمني ودعماً في المجال الاقتصادي بالتوازي مع دعم أوروبي، لكن هذا الدعم لا يقارن بحجم ما يقدمه اليمن من تضحيات وما يجب أن يحصل عليه في حربه على الإرهاب .
ورغم أن ما يمنح لليمن باعتباره شريك في محاربة الإرهاب مهماً في الأساس لكن مردود هذه المنح ليس كافياً إذا ما أخذ في الاعتبار احتياجات بلد يفوق عدد سكانه 25 مليون نسمة أكثر من نصفهم شباب وأطفال .
الأسبوع الماضي أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن رفع دعمها لليمن إلى 300 مليون دولار كثير منه في جانب التأهيل يعود إلى مؤسسات أمريكية، لكن المقارنة مع ما يمنح لدول أخرى ضالعة في الحرب على الإرهاب يؤكد أن اليمن يدفع نيابة عن الآخرين ثمناً باهظاً لمشاركته في مواجهة إرهاب يهدد العالم أجمع .
وتستدعي الظروف المشابهة تدخلاً سياسياً دولياً لتوجيه استثمارات عاجلة وكبيرة إلى اليمن كون الاستثمار هو الرافعة الأهم لانتشال الاقتصاد اليمني من وحل أزماته لأن المتتبع لحركة الاستثمارات وتحديداً لدول الخليج التي هي المتضرر الأول من أي تمدد للإرهاب في اليمن يصاب بالحيرة كون هذه الدول كثيراً ما تنادي بتلافي مخاطر الإرهاب في اليمن لكنها لا تعمل للحيلولة دون اتساع رقعة هذه المخاطر .
ويجمع المراقبون على انه ورغم دعم دول الجوار لليمن ماضياً وحاضراً،إلا أن النتائج التي قد تترتب على ترك اليمن يواجه الكثير من المشاكل وهي بفعل عوامل ليست من صنعه ستكون أكثر قساوة من مجرد العتاب .
استثمارات قطر في عطان وحدها التي بدأت عملياً على الأرض في مشروع منحت له الحكومة أهم مساحة في العاصمة تأكيداً على توجه الدولة نحو جذب الاستثمارات، إلا أن تخوف رأس المال الخليجي من التوغل في اليمن استثمارياً ليس مبرراً، مع الإدراك أن المخاطر التي تواجه هذه الاستثمارات وإن كانت اليوم في اليمن ستكون غداً في الداخل الخليجي .
ويجب هنا الإشارة إلى تحذيرات الدكتور عبد الكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية والتي كثيراً ما يرددها مؤكداً فيها الاقتصاد ووضعه الحالي في اليمن أم المشاكل التي قد تكون إفرازاتها غداً في الجوار .
ومن هنا يجب التأكيد على أن الاستثمارات الخليجية بحاجة لقرار سياسي لكسر تخوفها من الانتقال إلى اليمن وهذا القرار بأيدي ملوك وأمراء دول الجوار الذين شاركوا اليمن في الماضي هموماً لم تكن ذات أهمية مقارنة بواقع اليوم وبالمقابل فإن عزوف المال الخليجي عن فرص الاستثمار في اليمن سيحسب نجاحاً للإرهاب الذي يسعى لبناء عشه على أنقاض وطن .
ومؤخراً قال الرئيس علي عبد الله صالح إن اليمن ليست كلها مضطربة وإن وجد ما يثير قلق رأس المال فهو موجود في قرى ومناطق وهي جزء صغير من يمن واسع بإمكانه استقبال استثمارات كبيرة وواسعة .
كما أن دور الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في ذات الأهمية من حيث دعم التوجهات الاستثمارية نحو بلد يواجه إرهاباً لايستثني أحدا، وليس الرعب الذي أبدته واشنطن من العولقي بخاف على الكثير ممن يتابعون مجريات الصراع مع الإرهاب في بقاع واسعة في العالم .
|