د/ سعاد سالم السبع -
أتيت، فلا تغادر يا رمضان!!
مرحبا يا شهر السلام، جئت في وقتك المناسب بالنسبة لنا – نحن اليمنيين- كم نحن محتاجون لأن نهدأ فيك!! لأن نعود لأنفسنا بمعيتك!! لأن نرمم علاقتنا بالله بروحانيتك!! لأن نتواصل مع أحبابنا من عباد الله بوجودك!! يا شهر المحبة الربانية، يا شهر التسامح مع البشر والشجر والحجر، نحن مستبشرون بإطلالتك فلا تغادرنا هذا العام إلا بعد نتعلم منك كيف نقيم مجتمع العدل والرحمة!!
يا شهر الإحسان، أسعدتنا برضا الرحيم الرحمن؛ ففرحنا بقدومك برغم فقرنا وخلافاتنا ومعاناتنا اليومية، وسعدنا بحلولك برغم أحزاننا وإخفاقاتنا وانكساراتنا الأبدية، كيف لنا ألا نكون سعداء بك وقد رفع الله مقامك بين كل الشهور بنزول القرآن؟ وميزك بليلة هي خير من ألف شهر عبر الأزمان !!
يا شهر القرآن، علمنا كيف نستثمر أيامك في طلب الرحمة والغفران، و كيف نقيم لياليك بقراءة القرآن، وكيف نؤدي الحقوق للجيران، وكيف نتجنب الجحود والنكران، و كيف ننتصر على الغرور والنسيان.
يا شهر النقاء ، لا تغادرنا حتى يزول العناء، وحتى يتقرب الأغنياء إلى الفقراء، ويتعلموا منك أن الحياة المكتملة هي في التكافل والرضا، والمحبة والإخاء،لا في الحسد والغل، ولا في المنع والذل.
يا شهر النور، أرسل نورك على قلوب التجار ليبصروا معاناة الفقير من تضخم الأسعار، علمهم أن زكاة الأموال، لا تقبل إذا دهوروا الأحوال، وبرهن لهم أن المال الحلال، ينمو لدى الأجيال، وأن المال الحرام يجلب السم الزؤام، والأمراض الجسام في سائر الأيام.
يا شهر الصبر، اجعل نهارك طويلا على الشابعين، حتى يشعروا بمعاناة الجائعين، وسلط الجوع والعطش عليهم ،حتى يقدروا حاجة الفقير إليهم، واجعل ليلك قصيرا على الفاسدين، حتى لا يستمتعوا بما حشدوه من ملذات على حساب الفقراء المتعـَبين، وانفخ كروشهم بدون طعام، حتى يُحرموا لذيذ المنام، فيزوروا المرضى والأيتام ، ويخففوا عنهم الهموم والآلام.
ياشهر الفرقان، لا تغادرنا حتى يتعلم كبارنا معنى كلمة(الفرقان)، ويستفيدوا من هذا المعنى في إصلاح نياتهم لصالح الإنسان، ويعيدوا للمواطن حقه في الحياة بأمان، فيكسبوا تأييده في كل الأزمان، وينالوا الجزاء الجميل من المنان، ويصبحوا رموز الحكمة والإيمان، ويقتنعوا أن عمل الخير أثمن من المال والسلطان، وأنه
ما يبقى لهم عند مقابلة الديَّان.
يا شهر الصيام، كن وسيطا لنا عند الكريم العلام، ولا تغادرنا إلا وقد زالت الآلام، وغـُفرَتْ الذنوب والآثام، وصحت الضمائر والأحلام، وتوحدت القلوب والأفهام، وطابقت أفعال مسئولينا الكلام .
يا شهر الهدى، أطل المدى؛ حتى يعود أبناؤنا وبناتنا إلى جادة الصواب، فيتجاوزا طيش الشباب، ويبتعدوا عن تجار الخراب، ودعاة التطرف والإرهاب ، ويكون شعارهم في الذهاب والإياب( العلم والعمل لإرضاء الملك الوهاب) ، فيستثمروا الأوقات، ويتجنبوا الضياع والشتات، والتسكع في الشوارع والطرقات ، ويسعد بهم الآباء والأمهات.
يا شهر التوبة، لا تغادرنا إلا برضا الله عنا، بقبول صيامنا، وتقدير قيامنا، ومغفرة جميع ذنوبنا، وتفريج كل همومنا، والتأليف بين قلوبنا، وإبعاد شياطين الإنس عن لقاءاتنا، حتى نتقبل بعضنا، ونعيش معا كما يحب ويرضى.