محمد حسين النظاري -
مبادرة لا تقبل الرفض
• قليلة هي الفرص التي يجب على الإنسان أن يغتنمها أن هو أراد ان يخرج مما هو فيه , ولان الوضع الذي نحن فيه أصبح معقدا لدرجة أن الأفق لا تنبئ بخير , إلا أن بارقة الأمل دائمة ما تصدر عن رجال خبروا الحياة , من خلال معاصرتهم لكثير من المحن , ولان الحلول لا تعد حلولا إلا إذا لامست كبد المشكلة وعالجت مصدر الداء , كل ذلك تجلت ملامحه في المبادرة التي قدمها رئيس الجمهورية أمام المشاركين في المؤتمر الوطني بميدان الفقيد على محسن المرسي , ولو تمعنا في محتواها لوجدناها نسخة طبق الأصل لما نادت به المعارضة طويلا, إلا أن الغريب والذي يصيب أي عاقل بالدهشة , لما تم رفض المبادرة الجريئة من قبل المعارضة حتى قبل ان ينهي الأخ الرئيس كلمته ,وليس لذلك أي معنى سوى أن المعارضة تتجه للرفض من اجل الرفض فقط , لا من حيث المضمون أو الشكل أو الحيثيات , وألا لكانت المعارضة أخذت وقتها وتشاورت فيما بينها , على الأقل لتقنع الناس بجدوى رفضها وما هي الأسباب التي ارتكزت عليها .
• لن أبالغ إن قلت بأن الأخ الرئيس قد فاجأ حتى المقربين منه في صيغة وتوقيت ومكان المبادرة , فالصيغة بدت متناغمة تمام مع ما يدعوا إليه شباب التغيير , وجاءت منسجمة مع ما سعت إليه المعارضة , ومن حيث التوقيت فقد جاءت في وقتها لا كما يقال أنها أتت متأخرة , ولا يوجد تأخير بين المتحاورين إطلاقا , فنحن نرى المتقاتلين في دول أخرى يجلسون على طاولة الحوار بعد ألاف القتلى ولم يقل لهم احد ان الوقت قد تأخر أو فات , ف، تصل متأخر خير من أن لا تصل أبدا , أما من ناحية المكان فقد جاء وفق الرؤية التي دعت إليها المعارضة في إحدى نقاطها الخمس , بأن يتوجه الأخ الرئيس بمبادرته إلى الشعب وهو ما فعلا تماما , فقد نادى بما يفيد الشعب نفسه , فالشعب هو الباقي , والأشخاص زائلون بمفهوم الشخصنة , والأحزاب زائلة بمفهوم الانتهازية بما فيه الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة , ويبقى الوطن الذي يحوي بين جنباته الشرفاء فقط .
• لقد صدمت مبادرة الأخ الرئيس المعارضة لأنها لم تتوقع منه ذلك لأنها بكل بساطة قاسته بمستوى فهم بعض أعضائها للأحداث الجارية , وكنت واثقا وراهنت الجميع بأنه سيقدم كل شيئ لتجنيب الوطن ويلات القادم المؤلم , وقلت في مقالي السابق بالحرف الواحد (وان كنت أتوقع منه أن يقدم ما لا يخطر على بال احد من اجل مصلحة اليمن وهو الذي عودنا على تقديم العديد من المبادرات , فلندعه يقود عملية تصحيح واسعة ,إنها فرصتنا جميعا أن نحّكم لغة العقل من اجل التغيير الايجابي بأقل خسائر ممكنة) , وذلك ما حصل ولكن ما راهنت عليه أيضا أن ترفض المعارضة اي مبادرة لكن
المفاجئة أن ترفض حتى من قبل تسمع ؟.
• إخواني وأخواتي الشباب والفتيات في ساحة الجامعة وميدان التحرير وبقية ساحة الوطن , يا من لا تتبعون المعارضة ولا الحزب الحاكم , انتم فقط من وجهت إليكم المبادرة مع بقية أفراد الشعب , وانتم من فرضتم واقع التغيير السلمي في بداية الأمر قبل أن يتسلق على أعناقكم من لهم مآرب أخرى , لقد نلتم انتم أيها الشباب ما لم تنله المعارضة بجحافلها , لأنكم بدأتم بصدق قبل أن ينحرف مسار البعض وتتفوق عليه الرغبة الحزبية عن الانتماء للوطن , يكفيكم اليوم أن تفاخروا بأنكم مصدر التغيير بأسلوب سلمي مغاير تماما لما حدث ويحدث في الدول الأخرى , ورحم الله كل روح بريئة أسلمت نفسها إلى بارئها من قوات الأمن وشباب الوطن ومن الله على المصابين بالشفاء العاجل .
• في اعتقادي بأن المبادرة ستكون حاسمة في توضيح الرؤى ليس أمام الداخل فقط بل أمام الرأي العالمي , فقد اتضحت الرؤية طرف يقدم التنازلات حتى وان كانت متأخرة وطرف يرفضها حتى قبل سماعها , طرف يريد تهدئة الأمور , والآخر يقود إلى اشتعالها , وكما يقول المثل تستطيع أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت .
• فخامة الرئيس حتى يكون للمبادرة صدىً فعال فعليكم الإسراع في تنفيذها , وبالتوازي مها يجب الإعلان عن كشوفا المفسدين في السلطة والمعارضة , وإذاعة أسمائهم في وسائل الإعلام , وعلى هيئة مكافحة الفساد ان لا تحاربه على استحياء بل عليها أن تعلم الشعب بما وصلت إليه من نتائج , لكي يتسنى للناس معرفة المفسد من المحسن , وألا ما دورها إن بقيت الملفات لديها أو رفعت سرا للنيابة العامة , ففي هذا استغفال للرأي العام الراغب في كشف الفاسدين , وألا تظل هذه الكلمة منفردة بل يجب أن تضاف إليها القوائم الاسمية للمفسدين والمتنفذين والمتلاعبين بخيرات البلاد والعباد .
• فخامة الرئيس أنت عازم على التغيير فلا تجعل للتغيير حدود ولا أقارب وهيئات ولا أحزاب ولا منظمات , اجعل سيف التغيير يطال الجميع بالحق , فالشعب بعد سماع مبادرتكم الشجاعة ينتظر منكم التطبيق , فالوقت لم يتأخر كما يقول البعض بل هو بدأ فعلا , والناس كلما شعرت بخطوات التغيير , وبدأت تتلمسها على ارض الواقع ,هم فقط من سيثورون على أعداء الوطن , وحينها لن تجد في صف الطرف الأخر احد , فالطرف الآخر يزايد على التغيير , فإن بدأ التغيير فعلا فلن يجدوا شيئا آخر يزايدون عليه .
باحث بجامعة الجزائر
[email protected]