عبدالحفيظ النهاري -
تحالف تقدمي .. ينهض بالمشروع المدني !
بات الوطن في مهب الهجمة الظلامية التي تقودها قوى التطرف والتخريب والإرهاب الإسلامية ، والعشائرية ، والمناطقية ، وأصبحت مكتسبات الثورة والوحدة والديمقراطية مهددة بصورة مباشرة من قبل ذلك التحالف التقليدي المتخلف الذي يريد أن يعيد عجلة الثورة إلى الوراء ،وأن يئد المشروع المدني المتخلق والذي انتقل من يد الطلائع الراديكالية الثورية التقدمية إلى الصبغة المؤسسية من خلال المنظومة الديمقراطية التي حرصت أن تهضم المشروع التحديثي ومشروع بناء الدولة دون الصدام مع القوى التقليدية بل بمشاركتها إن أمكن ذلك ، وكان ذلك هو رهان الرئيس علي عبد الله صالح ومقاربته طوال مسيرته السياسية.
لكن القوى التقليدية ظلت تحشر الرئيس في زاوية الحاجة إليها ،وتضع نفسها في موضع الضرورة والنصير الذي يمارس الإقصاء الدائم للقوى التقدمية والتخويف منها ، وجعل النظام على مسافة منها لا تسمح بالانفراد بالتحالف معها.
وهي القوى التي وقفت في وجه الوحدة الوطنية وتآمرت عليها ، وحاربت دستور دولة الوحدة ، وعرقلت بناء مؤسسات الدولة الحديثة ، وظلت جاهزة فقط لمشاريع العنف وتحالفات الحروب وتجارتها.
وهي التي عملت من خلال حملاتها الإيديولوجية و المصلحية على شيطنة القوى التقدمية في المخيلة الشعبية وتكريس ملاحقتها وممارسة الإرهاب الفكري والمسلح عليها.
وليس ببعيد عنا ما تعرضت له قيادات الحزب الاشتراكي الشريك الرئيسي في إقامة دولة الوحدة الوطنية من حملة إرهابية من خلال موجة الاغتيالات التي لاحقتهم منطلقة من أزقة الظلام ومتاريس التخلف.
لقد كانت الفواتير التي استلمتها تلك القوى المتطرفة مقابل مواجهة محاولة الانفصال .. فواتير باهظة الثمن دفعت من قيم الحداثة وعلى حساب بناء الدولة الحديثة ، وبناء المشروع الحداثي الذي ثبطت تلك القوى وتيرة بنائه وحولت الوحدة من رافعة للمشروع المدني إلى بيئة لصناعة قيم الفيد والنهب غير المشروع ، وتدمير مؤسسات الدولة التي قدمت مكافأة لأمراء الحرب العائدين من أفغانستان والقادمين من قرون التخلف والظلام.
وظل حلفاء الحروب يقصون الحزب الاشتراكي اليمني ويحذرون أي تقارب بينه وبين المؤتمر الشعبي العام ، إما من خلال تحالف قوى التطرف اليميني معه في المعارضة وفي مواجهة النظام ، أو من خلال استباق الصفقات والتحالفات المؤقتة والخفية من المؤتمر أو النظام ، على حساب القوى التقدمية والمدنية وعلى رأسها الحزب الاشتراكي اليمني والأحزاب القومية.
وكان المتابع الحصيف يعرف بأن قوى التطرف الإسلامي تحشر النظام في زاويتها وتنفرد به إلى حين تأتي فرصة الانقضاض عليه، يساعدها على ذلك بعض القوى الاجتماعية التقليدية التي تتبادل حماية مصالحها مع الإسلاميين خارج الدستور والمنظومة الديمقراطية والقانون السائد.
وظلوا يراهنون على ضرب النظام وإضعافه ومحاولة عزل الرئيس عن نظامه تدريجياً، واختلاق مسافة بينه وبين المؤتمر الشعبي العام، لكي يجردوه من أدواته الشعبية والتنظيمية والمؤسسية.
حتى يأتي الوقت المناسب للانقضاض على شخص الرئيس وهي الخطة التي بدأت منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية ، بل جعلت الانتخابات الرئاسية ساعة الصفر للانقضاض على شخص الرئيس وشخصنة القضية الوطنية ومسألة الإصلاحات .. والتحول من شيطنة اليسار والقوى التقدمية والمدنية إلى محاولة شيطنة الرئيس في المخيلة التنظيمية والإيديولوجية والشبابية تماماً كما فعلوا سابقاً بالحزب الاشتراكي اليمني.
ووفقاً لحساباتهم فقد آن الأوان لإقامة الخلافة الإسلامية أو الإمارات الإسلامية على تعدد ألوانها : القاعدية ، والإخوانية ، والعشائرية ، والمناطقية ، كبديل لمؤسسة الدولة التي اشتغلوا على إضعافها لصالح مشروعهم المستقبلي.
أما وقد أطل ربيع التطرف الأصولي ومع غض الطرف الدولي عن نواياه التخريبية ومشاريعه الهدامة، فقد وجد حلفاء التطرف والإرهاب في اليمن في ذلك فرصة للانقضاض على النظام ومؤسسات الدولة واستغلال البيئة التي اشتغل عليها ثلاثي التطرف لفترة طويلة بما جعل القوى التقدمية خارج الجاهزية للمقاومة بعد أن تعرضت لقمع مزدوج من النظام ومن قوى التطرف والتخريب والإرهاب ، وباتجاه تحقيق حلم الخلافة الإسلامية التي يرون اليوم إمكانية تحققها مع سيطرة تنظيم الإخوان المسلمين على ما يسمى بثورات الشباب في تونس ومصر وليبيا ثم سوريا.
وهاهو المشروع المدني ومكتسبات الثورة والوحدة والديمقراطية في مهب التطرف الذي سيهدم كل شيء ويعيدنا إلى ما قبل الثورة والوحدة والديمقراطية بل ويجعل حلم اليمنيين ـ شباباً وراشدين وكهولاً ـ في المشروع المدني التقدمي، مستحيلاً ، يستلزم استجماع القوى الحداثية والتقدمية للدفاع عنه والحفاظ على لبناته المتحققة والبناء عليها.
ولعل بناء جبهة وطنية تقدمية عريضة للنهوض بالمشروع المدني والحداثي في اليمن أصبح ملحاً وضرورياً للحفاظ على ما تم إنجازه والبناء عليه، وفي مقدمة الرهانات العملية إقامة تحالفات سياسية جديدة تقوم على أسس نقيضة للتحالفات السابقة التي قادتنا إلى ما نحن عليه ،وفي مقدمة ذلك إقامة شراكة وتحالف استراتيجي بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، يستند على الشراكة السابقة في بناء مشروع الوحدة.
والوطن ثـــورة ووحــدة وديمقراطية وبناء أحوج ما يكون إلى مثل هذا التحالف الذي يمكن أن يسند بالأحزاب القومية والتقدمية الأخــرى للنهوض بأجنــدة الإصلاحات والتغيير المستقبلي وبناء المشروع المدني.