عبده محمد الجندي -
شرعية اللجنة العليا للانتخابات
التشكيك في شرعية اللجنة العليا للانتخابات هو في أبعاده المتعسفة للدستور والقانون تشكيك في شرعية المؤسسات الدستورية للدولة؛ بداية من شرعية مجلس النواب الذي رشّح، ومروراً بشرعية رئيس الجمهورية الذي عيّن أعضاء اللجنة من بين المرشحين؛ ونهاية بشرعية الشعب الذي انتخب نوابه وانتخب رئيسه في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، ناهيك عما ينطوي عليه من مساس بشرعية النظام السياسي الديمقراطي الذي يقوم على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان وآلية السوق وحرية التجارة والعدالة الإسلامية القائمة على التعددية الاقتصادية المملوكة للدولة والمملوكة للقطاع الخاص والمختلطة في ملكيتها الحكومية والخاصة, وهكذا لا يستثنى أحد قط من الشرعيات بما في ذلك شرعية الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تتنافس على تداول سلطتي الحكم والمعارضة على حد سواء.
نعم يا أستاذ محمد السعدي؛ لقد أخطأت القول فيما ذهبت إليه من نكران يدل على عدم العقلانية والقانونية في العبارات العدوانية التي وصفت بها اللجنة بالباطل لتحكم ارتجالاً بأن ما صدر عنها أو عن الباطل فهو باطل، وأكدت بتلك المجازفة أنك تحت تأثير العصبية الحزبية تقول كلاماً غير مفهوم لا يليق بأمين عام مساعد للحزب الأول في سلطة المعارضة الذي نتمنى له التداول السلمي للسلطة بجدارة مستمدة من حقه المشروع في المنافسة الفاعلة عبر أول محطة انتخابية قادمة.
لقد اعتقدت مخطئاً يا أستاذنا الجليل أن اتهام اللجنة بعدم الشرعية من الاتهامات اللا معقولة واللا مقبولة في الأوساط الخاصة والأوساط العامة السياسية والشعبية؛ نظراً لما أشرنا إليه من انعكاسات سلبية لا تستثني أحداً على الإطلاق؛ لأن الشريعة الدستورية هي الأم والأب لكل الشرعيات القانونية في مجتمع يتخذ من الدين الإسلامي الحنيف مرجعيته الوحيدة؛ يرى في الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاج حياة، فتكون بذلك الاتهام الكيدي قد ظلمت حزبكم وسائر الأحزاب؛ بل قلت كلاماً يرى فيه الآخرون تجاوزاً لما نهى عنه الله من الكذب السياسي الأسود الذي يقصد فيه صاحبه ضرب أكثر من عصفور؛ أو قل عشرات العصافير في حجر واحد، لأن اللجنة العليا للانتخابات هي إحدى الهيئات والمؤسسات الدستورية القائمة والمستندة في مهامها واختصاصاتها إلى أحد القوانين من المنظومة القانونية النافذة والمنظمة لكافة الحقوق والحريات؛ لا بل قل المنظمة للمواطنة المتساوية التي تساوي بين المواطنين بما لهم من الحقوق وما عليهم من الواجبات.
لذلك نقول دفاعاً عن حق اللجنة في الشرعية إنها ليست خالدة وليست مستحيلة التغيير، وبإمكانكم يا معشر السياسيين في المشترك والمؤتمر وما نسبتموه لأنفسكم من الشركاء والحلفاء أن تعيدوا تشكيلها، وأن تعدلوا مالا يعجبكم في قانون الانتخابات النافذة في أول جلسة من جلساتكم الحوارية القادمة؛ بدلاً من اتخاذها شماعة لتعليق ما في أنفسكم من رغبة في المكايدات والمزايدات، والمناكفات السياسية والدعائية؛ لأن اللجنة العليا للانتخابات ولدت شرعية ومازالت شرعية وملزمة بإجراء الانتخابات في مواعيدها القانونية، وإلا تعرضت للمساءلات وللمعاقبات القانونية لا محالة.
أقول ذلك وأجزم إن الإخوة في أحزاب اللقاء المشترك الذين هم بحاجة إلى التداول السلمي للسلطة حاجة الطاعنين في السن إلى العكاز, وقل حاجة الأشجار العاطشة إلى الماء سيكونون في مقدمة المتهمين للجنة بالتقصير والمطالبين بمحاكمة أعضائها وإنزال أقصى العقوبات القانونية الرادعة في حقهم باعتبارهم أعداء الديمقراطية وأعداء التداول السلمي للسلطة وعملاء الحزب الحاكم إلى آخر ما في القاموس من الكلمات والعبارات الاتهامية والعدوانية غير المهذبة وغير النموذجية، ولن تقولوا على الإطلاق إنكم لستم جاهزين للتداول السلمي للسلطة من البوابة الانتخابية التي أعلنتها اللجنة خوفاً من هيئاتكم الملايينية الناخبة لصالح من هم في الحكم.
ومعنى ذلك يا أستاذ «سعدى» أن ما نسب للجنة من نقص في الشرعية اتهام يفتقد إلى الحد الأدنى من الموضوعية بإجماع كل المرجعيات الفقهية والدستورية والقانونية يستوجب المراجعة والتراجع بدافع الحرص على التصويب والإنصاف والعدالة حتى لا يكون ما ذهبتم إليه من ظلم في هذا الشهر الكريم انتقاصاً مما تحظون به من الثقة والمهابة؛ لأن التصويب بمثابة اعتراف بالحق، والاعتراف بالحق هو الفضيلة الموجبة للتبجيل والتقديس من قبل الرأي العام المحايد فيما يصدر عنه من الآراء والأحكام السياسية، ناهيك عن منطوق المرجعيات الفقهية والقانونية الخالية من المجاملة السياسية؛ لا مجال فيها سوى للحق والعدل والمساواة بين الجميع باعتبارهم مواطنين يمنيين عرباً ومسلمين قبل أن يكونوا سياسيين منتمين إلى هذا الحزب أو ذاك التنظيم السياسي الحاكم أو المعارض.
أعود فأقول إن شرعية اللجنة العليا للانتخابات جزء لا يتجزأ من شرعية النظام السياسي للجمهورية اليمنية الذي بموجبه أطلقت للشعب كافة الحقوق والحريات العامة والخاصة؛ إلا أن هذه اللجنة محكومة فيما هو مناط بها من المهام والاختصاصات بقانون الانتخابات العامة والاستفتاء؛ بإمكانكم معشر الأحزاب الممثلة في مجلس النواب تعديله وتطويره وحتى إلغاؤه إذا لم تعد بكم حاجة للانتخابات التنافسية ولو بالعودة إلى ما قبل الوحدة من التشطير والشمولية أو ما بعد الوحدة من فترات تقاسمية، ذلك يخصكم وحدكم ويندرج في نطاق القضايا المطروحة على حوار المائدة المستديرة برئاسة ودون رئاسة؛ المهم أن تخرجوا اللجنة من نفس الأبواب وبنفس الوسائل والمؤسسات الدستورية والسلمية الديمقراطية التي ولدت منها بدلاً من اتخاذها طبلاً وبوقاً لما في أنفسكم من هواية لسماع الدعوة إلى نفير الحروب الدعائية على قاعدة “لزوم ما لا يلزم”.
أقول ذلك وأؤكد بحكم أنني واحد من أعضاء اللجنة وناطق رسمي باسمها أن ما تقوم به اللجنة من إعداد أو تحضير لمراجعة وتعديل جداول الناخبين هو عمل فني لا يتأثر بلغة المكايدات السياسية، وإياكم والاعتقاد أنه يتم بتوجيهات عليا هاتفية شفوية أو مكتوبة؛ لأن اللجنة محكومة بقانون ولا يلغي القانون سوى القانون البديل لاسيما أن التصريحات الصادرة عن القيادة السياسية وعن الهيئات والمنظمات الدولية وعن الأحزاب والتنظيمات السياسية الموقعة على كل الاتفاقات والمحاضر تؤكد أن الانتخابات البرلمانية سوف تجرى في موعدها القادم في الـ 27 من إبريل 2011م، ولم يحدث قط من إشارة مباشرة أو غير مباشرة أنه سيتم التمديد للمرة الثانية لمجلس النواب الممدد أصلاً لمرة واحدة غير قابلة للتكرار مرة ثانية، فكيف للجنة مسئولة عن إجراء الانتخابات في موعدها لا تخاطب الأحزاب بتسليم حصصها غير القانونية التي تعارفت عليها من قبل اللجان الإشرافية والأساسية والأصلية والفرعية المنفذة لمراجعة وتعديل جداول الناخبين؟!.
وإنه لما يدعو إلى الأسف والشعور بالاكتئاب أن تصدر مثل هذه التصريحات من الحزب الأول في المعارضة، صاحب المصلحة الحقيقية في التداول السلمي للسلطة، بدلاً من صدورها عن الحزب الحاكم الذي له مصلحة محسوسة وملموسة في عدم إجراء الانتخابات في مواعيدها الزمنية القادمة من منطلق ما لديه من مخاوف عدم الحصول على أغلبية مماثلة.
إن الانتخابات مهما كانت مخيفة إلا أنها تظل البوابة الوحيدة للتداول السلمي للسلطة، ولا نجد لها بديلاً في كل الديمقراطيات الليبرالية الناشئة والناضجة السارية في العالم، وينبغي أن تكون على الدوام هي المطلب الأول والأخير للأحزاب بشكل عام ولأحزاب المعارضة بشكل خاص، ودون الانتخابات سوف يظل صاحب الأغلبية الساحقة هو المهيمن والمسيطر على مفاصل السلطة ومؤسساتها الدستورية والقانونية لا محالة، وصاحب القول الفصل في تنفيذ وعدم تنفيذ ما يتفق عليه من اتفاقات حوارية غير قانونية تفتقر إلى سلطة الإلزام والالتزام.