سمير رشاد اليوسفي -
السقوط في وحل الخيانة
* أبدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون استغرابها الشديد من أحزاب المشترك .. بعدما علمت بالمبادرة التي قدمها رئيس الجمهورية لقياداتها .. والمتضمنة استيعابهم في حكومة ائتلاف وطني.. تشرف على الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على التعديلات الدستورية من قبل الشعب.. بعد إقرارها في مجلس النواب، وذلك كنتيجة لاعتراضهم على تشكيل اللجنة العليا من القضاة.. والتي كانت فكرتهم بالأساس.. وقابلوها بالتعنت!
* والسؤال: ماذا تريد قيادات أحزاب المشترك؟
* طلبوا لقاء هيلاري كلينتون..داخل السفارة الأمريكية بصنعاء... ودخلوا مبنى السفارة بسيارات زجاجها عاكس.. لعلمهم بأنهم ارتكبوا خطيئة.. وما يقومون به مخجل، ومخالف للنظام والقانون، والأعراف الدبلوماسية... ثم انتظروا كالعبيد .. خمس ساعات متواصلة، ريثما تفرغ لهم (السيدة) كلينتون.. وأثناء اللقاء.. ما الذي حدث: شكا عبدالوهاب الآنسي، وبكى العتواني... وزعق المتوكل.. وناح البقية كالثكالىّ.. ثم خرج عبدالوهاب الآنسي بتصريحات كذّب بعضها بعضاً... وناقض فيها نفسه أكثر من مرة... ولم يقل :إن هيلاري كلينتون نصحتهم بضرورة المشاركة في الانتخابات والتعديلات... مالم فالمقاطعة حق ديمقراطي مكفول للجميع، بعيداً عن الصراخ والولولة.. والاتفاقيات غير المشروعة.. كما لم يقل إن لقاءهم (المشبوه) بها مخالف لما كانت تؤمن به جماعته .. علاوة على أنه لو تم في أمريكا نفسها.. وليس في مصر أو قطر ، لاعتبر خيانة عظمى.. يستحق مرتكبها الزج به في معتقل جوانتانامو.
* المشترك يستميت لإبرام اتفاق مع المؤتمر الشعبي العام، يؤجل من خلاله الانتخابات، مع أن الدستور لا يسمح بذلك سوى لعامين، ولمرة واحدة فقط، وهو ما حصل في اتفاق فبراير 2009.. يكرر ذلك، سعياً منه للدخول مرة أخرى في جدل سفسطائي لاينتهي، وحوارات عقيمة.. إذا ما قبلها الآنسي، اعترض عليها ياسين نعمان.. وإذا ما وافق عليها الاثنان.. رفضها المتوكل.. وهلم جرا.. والنهاية إدخال البلد في حيص بيص.. ومتاهة لا مخرج منها.
***
حذر الكثير من المحللين السياسيين من مغبة التوقيع على اتفاق فبراير 2009، مؤكدين أن المشترك -بذلك- يجرجر الحزب الحاكم للمجازفة بوضع اليمن في فراغ دستوري، وحالة من الفلتان والفوضى لاسمح الله... على وهم من قياداته أنهم سيتمكنون من الانقلاب على النظام، والاستيلاء على الحكم بالقوة، وكأنهم لا يعلمون أن دخول البيوت.. وحتى القصور.. لا يكون إلا من أبوابها ..عبر صناديق الاقتراع.. وليس بالقفز فوق الأسوار والنوافذ!
***
لقد استنفد فخامة الرئيس كل الخيارات المتاحة... وطرحها أمام هؤلاء.. حرصاً منه على مشاركتهم في الانتخابات والتعديلات الدستورية القادمة، خصوصاً أن هذه التعديلات صارت مهمة، وملبية لطموحات الشارع اليمني، بما فيها من توزيع للصلاحيات والاختصاصات بين السلطة المركزية، وهيئات الحكم المحلي، ومشاركة كافة أبناء الوطن في صناعة القرار، ناهيك عن استيعابها لمكانة المرأة في المجتمع من خلال منحها أربعة وأربعين مقعداً برلمانياً.. ولأن هذه التعديلات الدستورية ليست وحياً يوحى أو قرآناً منزلاً من السماء.. فقد طلب منهم المشاركة في مناقشتها، مع بقية أعضاء مجلس النواب، ولا بأس من الحذف والإضافة، وفقاً للنقاشات المطروحة، وقدرتهم على الإقناع والتأثير... لكنهم – كعادتهم دوماً – أصروا واستكبروا، وأغفلوا كل إيجابيات التعديلات، التي كانت مطلباً لهم من قبل، وظهروا بحجج وذرائع لا وجود لها إلا في خيالاتهم، أو في رؤوس من يوسوس لهم بها .. ممن يريدون إيقاعهم في المزيد من الخطايا، والتوهان حول المجهول..
هم يتذرعون اليوم بأن ثمة نوايا للمؤتمر بخلع (العداد) والمقصود تأبيد الرئاسة، مع أن ذلك لم يذكر، وما ورد في التعديلات الدستورية، هو تخفيض سنوات الرئاسة إلى خمس سنوات فقط، بدلاً من سبع.. وظهر لهم هذا الهاجس بسبب إلغاء الفقرة التي كانت تنص على حصر فترة الرئاسة بدورتين... ومع أن عدم ذكر هذا النص لا تنفرد به اليمن، بل هو موجود في كثير من دساتير العالم، إلا أنهم اعتبروه مدخلاً لتأبيد حكم الرئيس، وكأنهم لا يثقون في قدرتهم على المنافسة والفوز ..وموقنون بأن الشعب لن يختارهم في أية انتخابات!! ولو ظل المؤتمر يستجيب لهواجسهم، لطالبوا بنص دستوري يقرر الرئاسة للمشترك!
***
إن هذه التعديلات في غاية الأهمية، ومن الخطأ عدم استغلال الفرصة التاريخية في إقرار ما فيها من إيجابيات، ومناقشة ما فيها من سلبيات إذا ما وجدت، ومن حق المشترك أن يضيف نصاً بحصر الرئاسة، لا أن يرفض التعديلات جملة وتفصيلاً، بناء على أوهام وظنون .. وعليهم أن يثقوا بالشعب ويأخذوا في الاعتبار أن هذه التعديلات ستعرض عليه للاستفتاء، والتأشير عليها بالرفض أو القبول، وقد سبق أن عرض عليهم فخامة الرئيس الدخول في حكومة ائتلافية تشرف على الانتخابات والاستفتاء ليضمنوا حياديتها ومصداقيتها.. فلماذا لا يثقون بأنفسهم.. ولا ببعضهم البعض.. ولماذا لا يثقون بالشعب.. وماذا يريدون؟... والسؤال الأخير، وجهته هيلاري كلينتون، بعدما استمعت لنواحهم وعويلهم.. الذي هو بلا معنى، ولا يسمن ولا يغني من جوع.
***
إن وجود هذه المعارضة المتمثلة بأحزاب اللقاء المشترك، بما فيها من تعنت وفجاجة.. وتناقض مفضوح، وخروج عن الثوابت، والتفاف على الديمقراطية، وحرص على المساومة والابتزاز خارج المؤسسات الدستورية.. لهو أكبر دليل على المكانة الديمقراطية التي وصلت إليها بلادنا، وعلى الحريات السياسية والصحافية المتاحة أمام الجميع... ومن العيب أن تتجاهل قيادات هذه الأحزاب، ما وصلت إليه بلادنا في هذا المضمار... فلو كانوا في أي بلد عربي آخر لوجدوا أنفسهم رهيني السجون والمعتقلات، إذا لم تقطع ألسنتهم... وأرجلهم وأيديهم... ولهم العبرة بما كان يجري في تونس الشقيقة، التي صاروا يتشدقون بما حصل فيها... ويتوانسون في الحديث عن طغيان رئيسها المخلوع... مع أنهم أكثر الناس علماً بما كان يحدث في ذلك البلد الشقيق من استبداد وطغيان... وتضييق على الناس، وصل إلى حد منع المواطنين من استضافة أصدقائهم في بيوتهم إلا بإذن من الحزب أو الشرطة.. ناهيك عن عدم السماح لهم بارتياد المساجد إلا في أحياءهم فقط... وببصمة الإبهام!!
***
فلماذا الحديث الممجوج عن تونس.. ومقارنتها بما لا يسوغ مقارنته.. لعن الله الخصومة، عندما يفقد أطرافها المصداقية وشرف التخاصم.. ولكني ألتمس لهؤلاء العذر بعدما شاهدت الشيخ يوسف القرضاوي وهو يدعو لثورة الشعوب من قناة الجزيرة- التي سبق له أن خطب فيها عن فوز قطر في استضافة مونديال كأس العالم وأهمية ذلك للإسلام والمسلمين – غافلاً بحكم شيخوخته، وربما خرفه أنه يتحدث من دولة عربية لا تختلف عن بقية الدول الأخرى.. وليست موئل الخلفاء الراشدين!!
***
إن السلطة والمعارضة بمسيس الحاجة لتلمس نبض الشارع والسير خلف إيقاعه.. وحل مشكلاته.. فاليمنيون ليسوا أرق قلوباً وألين أفئدة فحسب.. ولكنهم أكثر الناس تمييزاً للصادق من الكاذب.. والخبيث من الطيب.
واسلمي يايمن.