جميل الجعـدبي -
إياكم واغتيال الديمقراطية على طاولة التوافق وحكومات المراضاة
أن تتوافق الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان على تعديل أكثر من (30) مادة في قانون الانتخابات العامة والاستفتاء ، فذلك كافٍ للقول أن الحوار بين الأحزاب خلال الـ4 سنوات الماضية حقق النتائج المرجوة بحسم أهم القضايا الخلافية وأطول مسلسلات الجدل البيزنطي والتي غالبا ماتتكرر عند كل موسم انتخابي ومحطة ديمقراطية جديدة ..
فيكفي أن توافقت الأحزاب على قضايا السجل الانتخابي ، والموطن الانتخابي، وآلية الفرز وزمن إعلان النتيجة ،وتحييد وسائل الإعلام الرسمية والمسئولين التنفيذيين والمال العام في الانتخابات ، وذلك لتهيئة الطريق والملعب الانتخابي لخوض السباق المشروع إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع ، ويستوجب بالتالي عودة كل طرف من أطراف الملعب السياسي في السلطة والمعارضة إلى حيث يفترض أن يكون .!
فليس من التعددية السياسية والديمقراطية أبداً توافق السلطة والمعارضة على كل صغيرة وكبيرة، وموافقة المعارضة على اصلاحات الحزب الحاكم، وخطط حكومته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، فالأصل هو الاختلاف والتباين في الرؤى والبرامج والتوافق هو الاستثناء ، والا فما حاجتنا للديمقراطية والتعددية السياسية والانتخابات طالما والأغلبية ستصبح أسيرة لبدعة التوافق مع الأقلية ، والتقاسم هو المحصلة النهائية.!
ولا شك ان الحوار قيمة حضارية للتخاطب والتفاهم وتقريب وجهات النظر، لكنه يصبح اداة للتعطيل والاعاقة حينما لايحافظ على المواعيد الدستورية والقانونية ، باعتبار انتظام اجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة احد اهم المبادئ الاساسية للنظم الديمقراطية في العالم ، لكن حوار اليوم يبدو وسيلة للالتفاف على حقوق الناخبين ومعملاً لتخصيب الشرعية الدستورية والقانونية والسياسية والشعبية في بدع ومسميات تفتقد لأبسط مبادئ الديمقراطية ولا تعبر غير عن مزاج أصحابها .
أن تفكيك الاشتباك الحاصل بين المؤتمر كحزب حاكم والمعارضة في اللقاء المشترك يتطلب ترشيد الحوار وعدم الإفراط في التوافق، فالتجربة الديمقراطية في بلادنا تجاوزت الـ 20 سنة وبلغت سن الرشد، قابلها نمواً تصاعدياً في الوعي الانتخابي والسياسي والديمقراطي لدى المواطنين، فيما الأحزاب السياسية لا يبدوا أنها قادرة على استيعاب هذا التطور ولا مواكبته، فكانت الإعاقة والتراجع هي النتاج الطبيعي للجمود الفكري والإفلاس البرامجي، وربما الخوف من القادم، والمحصلة النهائية تحايل على الناخبين وتوافق غير شرعي لتمديد اتفقا عليه واقراه في لمح البصر .!
الاختلاف والتباين هو جوهر التعددية السياسية والنظم الديمقراطية وما يحدث الآن تحت مسميات الحوار والتوافق ومن ثم التقاسم والمحاصصة هو إفراغ لمضمون التعددية وارتداد عن الديمقراطية التي جاءت مقترنة بالوحدة، لايقل خطورة عن الارتداد عن الوحدة والثورة والجمهورية ،لأننا بهذا الاعتساف الحاصل سنؤسس لأعراف قبلية وحكومات (مراضاة وطنية) ، وليس تعددية تنافسية برامجية تنموية تتطور من تجربة انتخابية لأخرى، كما أنا سنورث مخزوناً وفيرا من الاحتقانات والصراعات للأجيال القادمة .
في كل الدول الديمقراطية تفترق الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة عقب الانتخابات ويمضي كلاً منهما لتنفيذ برامجه فحتى المعارضة يكون لديها برامج تبقيها على التصاق بالشارع ومراقبة مدى إخفاق الأغلبية الحاكمة في تنفيذ برنامجها الانتخابي ومغازلة جمهور الناخبين من قواعد الأغلبية لسحبهم لصفها في الانتخابات القادمة ، لكن في بلادنا فقط تتوعد الأقلية المعارضة بالانتقام وتتشفى من الناخبين باعتبارهم سبب البلاء، وفي بلادنا فقط تظل الأغلبية الحاكمة مغرمة بحوار الأقلية المعارضة ومنشغلة بها عن تنفيذ برامجها وخططها المتعلقة بهموم الناس وقضاياهم المعيشية، وفي بلادنا فقط تبقى المعارضة مهووسة بإنتاج وإعداد برامج الإنقاذ لإخفاقات الأغلبية ،وحشد كل ما من شانه ان يضعف الدولة ويسقط النظام ، فشغلت نفسها بانتضار الكوارث ،وملهاة الحوار والاعتراضات على تنفيذ برامج الأغلبية عن قضايا الشارع وهمومه ،فلا حلت الكارثة وتحقق مرادها ، ولاهي أنقذت السلطة وقبضت الثمن ، ولا هي بقيت مرتبطة بالشارع كرصيد شرعي للاستقواء به على السلطة..! فلو كان هناك معارضة تقوم بواجبها الوطني لمَا ظهر التمرد الحوثي في صعدة ولا الحراك الجنوبي في بعض مناطق بعض المحافظات الجنوبية والتي شهدت بلادنا في عهدهما أفظع أنواع الجرائم والمنكرات.!.
يقول المدير التنفيذي للمؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية /بيترز وليمز في حديث صحفي سابق (دور المعارضة في الدول الديمقراطية مراقبة تنفيذ الحكومة لوعودها، إضافة لطرح سياسات بديلة للحكومة. ويفترض بالأخيرة الأخذ بالآراء الصائبة للمعارضة، غير أن الحكومة ليست ملزمة قانوناً للعمل بمقترحات المعارضة؛ وعلى هذه تقديم برامج جيدة حتى تكسب قلوب وعقول الناخبين ليصوتوا لها في انتخابات تالية).. وفي بلادنا ليس غريبا ان تسجل المعارضة اعتراضها على كل خطوة تتخذها الاغلبية الحاكمة ، بما في ذلك اجراء تعديلات قانونية او دستورية لانفاذ الوعود الانتخابية لجمهور الأغلبية وتحقيقها على ارض الواقع ، فحق الاعتراض هنا حق مشروع لاغبار عليه ، لكن ان ترهق المعارضة في بلادنا نفسها واتباعها بحق الإعاقة والتعطيل بذريعة ايقاف (تفرد) الاغلبية بالمضي في اقرار التعديلات واجراء الانتخابات واعادتها الى(حظيرة التوافق) فهذا من عجائب المعارضة في اليمن ، لان الامر الطبيعي ان يقر الحزب الحاكم خطط وسياسات وإجراءات حكومته (منفردا) كون المعارضة اصلا معترضة ورافضة ومنددة وشاجبه لهذه السياسات والإجراءات من اولها ومنذ انزالها في البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية عام 2006م، والا ماكانت منحت اصواتها لبرنامج مرشحها المهندس/ فيصل بن شملان – رحمه الله- ..! فلو كانت الغاية من التعددية السياسية والديمقراطية هى (التوافق) كان برنامج انتخابي واحد يكفي وكفى الله المرشحين وانصارهم عناء الحملة الانتخابية .! وكانت خزينة الدولة اولى بتوفير نفقات الانتخابات ..!
في القوانين الانتخابية والأنظمة الديمقراطية تعتبر التوافقات خارج القانون ممارسات غير شرعية من قبل كل الأحزاب ، وفي بلادنا تعتبر المعارضة اى اجراءات تحضيرية للوفاء بالتزام الانتخابات من قبل الحكومة غير شرعية وباطلة كونها (انفرادية) مخالفة لدستور (اتفاق فبراير ) وبالتالي فهي باطلة ،لانها بنيت على باطل وما بنى على باطل فهو باطل .. ووفقا لهذه القاعدة التي تتحجج المعارضة بها ستكون مطالبها واعتصماتها وحواراتها وضجيجها وصراخا هذا كله باطل في باطل ، لانه مبنى على (اتفاق فبراير) وهذا الاتفاق يشبه تماما (وعد بلفور) عندما (اعطى من لايملك لمن لايستحق) فمصدر الشرعية هو الناخب سواء من جمهور المؤتمر او المشترك منحكما الثقة في انتخابات سابقة وقمتما بالتمديد لبعضكما عامين إضافيين في اتفاق تعوزه الشرعية ، ولنا ولكم في سيرة وتاريخ الراحل المهندس / فيصل بن شملان – رحمه الله- القدوة والحكم حينما استقال من مجلس النواب عام 2001م احتجاجا على تمديد البرلمان لنفسه لـ(6) سنوات بدلا عن (4) ، وفعل ذلك احتراما لصوت الناخب حيث الشرعية الحقيقية ، وبالتالي فالسير نحو الانتخابات لترميم جدار الشرعية أفضل بكثير من البكاء على طاولة حوارات عقيمة لاتنتج سوى صفقات غير قانونية واتفاقات باطلة ، وبدع ظلالية ..!!
[email protected]