علي ربيع -
إلى المشدودين بالعنف الشمسي
روج الإعلام الغربي قبل يومين اعتماداً على تقارير لإدارة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) أن تقلبات الشمس هي السبب في اضطرابات الأسواق المالية، وهي أيضاً السبب في أحداث العنف التي اكتسحت كبريات مدن بريطانيا وكبدت حتى الآن الاقتصاد البريطاني أكثر من مليار وستمائة مليون دولار، والخبر على طرافته يؤكد في ناحية من نواحيه أن الآلة الإعلامية الغربية قادرة على التبرير لأخطاء السياسة التي تقترفها بحق الإنسان في شتى أنحاء المعمورة، وفي الحقيقة أن ناسا لم تفاجئنا نحن اليمنيين بهذا الخبر الشمسي كثيراً لأننا نعرف منذ ستة أشهر أن سطوة (الشمس) هي التي تعصف بالدولة في اليمن منفردة عن كل الكواكب السيارة التي تسير في فلكها وتأتمر بجاذبيتها القاهرة بمالها وسلاحها ومشائخها.
حسناً لا نريد أن نحمل الخبر أكثر مما يحتمل، لكنه يجعلنا في السياق ذاته نتساءل عن الثقل الذي تمثله القوى الثورية غير الشمسية في اليمن، هل لها أي تأثير في صناعة المشهد، هل توافق بالفعل على الأخطاء الجسيمة التي ترتكبها القوى الشمسية الإخوانية في حق الوطن والمواطن، وتعطيل أي انفراج يمكن أن تشهده الأزمة اليمنية؟
الدكتور ياسين سعيد نعمان على سبيل المثال عقلية سياسية مخضرمة، ويحترمه قطاع كبير من اليمنيين، هل يوافق الإخوان المسلمين وهم شركاؤه السياسيون على الأعمال الهمجية التي يقومون بها للقضاء على مقدرات الدولة بقوة السلاح، هل في وعيه قبول بمكونات الثورة القبلية ومليشياتها، وهل يعتقد أن هذه القوى التي اختطفت ماضي اليمنيين يمكن أن تؤتمن على مستقبلهم؟
اللقاء المشترك كتكتل سياسي هل هو بالفعل تكتل لقوى حزبية متكافئة أم أنه ديكور شكلي تتحكم به تحضيرية حميد الأحمر للحوار الوطني؟ أسئلة كثيرة يمكن أن تثار إجاباتها واضحة، فشمس الإخوان تسطو، وشمس مشائخهم تتربص بأي ظل يمكن أن يفيء إليه التوافق الوطني، مما يعني ارتهاناً واضحاً لخيار الشمس وتغليباً لأهواء قادتها من المشائخ والعسكر، وهو في الحقيقة أمر يصّعب بقوة وجود طاولة للحوار السياسي العاقل، الذي بغيره لن يخرج اليمنيون إلى طريق سواء.
وفي اعتقادي أيضاً أن المجلس الوطني الذي تتوعد به المعارضة هذا الأسبوع ليس سوى لعبة أخرى من اللعب الخطيرة التي تريد قوى الإصلاح القبلية والعسكرية أن تورط بها شركاءها السياسيين، لتفرض عليهم رؤيتها التدميرية في اللجوء إلى تفجير الموقف السياسي والقضاء على خياراته الآمنة، وتبني الأنموذج العنيف في الوصول إلى السلطة دون النظر إلى تداعيات قرار مثل هذا على بنيان الدولة برمته.
لا يستطيع أحد أن ينكر حضور الإخوان المسلمين وتحالفاتهم الشخصية المشيخية والعسكرية في اليمن، وهو حضور عبرت عنه العمليات الانتخابية المحلية والبرلمانية والرئاسية التي شهدتها اليمن في الفترات الماضية، لكنه حضور لا يمكن له وحده أن يفرض على اليمنيين طريقته في التغيير أو نهجه الأناني في الوصول إلى السلطة، وفي نظري أن فشل محاكاة النموذجين المصري والتونسي في الإطاحة بالنظام مثل ضربة موجعة للأمل الإخواني الذي كان يراهن على ذلك، وهو ما يجعله اليوم يستجدي غطاءً دولياً وعربياً للانتقال إلى محاكاة النموذج الليبي ـ مع فارق القياس ـ واعتناق استراتيجية العنف لإسقاط الشرعية الدستورية والسلطة الحاكمة دون النظر إلى تبعات هذا الخيار الذي سيكلف اليمن ما لا يقوى اليمنيون على دفع كلفته.
العنف خيار مدمر، ولعبة الغالب والمغلوب في الواقع اليمني الراهن محض ترهات، وما لم تبتعد القوى السياسية عن الشخصنة والمقامرة بالوطن لحساب وجهة النظر الأحادية فلن نرى مخرجا سهلاً لما نحن فيه، وفي رأيي أن الوقت لم يفت بعد، وإذا كانت الانتخابات المبكرة ستؤدي نقلاً للسلطة فهي في نظر العقلاء أقرب الطرق وأسهلها كلفة، أما البحث عن أي انتقال بغيرها فهو ليس سوى مضيعة للوقت وإطالة لأمد الأزمة، انتخابات مبكرة لا يترشح فيها الرئيس، وبضمانات خارجية وإشراف دولي حل أسهل ومخرج المناسب لكل الأطراف، فهل يستطيع شركاء الإخوان المسلمين إقناعهم بنبذ خيارات العنف، والتخلي عن حلم كسر الإرادات والقبول بأسهل الحلول؟