توفيق عثمان الشرعبي -
"الإنسان" الرجيم!!
عندما تزيف المعلومات ويُوظف الخطاب الديني لأغراض ذاتية وتصور الحياة الدنيا بأنها رخيصة يمكن أن يتحول الأفراد الى متطرفين تدميريين، ويتخفى الشيطان في ملابس »إنسان رجيم« يتعاطى الدين بطريقة غير طبيعية لتنتج أثراً سيئاً على المخدوعين، ما دفعني لتناول جانب من حقيقة هذا الإنسان الرجيم هو ذلك النص الذي وقف النقاد عند جنسه هل هو رواية أم شعر أم حكاية أم سيرة ذاتية، وهذا شيء لا يهمنا في هذه التناولة.. فالنص الذي كتبه الشاعر الكاتب عبدالله ثابت وعنونه »الإرهابي20« جدير بأن يحتوي كل الأجناس السابقة وغيرها كما أنه جدير بأن يكون حقيقة واقعية سردها الكاتب تحت شخصية البطل »زاهي الجبالي« الذي اعتقد -جازماً- بأنه رمزٌ لجيل بأكمله يستهدفه »الإنسان الرجيم« ليخرجه عن طوره الإنساني ليصبح طاقة تدميرية يستخدمونها باسم الدين..
»الإرهابي 20«، حالة إبداعية نادرة كتبها اختصاصي لغة وخبير ديني بأسلوب غاية في الروعة والتأثير اختبر فيها كاتبها جميع حالاته، ليؤكد للجميع: هذه هي الجماعات المتطرفة وهذا هو سبيلها لاستدراج الشباب المراهقين والأحداث الى كهوفها ومخيماتها ليصبحوا قنابل موقوتة لتدمير الإنسانية وهتك الدين باسم الدين..
زاهي الجبالي بطل هذا النص سرد حالته وحالة مجتمعه بأسلوب قابل للاسقاط على حالات مشابهة لكيفية صنع الإرهابيين من قبل فقهاء التزمت.. زاهي الجبالي الذي كان ضمن 11 فرداً في عائلة يديرها والده الذي عمل في كل بيت في القرية أجيراً حتى أصبح ثرياً بعد فاقة وعوز وكفاح، زاهي الذي كان من مجتمع جميلٍ ميالٍ للموسيقى وحكايات الحب التي لا تنتهي حتى دخل فيه "الانسان الرجيم".. زاهي الذي اعتزل أقرانه، وصبر وحزن وبكى وعاش في البيت أكثر الاوقات خوفاً من وسامته التي تعرضه لغرائز المعتوهين وعدم تقبل عائلته لشكواه إزاءهم.. زاهي الذي كان أبوه فظاً غليظ القلب وأمه التي لا تفتر من العمل ولا تجيد الابتسامة.. زاهي الذي كان له أخ متدينٌ لدرجة مؤذية، فقد قال له: »سأعطيك كل ما تريد لو طلبت من أبي أن تكون بهذه المدرسة«.
زاهي الذي بكى وناح وصرخ من أجل الموافقة على إلحاقه بالمدرسة القرآنية فوافق والده لأن مجتمعه "لا يستطيعون أن يتجاهلوا كل شيء، لكنهم يتراجعون في كل مرة أمام دمعات الصغار وبكاءاتهم«.
المدير والبنطال!!
ومع أول يومٍ لهذا الجبالي في المدرسة القرآنية تفاجأ بدخول مدير المدرسة- ذلك الرجل المتوحش- إلى المقصف ليرى طفلاً شامياً يلبس البنطال فيصرخ صرخة أسكتت جميع الطلاب قال للطفل: »تعالَ هنا« فجاءه الطفل يكاد يغشى عليه من الخوف، و قال له: »أين الثوب الذي يسترك؟ لِمَ تأتي بهذا البنطال الذي لا يلبسه الرجال؟
ورغم تبريرات الطفل إلا أن المدير ضربه ضرباً موحشاً في سائر جسده وجلده ببشاعة ومسك بفروة رأسه ورنحه يميناً وشمالاً وهو يقول: »ستكون رجلاً رغماً عنك.. لا تلبس لبس الكافرين هنا«!!
يقول زاهي الجبالي: »لا أنسى أبداً بكاء الطفل وهلعه واستنجاده، لقد كانت صدمة عنيفة.. كانت كلمات أخي عن اللعب والمرح وطريق الجنة والسعادة تتحول الى أشباح مخيفة، لها أنياب حادة تنظر اليَّ وتقهقه«.
هذه أولى خطوات »الإنسان الرجيم« الذي جسده المدير ليرسم صورة زائفة عن الدين السمح ويصطدم زاهي مرة ثانية بهذا الزيف.. يقول: »حدث أنني كنت أحب الفراشات، وفي حصة الرسم اعتنيت بإحداهن لأرسمها فهوت على يدي عصا المعلم، وحين سحبت يدي من شدة الألم صرخ بي: »إن رسم ذوات الأرواح حرام«.. أمرني أن أرسم المساجد والكعبة والقدس التي كنت أحبها وهو فقط من نزع حبها من قلبي يومها، فرسمتها والرهبة والبكاء والغضب والحزن وأشياء كثيرة تصطرع بي«!!
هكذا بدأت خطوات »الإنسان الرجيم« في رسم صورة مشوهة عن الدين في عقل زاهي الجبالي الغض الذي أُجبر على لبس الثياب القصيرة ليتعلم كلمات أولئك المتزمتين ودعواتهم الخاصة حتى أصبح السواك لا يفارق فمه وكأنه يحدُّ أسنانه لنهش كل جمالٍ في هذا الكون..
زاهي استمر على هذه الحال لكن ظل في داخله إنسان جميل يحب الاغنيات والصور والرسم واللعب.. استمر بالذهاب الى تلك المدرسة التي طالما شبهها »بالمعتقل«، استمر في عيشة الرعب بين المدير الغاشم والأب المخدوع بتدين تلك الجماعة المتطرفة في تقديم الله تعالى للناشئة .. أراد زاهي الجبالي الخروج من تلك المدرسة »المعتقل«.. وفي ظل رفض والده ناضل هذا الفتى حتى نال ما يريده..
يقول زاهي الجبالي:»سنيَّ المرحلة الأولى والثانية من طفولتي كانتا مداراً ضخماً من المفزعات والآلام، فأنا الطفل الذي ألمت به حالات الرعب حيال المدرسة القرآنية ومن فيها، تلك المدرسة التي مثلت خيبة الأمل الأولى وفقدان الثقة بأية وعود من سماءٍ أو أرضٍ!«.
ويقول: »القمعية التي واجهتها نفسياً وجسدياً جعلتني أكره كل ما يتصل بالسماء وأتذكر مرة أن والدي والمدرسة أكرهوني على صيام رمضان، وحين كان يهزمني الجوع والعطش كنت أخرج من البيت وبداخل ثيابي شيء من طعام وماء«.
لقد ألجأوا الطفل الصغير الى التصنع والتمثيل وهو ما يحصل مع كثير ممن هم في سن زاهي في مجتمعاتنا المهددة باختراق »الإنسان الرجيم« إلى أوساطها عن طريق الدين وباسم الشيخ..
حكاية ضخمة!!
وبعد أن تخلص زاهي الجبالي من تلك المدرسة والتحق بمدرسة جديدة لا ضرب بها ولا عِصِيّ ، ولا رعب ولا مخاوف ولا إنساناً رجيماً ليبدأ رحلة جديدة هيأته نفسياً ليكون متميزاً في دراسته ولعبه للكرة وللقراءة المتنوعة من ألف ليلة وليلة الى أجاثاكريستي وقصص الأنبياء وغيرها.. ومرت ثلاث سنوات قضاها زاهي في مدرسته التي أخذ حريته فيها ليلتحق بالمدرسة الثانوية التي لم يكن يعلم أن ولوجه إليها إيذان باقتراب ميلاد حكاية ضخمة جداً في حياته.. يقول زاهي: »ما كانت سوى بضعة أسابيع حتى كنت محط أنظار جماعةٍ نشطةٍ دينية بالمدرسة ، كان يطلق عليها جماعة التوعية«.
لقد كلفت هذه الجماعة أحد الطلاب بإغراء زاهي بأي شيء حتى يسحبه اليهم، ولأن هذا الطالب يعمل لدى »الإنسان الرجيم«، فقد استطاع أن يؤثر على زاهي وإغراءه بالتنزه معهُ بسيارته الفارهة التي يمتلكها رغم صغر سنه، ولأن الجماعات المتطرفة تعرف كيف تخطط لتنفيذ برنامجها واستقطاب ضحاياها كان لها أن نظمت أنشطة في ليالي رمضان وخصت منها دورة في كرة القدم، ولأن زاهي لاعب ماهر وطالب ذكي سعت الجماعة إلى استقطابه فدعته لأنشطتها ودار بينه وبين أسرته نزاع كبير حتى يسمحوا له بالانضمام الى أنشطة هذه الجماعة فكان له ما أراد.
وفي أول ليلة من رمضان اصطف الطلاب وتُلي عليهم برنامج الجماعة الذي اشتمل على المحاضرات والندوات والدروس والحفلات والعظات والتذكير والصلاة والخطب التي تركز على العذاب والنار والموت، وبعد الترهيب والبكاء والنياح والعقارب والنار والكلاليب يومياً تبدأ المباراة الرياضية، والجماعة وبقية الطلاب يشجعون بواسطة »الله أكبر« عندما تكون هناك هجمة أو هدف والويل لمن يصفق أو يصفر لأنه سيكون -حينها- متشبهاً بالكفار.
وهكذا ينتهي رمضان وتنتهي أنشطة الجماعة وقد حصل زاهي على لقب أفضل لاعب وأفضل هدَّاف وحقق فريقه البطولة لتبدأ رحلة الاختطاف الحقيقي لهذا الفتى اليافع الذي لم يكن بعدها يعود الى البيت إلا في العاشرة ليلاً بعد سماع المحاضرات والأناشيد الحماسية "والاخوانية" والمواعظ الباكية عن الجنة والنار والشهادة والموت وحسن الخاتمة للصالحين وسوء النهايات للعصاة.
رحلة خلوية!!
ومع انتهاء العام كانت الجماعة قد سلطت »إنساناً رجيماً« جديداً اسمه الشيخ يحيى لإغواء زاهي ببرامجها حتى أصبحا صديقين حميمين، ولأن الجماعة قد أعلنت عن رحلة خلوية لمدة خمسة أيام كان على زاهي أن يتحدى والده ويزوّر إمضاءته للمشاركة في هذه الرحلة التي قال عنها: عندما دخلت الى المخيم شعرت أني امتلك الدنيا بحذافيرها«.. لقد عاش زاهي خمسة أيام في برنامج حافل بالأنشطة المختلفة داخل المخيم الذي لا يختلف عن المعسكر، لقد كان برنامجاً سرياً منظماً بطريقة غاية في الدقة سواءً في المحاضرات أو الترغيب والترهيب أو التدريب على القتال .. لقد كانت المحاضرات كلها عن قضايا معاصرة تحرض ضد الحكومات الطاغوتية حسب تضليلهم للشباب، لقد قسموا الطلاب الى مجموعات كل مجموعة يقودها أمير »إنسان رجيم« يغتال في محاضراته معاني الإنسانية داخل أفئدة الصغار.. يقول زاهي: »كانوا يدخلون الى ضمائرنا عبر طريقتين إحداها: استغلال الجانب الوجداني، عبر الترهيب والترغيب.. والطريقة الأخرى هي ما يكلفوننا به داخل المركز وخارجه من البحوث والدروس والمشاركات«.
يشير الباحث حامد بن عقيل في دراسته عن نص »الارهابي20« الى أن الجماعة المتطرفة تنتخب خطاباً دينياً مناسباً لتحقيق أهدافها ولأنها تعمل بطريقة سرية سرعان ما تصل الى التعليم العام كي تؤثر على الطلاب كي يصبحوا أعضاء فاعلين في تحقيق الأهداف.
انتهت الايام الخمس وقد تدرب زاهي الجبالي على القتال والخطابة وعرف قدر الدنيا الزائلة والحياة الرخيصة-كما علموه وبقية زملائه- وفي طريق العودة اتجه »الإنسان الرجيم« يحيى الصديق الحميم لزاهي الى مكان مقفر موحش.. اتجه مع زاهي الى المقبرة.. وفي وسط المقبرة أوقف يحيى سيارته والليل في منتصفه.. يقول زاهي الجبالي »الإرهابي20«: »كل خفقات قلبي ألا يطفئ يحيى مصابيحها- يعني السيارة لكنه فعل، ومد يده للمسجل ورفع الصوت »شريط هادم اللذات يتحدث عن رحلة العذاب ما بعد الموت«، المتحدث يصرخ:»وجاءت سكرة الموت بالحق، ذلك ما كنت منه تحيد«، يبكي يحيى والريح الباردة تنفث كل أشباحها لتصطدم بالنافذة الزجاجية فتحدث صفيراً مخيفاً.. وفي حلكة الظلام يومئ لي بالهبوط ثم يومئ.. إذاً لا خيار!«.
يا الله كم ذلك »الانسان الرجيم« قاسياً ومجرماً وخالياً من الانسانية، لقد أنزل زاهي وأدخله الى قبرٍ وقال له: »اضطجع، وابكِ وخف ما استطعت«.
يقول زاهي عن اضطجاعه في القبر: »كنت في حالة تشبه ما قبل النوبة العصبية أو التشنج .. لم نعد من هناك إلا وأنا أريد أن يدلني يحيى على أي شيء أفعله لأنجو من النار ومن هذا الرعب«.
وبهذه الطريقة المفجعة يستطيع »الإنسان الرجيم« الممثل بالجماعة المتطرفة التي تستهدف شبابنا بهذا التضليل والغلو وامتهان الصغار ليصبحوا قنابل موقوتة يفجرونها متى شاءوا وكيف شاءوا وأينما شاءوا وهذا ما يحصل في بلداننا الاسلامية ما بين الفينة والاخرى، وما التفجيرات التي ينفذها الارهابيون في بلداننا إلا دليل واضح على خطورة هذه الجماعات على شبابنا.
الخروج عن الفاسقين!!
والأكثر خطورة أن كثيراً من الآباء لا ينتبهون لأبنائهم من هذه الجماعات المتطرفة والمريضة، حتى يصل الامر الى أن تحرض الجماعات الأبناء على آبائهم وأسرهم ومجتمعاتهم، وهذا يتضح مع زاهي الجبالي الذي أُعده أنموذجاً يوجد فيما بيننا وفي مجتمعنا.
لقد حرضت الجماعة زاهي الجبالي ضد أسرته والتي وصفوها بالعاصية لأنها تسمع الأغاني وتشاهد التلفاز ..لقد حرضوه على أخوته وأمه وأبيه كونهم من العصاة المجاهرين الفاسقين وعندما لم يستطيعوا ان يغيروا شيئاً أوصوه بالخروج من المنزل خشية الافتتان بالفاسقين.
وفعلاً سفك زاهي دموع أمه وهي تتمسك بأطراف ثوبه حتى لا يدع البيت، ولكن هناك من أفرغ قلبه من الانسانية ومن الجمال.. لقد فتنه »الانسان الرجيم« الذي يتفشى اليوم في مجتمعاتنا وينتشر في بعض مساجدنا ومدارسنا..
لقد أصبح زاهي يحمل لسان الدين المقدس بعد أن استبدل بيته بمستودع أرضي ينام فيه واستبدل أسرته بالجماعة المتطرفة والشيوخ المتزمتين وغدت نتائجه الدراسية مخزية بعد أن كان الذكي الفطن والأول بين أقرانه وأترابه.
لقد استولت الجماعة على مشاعره.. يقول: »إنني على أتم الاستعداد أن أقدم روحي التي بين جنبي، لأجل ما يراه الصالحون.. ها أنا بعد كل هذا من الطائفة المنصورة التي ينصرها الله من بين كل الطوائف«.
هكذا افتتن زاهي بخداع الجماعة وسقط في وحلها مشوش الفكر مسلوب الإرادة جراء العنف الذي مارسوه تجاهه من خلال مشاهد السكرات والموت.. النحيب والعويل.. هادم اللذات والقبر.. لقد تحول الى »انسان رجيم« يرهب الناس بالحيّات والعقارب والكلاليب التي تنتظرهم بعد الموت.
مسكون بشر الجماعة!!
ومما لايخفى على الواعين أن هذه الجماعات تنشط بشكل مكثف في العطل الصيفية لاستقطاب واستهداف الطلاب الذين تم التركيز عليهم خلال فصول الدراسة.. إنهم يستهدفون الطلاب في التعليم العام بشكل مركز وخصوصاً الطلاب الموهوبين والأذكياء، كونهم سريعي الفهم والاستيعاب ويمكن خلال خمسة أيام أن يعلموهم الكثير والكثير كما فعلوا مع زاهي الجبالي الذي أصبح واحداً منهم يكفّر الانظمة ويلعن الحكومات ويصدر الفتاوى والتكفيرات ضد الأدباء والمفكرين.. ضد النساء اللاتي يخرجن الى الاسواق.. »وربما ضد اللاتي سيترشحن للبرلمان«.. أصبح يهدد كل من يرفع صوت المسجل بالأغاني، ويهدد مدير المدرسة وجميع الطلاب إذا رددوا النشيد الوطني للبلاد، لأن كل هذا من عمل الكفار .. لقد تعرف معهم على كفر الدولة وسيرها السياسي، وكُفْر الحداثيين وبطولات المشائخ الدينيين.. لقد تماهى معهم وأصبح خطيباً مفوهاً مسكوناً بحب هذه الجماعة وشرها ـ الذي لا يعيه - يحدِّث عن الجنة والنار والقبر وما بعد الموت »بهدف الهيمنة على القناعات العقلية للأفراد«.
يقول زاهي الجبالي: »صرت أقرب اليهم وهم أقرب إليّ من أي شيء، فلم يعد هناك ما يمكن فعله، لأكون منهم ومعهم ومثلهم شيء أعلمه، إلا وفعلته كلاماً وعبادة وسلوكاً وحتى في طريقة ضحكي ومشيتي، وجلستي، وحركات أصابع يدي وهندامي، فقصرت ثوبي الى منتصف الساق، وتركت للشعيرات المتناثرة بوجهي أن تنمو وتطول، فتكون لحية أفتلها بأصابعي على طريقتهم، كل شيء كان منهم ولهم وإليهم«.
إن هذا الانصهار والتماهي يؤكد أن الجماعات الارهابية التي تتمترس خلف »الإنسان الرجيم« وتتقمص الدين تعرف كيف تستغل وتستغفل الدولة والمجتمعات لاختطاف من تريد من الشباب وصنعه من جديد حتى يغدو حزاماً ناسفاً أو قنبلة تدميرية موقوتة أو لساناً مؤثراً فتاكاً يذرُّ الأفكار الطوباوية على عقول الشباب والمجتمعات بشكل عام.
العودة إلى الذات!!
ورغم التماهي الذي حصل بين زاهي الجبالي والجماعة إلا أن الانسان الجميل الذي كان داخله لم تدمره كل تلك الخطابات المتزمتة التي سمعها وتعلمها ..!!
في ليلة ما مسكت الجماعة شاباً كان يرفع صوت الاغاني من مسجلة في سيارته وأهانته بوضعه في دورة المياه لأنه قال إن سماع الأغاني شيء يخصه هو..
لقد وقف زاهي أمام هذا الموقف الروحي والمشهد الذي خلا من العدالة، يقول: »تساءلت ليلتها أية نصيحة هذه التي تبرر إهانة الآخرين وطعن كبريائهم وكرامتهم، وأي حقٍ هذا الذي جعل من الدين سوطاً يذل الناس الى هذا الحد«.
إنها أولى خطوات العودة الى الذات.. إنها الحياة الجديدة التي أيقظتها هذه الحادثة داخل زاهي: »لأول مرة أشعر أن خطأً ما قد فعلناه هذه الليلة«.
وبدأ الشك يساوره في هذه الجماعة التي تفتي بجواز سرقة الدولة وبجواز الغش في مادة الانجليزي لأنها لغة الكفار و.. و.. الخ.
ولأسباب مختلفة دخل الصراع بين الجماعة المتطرفة وزاهي الجبالي.. بدأ بعض شيوخه يغيرون منه ومن حدة ذكائه وسرعة تأثيره وقدرته على استقطاب الصغار الى الجماعة وغيرها من الاشياء والتأملات التي أيقظت الانسان الجميل داخل زاهي الجبالي من جديد.
كم كانت صدمته كبيرة وهو يشاهد أحداث سبتمبر ذلك المشهد الفظيع واللاإنساني.. تذكر أنه رفض الرحيل الى افغانستان ولو كان وافق لكان الارهابي رقم "عشرين"، فزملاؤه الذين كانوا معه في أول مخيم لهم مع الجماعة هم من قاموا بذلك العمل المشين - تفجير مركز التجارة العالمي-، لقد نجا بنفسه من تلك الجماعة الضالة التي تنتشر كالوباء لاستهداف أبنائنا..
عرف زاهي الجبالي: »الارهابي20« كيف يتخلص من الجماعة المتوحشة وكيف يكنس كل ما خلفته من دمار في عقله.. عرف كيف يتمتع بالحياة.. عرف أن الله لا يجعل بينه وبين أحد أنشطة، ولا جماعة، وأن الله ليس بحاجة الشيوخ المتخفين بـ»الإنسان الرجيم« ليربطونا به..
يقول زاهي: »إننا لسنا بحاجة إلى أيٍّ من هذا لنصل الى الله ونعبده بالطريقة التي نخمن أنه يحبها، اقتنعت ان استعداء الأهل والمجتمع والدولة والعمل على تقويض كيانها وأن تكفير الناس لم ولن يكون مما يريده الله أبداً!!«.
عاد زاهي الى متعته في كرة القدم ومتعة القراءة لكل ما يقع في يده من كتب بدون تحفُّظ أو تحريم، عاود كتابة الشعر وممارسة الرحلات.. زار اليمن والتقى بالمقالح ومحمد عبدالسلام منصور وغيرهما من المفكرين والأدباء والحداثيين، كتب في الصحف والمجلات.. نشر المحبة والجمال فيما كتب وطالب وزارة التعليم أن تعتمد مادة تثقيفية موسيقية لإزالة تلك الأفكار الطوباوية التي يجرؤ بعض المتأخرين المتطرفين فيها على تحريم الموسيقى ووصفها بالشر.
وعرَّى الجماعة المتطرفة المتوحشة وكل الجماعات التي تسيئ للدين باسم الدين في كتاباته وحذر الناس والمجتمعات من خطر الارهابيين، منوهاً إلى أن الحياة للجميع.
وهذا ما يتوجب علينا أيضاً أن نوضحه للناس بأن الحياة للجميع، وليس من حق أحد أن يسلب منّا ومن شبابنا هذه الحياة.. يجب أن نكشف للمجتمع أن المتقمصين عباءة الدين ما هم إلا »إنسان رجيم« يوهم الجميع بأنه يمتلك الحقيقة وفي سبيلها يمارس التكفير والخداع والغش والتأليب والتحريض..
إن من يوهمنا بأنه الوحيد الذي يعرف الله، إنما هو مجرد »إنسان رجيم« يزيف الحقائق لتفخيخ العقول وتدمير الشباب وهتك الأمان والاستقرار..
إنهم يسرقون الابناء ويحرضونهم ضد أسرهم ومجتمعهم ودولتهم.. إن نص »الارهابي20« الذي أشرنا اليه جدير بالقراءة لمعرفة خبث الجماعات المتطرفة وأساليبها في اختطاف الطلاب والزج بهم في السجون النفسية.. إنهم يستدرجونهم الى الموت والتدمير ونسف الانسانية واغتيال الحياة..
يقول حامد بن عقيل في دراسته عن »الإرهابي20«: »إننا بحاجة الى إعادة النظر بالكامل في قيمنا التربوية داخل العائلة، وأن نعيدالنظر في قيمنا التربوية داخل مؤسساتنا التربوية وأن نعيد النظر بالكامل في قيمنا الاجتماعية«.
وحقيقةً إن إعادة النظر في مختلف قيمنا سيجنب أبناءنا شرور الجماعات المتطرفة الارهابية وسيدفع بهم نحو خطاب ديني وسطي يقوم على المعاملة وليس على الخطاب الترهيبي والترعيبي الذي يهز الذات ويغتال المشاعر!!
ولا أشك أن وزارة التربية والتعليم ستغفل عن الجماعات المتطرفة التي تتربص بالشباب لاستدراجهم الى مخيمات وكهوف الموت!!
فما عبدالرحمن العجيري الذي فجر نفسه مستهدفاً السياح الكوريين في شبام حضرموت، وكذلك عثمان الصلوي الذي فجر نفسه لاستهداف السفير البريطاني في صنعاء وغيرهما إلا نماذج لشباب أذكياء لا يختلفون عن زاهي الجبالي ممن استدرجهم »الإنسان الرجيم« وأوصلهم إلى ذلك المصير