علي حسن الشاطر -
خليجي 20 مؤشرات النجاح 1-2
كثيرة هي النجاحات والانتصارات والمكاسب التي جنتها وتجنيها اليمن رسمياً وشعبياً من استضافتها ل(خليجي20) وتتعدد مجالاتها وأبعادها ومردوداتها الإيجابية لتشمل قطاعات الرياضة والاقتصاد والسياحة والثقافة والسياسة والاجتماع وصولاً إلى الدبلوماسية الشعبية, والأهم من ذلك كله هو تعزيز أواصر الترابط والتوحد الاجتماعي والثقافي والرياضي بين اليمن وأشقائها الخليجيين والعراقيين، وهذا هو الانتصار الحقيقي الذي تتجسد فيه الرسالة الحضارية والإنسانية للرياضة وأعظم الأهداف العامة المرجوة من المسابقات الرياضية المختلفة على المستويات القطرية والإقليمية والدولية بما في ذلك (خليجي20) التي وضعت في طليعة أهدافه, مهمة حشد وتوحيد طاقات الشباب اليمني والخليجي والعراقي إلى جانب قوى المجتمع الأخرى في التصدي لآفة الإرهاب وفي مواجهة التحديات الشاخصة أمام شعوبنا وأمتنا في الحاضر والمستقبل؛ وتحويل هذه المناسبة الرياضية إلى تظاهرة اجتماعية وسياسية ورياضية لتقارب الشباب واستنهاض هممهم وتنمية وعيهم بواقع وهموم أشقائهم وجيرانهم من خارج الدائرة القُطرية وجعل الاهتمام بالآخرين من صلب مسئولياتهم باعتبارهم قادة المستقبل وعماد نهضة الأوطان ووحدتها وازدهارها.
منذ اليوم الذي وطئت فيه أقدام الضيوف الخليجيين والعراقيين أرض وطنهم الثاني، مروراً ببدء الفعاليات الرياضية حتى نهاية الدور الأول تجلت العديد من الحقائق الواقعية الدالة على تميز ونجاح هذه البطولة التي لا تستند إلى قاعدة مادية أو فنية، بقدر استنادها إلى موروث ثقافي وتاريخي وقيم معنوية وأخلاقية ووطنية، ويأتي في طليعة هذه الحقائق الدالة على تميز هذه البطولة ونجاحها، وتضاف إلى رصيد المكاسب الوطنية المتوخاة من هذه البطولة جماهيرياً بإجماع كافة المشاركين والإعلاميين والرياضيين والمعلقين والمراقبين ورؤساء البعثات الرياضية.
تعتبر الجماهير اليمنية ملح البطولة وصانعة نجاحها والمنتصر الأكبر فيها، وقد تجلى الفعل الشعبي الجماهيري في الانتصار لوطنهم في (خليجي20) من خلال ظاهرتين:
تتمثل الأولى في الحضور الجماهيري الكبير داخل مدرجات الملاعب وأمام الشاشات التلفزيونية في الساحات العامة، والتفاعل الكبير مع الفرق المتميزة في فنها وأدائها الجميل وتاريخها الرياضي، وهو ما يعبر عن الروح والأخلاق الرياضية للجماهير اليمنية بشكل عام وأبناء محافظات عدن وأبين ولحج بشكل خاص، ويعكس حقيقة عشقهم للرياضة وهوسهم بكرة القدم، هذه الجماهير لما تحمله من روح حرة وعقل حر، وان تباينت واختلفت قناعاتهم وخياراتهم ومواقفهم في تشجيع هذا الفريق أو ذاك، إلا أنهم جميعاً منحازون ومتعصبون للفن والإبداع الكروي الراقي وللروح الرياضية النبيلة وأخلاقياتها السامية على أرض الملعب وخارجه..
وتتمثل الظاهرة الثانية في سلوك وتفاعل هذه الجماهير مع ضيوفها خارج الملعب، وهو السلوك الحضاري الذي جعل من مدينة عدن وأهلها حضناً دافئاً وأماً رؤوماً لكل ضيوفها وزوارها، وواحة حب وجمال لا حدود لعطائها وكرمها، فهذه المدينة التي تعتبر من أعرق المدن في التاريخ وأقدم الحواضر المدنية المعاصرة على مستوى المنطقة، اختزلت بين شواطئها الجميلة وتحت فوهة بركانها الخامد، العصور والحضارات وتفاعل الثقافات الوطنية والعالمية، لتصنع لنفسها تميزها ونسيجها الاجتماعي والثقافي والحضاري، الذي استطاع الصمود أمام مختلف التيارات الفكرية والثقافية المتخلفة والدخيلة، وعبر تاريخها الطويل وما تعرضت له من غزوات وحروب وصراعات وتقلبات سياسية، ظلت هذه المدينة متميزة عن بقية الحواضر الوطنية والاقليمية بأنها لا تتأثر بالثقافات والأخلاقيات والسلوكيات المتخلفة التي تحاول غزوها، بل على العكس من ذلك تفرض على الغزاة والدخلاء ثقافتها وقيمها وشعاعها الحضاري المتمدد إلى محيطها الجغرافي، هذه المدينة قد تهزم أو تدمر لكنها لا تموت وسرعان ما تبعث روحها المتجددة من تحت ركام الهزائم.
حفاوة الاستقبال واحتفاء السكان بضيوف خليجي عشرين، بكل ما فيه من عفوية وبساطة وصدق لا يخلو من الواقعية والمرح النابع من حب المواطن الجارف واحترامه الكبير لضيوف بلده، وهذه السجايا الإنسانية النبيلة هي التعبير الواقعي عن القيم الأخلاقية والثقافية والحضارية لهذه المدينة، التي يستمد منها أبناؤها غذاءهم الروحي ويتربون عليها بكل ما فيها من عناصر الانتماء والاعتزاز والولاء الوطني، وبساطة لا تخفي قوة الإرادة والعزيمة، وتواضع إنساني لا يطغى على نزعة الثورية والتمرد على كل ما هو جامد وسلبي ومتخلف.
دور الجماهير الرائع وقوة فعلها وتأثيرها الكبير في إنجاح (خليجي20) داخل المدرجات وخارجها، وطبيعة روحها وأخلاقها الرياضية، لم تأت من فراغ، بل هي نتاج موضوعي ومحصلة آنية لموروث ثقافي وتاريخي وحضاري، تمازجت عناصره الأساسية من روح إنسانية، وانتماء وطني، وحسٍ حضاري، ووعي ثقافي أصيل، وقيم أخلاقية وطنية وحدوية ودينية وإنسانية، ومشاعر قومية وأخوية مفعمة بالمودة والحب والتقدير للأشقاء الخليجيين والعراقيين، هذه وغيرها من العناصر شكلت خطوط وألوان هذه اللوحة الجماهيرية ل(خليجي20)، ومنحتها قيمتها الفنية والمعنوية، وصنعت سر الانتصار اليمني في استضافة هذه الدورة.
سياسيا:
أمام تحديات ومسئوليات وطنية كبيرة كهذه بحجم استضافة خليجي 20 أكدت الجماهير اليمنية في كل أرجاء الوطن باختلاف شرائحها الاجتماعية والعمرية وانتماءاتها الجغرافية والمذهبية واختلاف أطيافها السياسية والفكرية والحزبية قدرتها المعهودة في الانتصار لقضايا الوطن وتجاوز خلافاتها وتناقضاتها وصراعاتها البينية وتوحيد قواها وإمكاناتها الفكرية والعملية، وأثبتت هذه الجماهير أنها قادرة على تجاوز أزمة وعيها وتصحيح ذاتها بذاتها والاضطلاع بمسؤولياتها وواجباتها الوطنية والأخلاقية على أكمل وجه لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار ان الكثير من أزمات وإشكالات الواقع الوطني القائمة حالياً ما هي إلا انعكاس لحالة التفاعل والحراك المتوالد عن حاجة المجتمع اليمني إلى التجديد والتغيير ورفضه المعهود لواقع الاستكانة والجمود، وهذا التفاعل والحراك وإن خرج في بعض الحالات عن سياقه التاريخي وتجاوز حدوده الطبيعية الآمنة ليتحول إلى معوقات للتنمية، إلا أنه سيظل صفة ايجابية خاصة بهذا المجتمع وملازمة له عبر مراحل تاريخه المختلفة التي تمنع عنه حالات الوهن والجمود والسقوط في هوة الشيخوخة المبكرة، لقد أظهر التفاعل الشعبي والسياسي اليمني مع (خليجي20) شغف اليمنيين بهويتهم وتاريخهم واعتزازهم الكبير بانتمائهم لهذا الوطن، كما عبر ذلك عن حيويتهم وقدرتهم الكبيرة على التفاعل مع إطارهم الاجتماعي والجغرافي والإقليمي وانجاز المهام التي يجدها البعض مستحيلة أمامهم كما هو الحال في استضافة خليجي 20 حيث أظهرت النتائج المبهرة أنها تتجاوز حدود الإمكانات والموارد والخبرات المتاحة.