-
التطرف السياسي والديني..!!
ليس تحاملاً أو تجنياً أو قفزاً على حقائق الواقع القول بأن ما يعاني منه الوطن اليوم من أزمات واحتقانات وتوترات، ليس سوى نتاج لحالة التطرف السياسي، التي استبدت بمجريات العمل الحزبي وأصابت بعض القوى والتيارات السياسية، وسيطرت على خطابها وطريقة تفكيرها، ومنهجية عملها، وأسلوب تعاطيها مع القضايا الوطنية، بما فيها مسألة التداول السلمي للسلطة وكيفية التعاطي مع هذه المسألة، المرتبطة بالعديد من القواعد والتقاليد الديمقراطية، التي لم يستطع البعض مع الأسف الشديد حتى اليوم استيعابها أو فهمها، بفعل طغيان فكر التطرف الذي عشعش في عقول مثل هؤلاء إلى درجة صار فيها العمل السياسي والحزبي بالنسبة لهم محكوماً بهذا الفكر، الذي يقوم على رفض الآخر، ورفض الحوار معه أو القبول بطروحاته مهما كانت صائبة أو موضوعية أو عقلانية أو منطقية.
والأخطر من كل هذا وذاك، أن تبرز تحديات هذا التطرف السياسي في الوقت الذي نشكو فيه من مخاطر التطرف الديني، الذي يعتنق فكر الإرهاب، والذي يستعدي هو الآخر كل فكر يميل إلى الاعتدال والوسطية، ويتمسك بمنهاج "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن"، بل أنه يعمل على تكفير المجتمع وينكر حق أبنائه في الحياة الآمنة والمستقرة، على قاعدة التعايش والوئام، ومبدأ التسامح الذي يشكل مرتكزاً أساسياً لازدهار الحياة ونماء المجتمعات.
والأشد إيلاماً أن نجد هذا الفكر المتطرف بجناحيه السياسي والديني، رغم الاختلاف الثقافي يتلاقح مع بعضه البعض، ويتفق على هدف واحد هو نشر الفوضى والخراب والتدمير في هذا الوطن، بعد أن التقت أهداف أصحابه على غاية واحدة هي إسقاط النظام، لأن في إسقاط هذا النظام فرصة لكل منهما في القيام بما يحلو له حتى ولو كان الثمن لذلك تمزيق هذا الوطن إلى عدة أشطار، فالمهم أن يجد كل منهما نصيبه من هذه الكعكة مع بقية الجوقة التي لكل منها أجندته.
فالقاعدة تأمل في إقامة "إمارة إسلامية" على غرار المشروع الطالباني الذي برز ذات يوم في أفغانستان، والحوثيون يطمحون إلى إقامة دولة مذهبية في شمال الشمال، والإخوان يتطلعون إلى قيام دولة "الخلافة" في مثلث الوسط، فيما تنتظر القوى القومية والماركسية أن تحصل على جزء من هذه الكعكة ولو في نطاق مديرية واحدة تنفرد فيها بالحكم وتصدير ثورتها التحررية وتعميمها على كل المنطقة العربية.
وأياً كان انهماك هؤلاء في الركض وراء مشاريعهم، فإنهم يبنون مواقفهم وطروحاتهم من هوس وهستيريا فكر متطرف يؤكد أن التطرف مهما تنوعت حلقاته ومناهجه وأدواته ووسائله ومنابته فإنه في الأول والأخير ينهل من ثقافة متطرفة واحدة، تتصادم كلياً مع قيم الاعتدال والتسامح وخطاب العقل ولغة المنطق ومقتضيات الحجة والرشد والاتزان.
وفي ظل إفرازات هذا الفكر المتطرف، هاهي الحقيقة البادية للعيان تشير إلى أن كل هذه الأطراف لم يعد يهمها أمر هذا الوطن وشأن أبنائه، وأي مآل سينتهي بهم المطاف إليه، وأي مآس ستحل بهم وكوارث ستحيق بهم وبأبنائهم والمنقلب الذي سينقلبون إليه.
بل أنهم يطالبون أبناء هذا الشعب بالسير خلفهم حتى ولو كان الطريق إلى ذلك محفوفاً بالمخاطر ومن يسير فيه كمن يمشي على الجمر والشوك والشظايا.
والسؤال:
- لماذا يريد هؤلاء أن نصبح أسرى لمشاريعهم المتطرفة وأجندتهم الخرساء ومراميهم التدميرية؟.
- ولماذا يريدون أن يحولوا هذا الوطن إلى ركام من الدخان والرماد والدماء والأشلاء والخراب والدمار..؟.
- ولماذا يريدوننا أن ننساق في هذا الطوفان الكاسح، والوجع الجارف، والحزن الراعف؟ وأن نكون نحن من يدفع ثمن مشاريعهم الأنانية والحمقاء الحبلى بالألم والأنين والقهر..؟.
- ولماذا يريدون أن نسقط في مستنقع الفتن وبحر الفوضى وليل كئيب ليس له آخر..؟.
- وهل علينا أن نصدق أن فكر التطرف يمكن أن ينتج مشروعاً متشحاً بالنبل ونقاء القلوب ومعاني التسامح، وهم الذين يبنون مشروعهم للتغيير على قاعدة "أنا ومن بعدي الطوفان"..؟!!.
ومع كل ذلك لا نخشى على هذا الشعب من كل الزوابع والعواصف والأراجيف والدسائس والمكائد، فهو من تجاوز ظروفاً ومنعطفات أصعب وأشق، ولديه من الخبرة والوعي والصبر ما يؤهله للحفاظ على أمنه واستقراره ووحدته ومكتسباته.
وشعب بهذه الإرادة والعزيمة والاقتدار لا خوف عليه، ولن يرضى بالتفريط في خياراته وثوابته الوطنية، وتطلعاته في حاضر آمن ومستقبل مشرق يصنعه بجدارة.
*افتتاحية صحيفة الثورة