د. علي مطهر العثربي -
خفايـــا المؤامــرة !!
عندما تتحول الامور السياسية والسيادة الى رغبة من البعض في الانتقام الشخصي، يصبح الفعل غير العقلاني همجياً وتسقط القيم والمثل الأخلاقية وتسيطر الانتهازية والأنا الفردية، ويفتح المجال أمام الفوضى العارمة التي خطط لها أعداء الأمة العربية والاسلامية، والتي أسموها بالفوضى الخلاقة من وجهة نظرهم.
إن سياسة فرّق تسد التي انتهجها أعداء الأمة العربية والإسلامية منذ وقت مبكر مازالت كما هي وقد اختلفت الوسائل فقط، فقد كانت في السابق قائمة على استقطاب عناصر ذات نزعة سلطوية استحواذية وتقديم الاغراءات المادية لها لتحقيق انقسام الصف العربي وتوسيع رقعة الخلافات بين أبناء الوطن الواحد، وقد نجحت هذه الوسيلة وحققت أهدافها عقب انتفاضة الشعوب العربية ضد الاستعمار والقيام بالثورة ضد الوجود الاستعماري منذ خمسينيات القرن الماضي، وقد ظهرت حكومات عربية عقب الاستقلال مكبلة بقيود معاهدات الإملاء التي فرضها الاستعمار، والتزم بها القادة عقب الاستقلال، وجاءت قيادات بعد ذلك عبر الانقلابات الدموية ولم تستطع التخلص من تركة الاستعمار القديم.. وقد تمكن اليمن من الخروج على هذا السيناريو المطبق على الوطن العربي وتحرر تماماً من كل الإملاءات في 22مايو 1990م وأعاد لحمة الوطن الواحد وأعلن التعددية السياسية والحزبية، وخاض تجربة ديمقراطية بالغة الأهمية في 93-97 ، 99، 2001م، 2003م، و2006م، واتخذ خطاً وحدوياً وأصر على ضرورة انتظام انعقاد القمة العربية في مواعيدها المحددة، وتقدم بمشاريع لتحديث العمل العربي المشترك، وأكد على أهمية الوحدة العربية، وكسب اليمن تعاطفاً عربياً واسعاً، وبدأت القيادات العربية تتجه نحو المشروع الوحدوي النهضوي اليمني، كما كان لليمن مواقف قومية بالغة الحساسية وشديدة التأثير والتي قوبلت بصدى عربي مميز في ساحة الفعل العربي المعاصر، وظهرت اليمن بتلك الخطوات القومية بروح المسؤولية تجاه القضية العربية الأولى.. القضية الفلسطينية.
وأبدت القيادة السياسية مواقف قومية قلَّ أن نجد لها مثيلاً في الوطن العربي، وجميع تلك المواقف أعطت مؤشراً لأعداء اليمن وأعداء الوحدة العربية بأن شرارة الوحدة العربية قادمة من اليمن لا محالة.. ونتيجة لذلك فكر الأعداء في تغيير وسائل تنفيذ سياستهم الثابتة «فرّق تسد» واستخدموا العديد من الوسائل المتاحة.
لقد استفاد أعداء الأمة العربية من الأدوات السياسية الموجودة في الوطن «المعارضة الفاشلة»، وأحدثوا حراكاً سياسياً خطيراً تحت غطاء المنظمات الإنسانية وقضايا حقوق الانسان، وقد اندفع الكثيرون من الذين لديهم قضايا شخصية أو فئوية نحو هذه المنظمات والسفارات الاجنبية باعتقاد أن تلك المنظمات والسفارات لا تخدم إلا القضايا الانسانية، ولم يدرك أولئك الذين انخدعوا بالإغراءات المالية وتأثير الشعارات المخادعة وهرول الكثيرون من الفاشلين والذين فقدوا مصالحهم، البعض بوعي كامل وحرية مطلقة بما يفعل وما يُطلب منه، والبعض بدون وعي وربما بحسن نية ولم يدرك أنه يخدم أعداء الوحدة، وفي نهاية المطاف تجمعت الأفعال والأقوال لتخدم أجندة العدو الخارجي وتقف ضد المصالح الوطنية العليا.
إن خروج الشباب الذين تواجدوا في الساحات والشوارع العامة لم يكن بهدف موحد وواضح، بقدر ما كان الدفع والتوجيه غير المحلي هو الصورة الواضحة، وقد تم محاورة الكثير من أولئك الشباب فلم نجد لديهم أهدافاً أو مطالب بقدر ما وجدنا شباباً مدفوعاً من الاحزاب السياسية الفاشلة التي لم تعد تقبل بالديمقراطية والانتخابات الحرة، ووجدت في بعض الشباب المندفعين والمتحمسين ضالتها واستلهمت ذلك مما حدث في تونس ومصر ودفعت بأولئك الشباب الى الاعتصامات ولم ترد أن تظهر في الصورة، وما أن أدركت أن حوار الشباب سيقنعهم خرجت تلك الاحزاب الفاشلة انتخابياً لتعلن أنها خلف أولئك، وقالت بأن الطريق الى السلطة هو الفوضى العارمة، ومارسوا مع العلماء نفس الاسلوب الذي استخدموه مع المؤتمر الشعبي العام في موضوع الحوار، بل لقد وصل بهم الشطط الى اتهام العلماء، ولذلك فإن خفايا التآمر على الوحدة الوطنية باتت على درجة عالية من الوضوح.. وينبغي على العقلاء والحكماء أن يفوتوا على العدو الفرصة ويتجاوزوا ذلك بإذن الله.