محمد حسين النظاري -
ارحموا رمضان يرحمكم الله
لم يعد يأتينا شهر رمضان بتلك الطلعة الرضية البهية وبروحانيته وبقدسيته المعهودة عنه والتي كانت تسبقه قبل مجيئه بأشهر ابتداء من رجب الحرام وشعبان المعظم، نعم غاب عنا روح رمضان وغاب تفرده وتميزه عن باقي الأشهر، والحقيقة التي لا غبار عليها هي بأن العيب ليس في الشهر الفضيل ولكن العيب فينا نحن الذي حولناه عن مساره وأبعدناه عنا بتصرفاتنا التي لا تمت إطلاقا لهذا الشهر الجليل بأي صلة .
ارحموا رمضان أيها التجار يرحمكم الله وارحموا عباد الله فيه، فالراحمون يرحمهم الله وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، لكن هيهات أن يعرف التجار طريقاً للرحمة أو تدخل قلوبهم الشفقة، والغريب أن التجار يتفننون في أيام رمضان في تقديم ما يسمى بموائد الرحمن والتي عادة ما تكون باباً لتبادل الزيارة فيما بينهم ولا يرتادها سوى أصدقائهم من التجار والمسؤولين، في حين أنهم يغالون في أسعار السلع التي يبيعونها على المحتاجين إليها، فأيهما أجدى وانفع موائد الرحمن أم التيسير على المحتاجين عبر تقليل هامش الربح والابتعاد عن الاحتكار والاستغلال في أيام شهر الرحمة والغفران .
ارحموا رمضان أيها الموظفون يرحمكم الله واجعلوا من ساعات عبادتكم متسعا للعمل، فرمضان ليس شهرا للخمول والكسل، بل فيه يزيد الأجر بقدر المشقة والعناء لا بقدر الراحة، فعلى كل موظف أوكلت إليه الدولة مهمة تسيير أمور المواطنين أن يتقي الله في عمله وأن يداوم على وظيفته وأن يعلم بأن اليمن من الدول التي تخفض ساعات العمل في رمضان بعكس دول أخرى، فهنا في الجزائر على سبيل المثال تصل ساعات الصيام إلى 16 ساعة ورغم ذلك تظل ساعات الدوام الوظيفي على حالها، فاتقوا الله أيها الموظفون فكم من صائم قائم قصد مؤسسة حكومية وتكبد عناء ومشاق السفر ولا يجد بعد كل هذا العناء من يقضي حاجته أو ينجز معاملته، لأن الجواب وبكل بساطة الموظف غائب لأنه صائم، فهل الصوم هو امتناع عن الأكل والشرب أم امتناع عن الدوام الوظيفي ؟ ارحموا رمضان يا مؤسسة الكهرباء يرحمكم الله، واعلموا بأن لهب الصيف شديدٌ خصوصاً في المناطق الحارة، فالحر يفتك بأجساد قاطني تلك المناطق والذين لا يستطيعون أن يؤدوا فريضتهم بيسر جراء الانطفاءات الكثيرة, والغريب بأن القائمين على توزيع الأحمال أو ما يسمى بالإدارة العامة للإطفاء المبرمج لا يحلو لها الإطفاء إلا في الأوقات الهامة مثل السحور والإفطار وصلاة التراويح فهل هي عادة أم تضييق على العبادة،
وفي ذات الوقت ينبغي على المواطنين أن يرشدوا من استهلاك الأدوات الكهربائية خصوصا في أوقات الذروة الرمضانية كي يساعدوا أنفسهم بتخفيف الأحمال وبالتالي تقليل الانطفاء قدر الإمكان . ارحموا رمضان أيها المواطنون يا من تسمون أنفسكم بالضعفاء والبسطاء،
ارحموه يرحمكم الله، وقللوا من التبذير والإسراف، فكيف يعقل أنكم تقاسون الأمرين من الغلاء الفاحش وأنتم في ذات الوقت تشترون ما لذّ وطاب، فما أن يقبل رمضان إلا وتنتعش الأسواق جراء الشراء غير المبرر والذي في الغالب ما يذهب إلى أكياس القمامة وحينها يصبح المرء قد خسر ماله ويمسي وقد كثرت ذنوبه جراء المأكولات التي تلقى في براميل القمامة، وحينها ينبغي ألا نشتكي من غلاء الأسعار ونحن الذين نساعد في ذلك في شراء ما نحتاجه وما نحن في غنى عنه .
ارحموا رمضان أيها المسئولون على المساجد يرحمكم الله، واعلموا بأن الصلاة عبادة كغيرها من العبادات المفروضة على المسلمين، ولأنها عبادة جليلة يتقرب فيها العبد إلى ربه فينبغي ألا نجعل منها باباً للإزعاج عبر مكبرات الصوت التي غزت جميع المساجد والتي يسمع صداها إلى مسافات بعيدة مع أن المقصود هو أن يسمع الإمام المأمومين فحسب دون مضايقة للآخرين، ولقد أصبحنا في حاجة ماسة إلى تقنين الأوقات التي تستعمل فيها مكبرات الصوت في الجوامع، فعلى وزارة الأوقاف أن تستفيد من تجارب الآخرين كالجزائر وتونس والمغرب وليبيا والتي يقتصر فيها الاستعمال على رفع الأذان فقط، ونظرا لكثرة الإزعاج وعدم الفائدة فقد ذهبت السعودية أيضا للعمل بهذا الإجراء، والذي دون شك سيجعل للمسجد قدسية خاصة لأنه سينقل المصلين إلى الجامع وليس كما هو حاصل الآن من نقل الجامع للمصلين في البيوت والأزقة والأسواق.
باحث دكتوراه بالجزائر
[email protected]