عبده محمد الجندي -
المكابرة وسراب الثورة المستحيلة
الذين راهنوا على إسقاط النظام ومحاكمة رموزه واقتلاع فخامة الرئيس وأبنائه من مواقعهم بقوة الحقد الثوري إذا لم أقل تواضعاً من الحياة السياسية اليمنية، لاشك أنهم قد وقعوا وأوقعوا الكثير من الشباب عديمي التجربة بهذا النوع من الكراهية ذات اللاءات المطلقة غير القابلة للحوار وأنصاف الحلول الوسطية الموجبة لتبادل التنازلات من أطراف الأزمة السياسية أياً كانت أحزابهم، وسواءً كانت حاكمة أم معارضة..
إلى درجة من المكابرة لم تعد مجدية في عالم اليوم الذي تحتكم فيه شعوب العالم قاطبة للديمقراطية الليبرالية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان..
أقول ذلك وأقصد به أن هؤلاء المتطرفين الثوريين الذين يعيشون خارج العصر قد افترضوا سلفاً أنهم قادرون بالمطلق على إسقاط النظام بشرعية ثورية على قاعدة (إما أن ننتصر وإما أن نموت) على وزن (إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم) قد أوقعوا أنفسهم وأوقعوا الشباب الحزبيين والمستقلين في هذا النوع من المكابرة، ووهم الثورة المستحيلة وفق ماترسخ لديهم من تقديرات وقناعات شمولية خاطئة وغير قادرة على القبول بالآخر، فوجدوا أنفسهم أمام واقع مختلف يؤكد لهم بأن الآخر موجود وأنه لايقبل بالاستكانة لهذا النوع من الهزيمة السياسية الساحقة ذات الاملاءات المستبدة، وأنه لايملك إلا أن يتعامل مع هذا النوع من الاستبداد بالصمود والمجابهة والتضحية بكل ما لديه من الطاقات والإمكانيات التي تتجاوز المال والجهد إلى الدم والروح، دفاعاً عن النفس والحق ولابديل له - كما قال فخامة الأخ الرئيس - سوى مواجهة التحدي بالتحدي، لأنه يعلم بأن الموت هو البديل المرادف لأي هزيمة محتملة فلا يجد سوى الصمود حتى النصر أو الشهادة.
ومن دواعي الأسف الشديد أن مثقفين لايستهان بتجربتهم اندفعوا وراء هذا النوع من الثقافة الثورية غير الديمقراطية التي تقول إما أن نهزمكم وإما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم ونبيدكم من الحياة والحق.. هؤلاء فوجئوا أن النصر السهل الذي اعتقدوا بأنه سيتحقق للثورة خلال أيام وبالكثير خلال أسابيع لازال بعيد المنال بعد ستة أشهر من الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات غير السلمية ومارافقها من قطع للطرقات وحرمان الشعب من الخدمات الأساسية والضرورية كالبنزين والديزل والغاز والكهرباء باستخدام الأساليب والوسائل العسكرية والقتالية، بداية من الاستهداف المجنون للحرس الجمهوري والأمن المركزي والأمن القومي والقوات المسلحة بشكل عام، مروراً بزج القبائل والمليشيات الإسلامية الحزبية والإرهابية بشكل خاص في حروب خاطفة وهادفة إلى إسقاط جميع محافظات الجمهورية عن طريق الاستيلاء على منشآت ومؤسسات الدولة والممتلكات العامة، ونهاية بحادث الاغتيال الإرهابي لرئيس الجمهورية وكبار قادة الدولة في بيت من بيوت الله في مسجد دار الرئاسة في النهدين اثناء صلاة الجمعة وما نتج عنه من سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى الذين لازالوا يعالجون في الداخل والخارج، لاشك بأنهم قد أصيبوا بخيبة أمل أفشلت كل ما لديهم من الخطط السلمية وغير السلمية إلى درجة جعلت الكثير من الشباب والمتحمسين ينسحبون من الساحات العامة ويلتحقون بالمدافعين عن الشرعية الدستورية دون أن يتورطوا بالدعاية ضد الفرقة الأولى على نحو جعل الملايين في حالة تراجع إلى مئات الآلاف وجعلت مئات الآلاف يتحولون إلى عشرات الآلاف رغم تزايد الأعداد الملايينية للمؤيدين للشرعية الدستورية والمستعدين للدفاع عنها والقابلين بالحوارات السياسية الداعية للاحتكام للإرادة الشعبية وتحقيق الانتقال السلمي عبر الصناديق الانتخابية..
أخلص من ذلك إلى أن هؤلاء الذين لايقبلون بأقل مما يطلقون عليه الحسم الثوري الهادف إلى إسقاط النظام واجتثاث رموزه من الحياة السياسية اليمنية قد وصلوا إلى طريق مسدود تحتمل زج البلد في حرب أهلية طاحنة يتضرر منها الجميع ولايستفيد منها سوى أعداء الشعب، لكنهم غير مستعدين لمصارحة من حولهم باستحالة هذا النوع من الحسم والنصر والاحتكام لما هو مطروح عليهم من دعوات مخلصة لحل الخلافات بالأساليب الحواريــــة والسلميــــة والدستوريـة فنجدهــــم لذلك يلجأون عبثاً إلى المكابرة وماتنطوي عليه من المستحيلات غيــر الديمقراطية.